محمد ( 30 سنة ) - العراق
منذ 3 سنوات

ايات

السلام عليكم السؤال في بعض سياق الايات يتحول الضمير المخاطب وصيغ الخطاب فجأة من الضمير المجهول للمعلوم تارة ومن الجمع المذكر الى المؤنث تارة اخرى مثلا في سورة عَبَسَ وَتَوَلَّى ١ أَن جَاءَهُ الأَعْمَى ٢ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ٣ فمن هو الذي عبس وتولى حين جائه الاعمى لأن الضمير مبني للمجهول اما وما يدريك ربك تحول الضمير معلوم وهو المخاطَب ؟


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته يمكن لنا الإجابة عن سؤالكم بعدة نقاط وهي: ١- إنّ سبب نزول هذة الآيات المباركة عتاب الله تعالى بشكل إجمالي، عتابه لشخص قدم المال والمكانة الاجتماعية على طلب الحق ... المزید أما من هو المعاتب؟ فقد اختلف فيه المفسرون، لكن المشهور بين عامة المفسرين وخاصتهم، ما يلي: إنها نزلت في عبد الله بن أم مكتوم، إنه أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب وأبي وأمية بن خلف يدعوهم إلى الله ويرجو إسلامهم (فإن في إسلامهم إسلام جمع من أتباعهم، وكذلك توقف عدائهم ومحاربتهم للإسلام والمسلمين)، فقال: يا رسول اله، أقرئني وعلمني مما علمك الله، فجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري أنه مشتغل مقبل على غيره، حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله لقطعه كلامه، وقال في نفسه: يقول هؤلاء الصناديد، إنما أتباعه العميان والعبيد، فأعرض عنه وأقبل على القوم الذين يكلمهم، فنزلت الآية. وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ذلك يكرمه، وإذا رآه قال: " مرحبا بمن عاتبني فيه ربي "، ويقول له: " هل لك من حاجة ". واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين . والرأي الثاني في شأن نزولها: ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): " إنها نزلت في رجل من بني أمية، كان عند النبي، فجاء ابن أم مكتوم، فلما رآه تقذر منه وجمع نفسه عبس وأعرض بوجهه عنه، فحكى الله سبحانه ذلك، وأنكره عليه " . وقد أيد المحقق الإسلامي الكبير الشريف المرتضى الرأي الثاني. ٢-بعد أن تحدثنا حول شأن نزول الآيات، ننتقل إلى تفسيرها: يقول القرآن أولا: عبس وتولى. لماذا؟: أن جاءه الأعمى. وما يدريك لعله يزكى، ويطلب الإيمان والتقوى والتزكية. أو يذكر فتنفعه الذكرى، فإن لم يحصل على التقوى، فلا أقل من أن يتذكر ويستيقظ من الغفلة، فتنفعه ذلك. ويستمر العتاب...: أما من استغنى، من اعتبر نفسه غنيا ولا يحتاج لأحد. فأنت له تصدى، تتوجه إليه، وتسعى في هدايته، في حين أنه مغرور لما أصابه من الثروة والغرور يولد الطغيان والتكبر، كما أشارت لهذا الآيتان (6 و 7) من سورة العلق:... إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى. (2) وما عليك ألا تزكى، أي في حين لو لم يسلك سبيل التقوى والإيمان، فليس عليك شئ. فوظيفتك البلاغ، سواء أمن السامع أم لم يؤمن، وليس لك أن تهمل الأعمى الذي يطلب الحق، وإن كان هدفك أوسع ليشمل هداية كل أولئك الأغنياء المتحجرين. وتأتي العتاب مرة أخرى تأكيدا: وأما من جاءك يسعى، في طلب الهداية... وهو يخشى (1)، فخشيته من الله هي التي دفعته للوصول إليك، كي يستمع إلى الحقائق ليزكي نفسه فيها، ويعمل على مقتضاها. فأنت عنه تلهى (2). ويشير التعبير ب‍ " أنت " إلى أن التغافل عن طالبي الحقيقة، ومهما كان يسيرا، فهو ليس من شأن من مثلك، وإن كان هدفك هداية الآخرين، فبلحاظ الأولويات، فإن المستضعف الظاهر القلب والمتوجه بكله إلى الحق، هو أولى من كل ذلك الجمع المشرك. وعلى أية حال: فالعتاب سواء كان موجه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو إلى غيره، فقد جاء ليكشف عن اهتمام الإسلام أو القرآن بطالبي الحق، والمستضعفين منهم بالذات. وعلى العكس من ذلك حدة وصرامة موقف الإسلام والقرآن من الأثرياء المغرورين إلى درجة أن الله لا يرضى بإيذاء رجل مؤمن مستضعف. وعلة ذلك، إن الطبقة المحرومة من الناس تمثل: السند المخلص للإسلام دائما... الأتباع الأوفياء لأئمة دين الحق، المجاهدين الصابرين في ميدان القتال والشهادة، كما تشير إلى هذا المعنى رسالة أمير المؤمنين (عليه السلام) لمالك الأشتر: " وإنما عماد الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء العامة من الأئمة، فليكن صغوك لهم وميلك معهم ". ٣-إنّ هذا الأسلوب في الإنتقال من ضمير إلى أخر يختلف عنه بالرتبة يسمى بالإلتفات والمشهور في اصطلاح البلاغيين أن الالتفات هو الانتقال بالكلام من صيغة كل من التكلم أو الخطاب أو الغيبة إلى صيغة أخرى لمقتضيات ومناسبات تظهر بالتدبر في مواقع الالتفات، شرط أن يكون الضمير في المنتقل إليه عائداً في نفس الأمر إلى الملتفت عنه, بمعنى أن يعود الضمير الثاني على نفس الشيء الذي عاد إليه الضمير الأول. جاء الالتفات من الغيبة إلى الخطاب في مواضع كثيرة في القرآن الكريم, وقد تنوعت أغراضه تنوعاً واسعاً, ومن هذه الأغراض البلاغية للالتفات من الغيبة إلى الخطاب في القرآن الكريم:(العتاب ) وفي هذا الالتفات بالخطاب معنى العتاب. ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى* وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى﴾[عبس:1-3], وفي الانتقال من الغيبة إلى الخطاب في قوله﴿ وَمَا يُدْرِيكَ﴾ معنى العتاب.