حسن علي شريش ( 18 سنة ) - العراق
منذ سنتين

حرث الدنيا وحرث الآخرة ونصيبها

السلام عليكم قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} السؤال ان كل انسان في الدنيا لديه طموحات واهداف يسعى لتحقيقها مثل التجارة والسفر وانشاء المشاريع والشهادات العلمية وغيرها هل يعتبر هذا من حرث الدنيا كما اشارت الآيه الكريمة وهل هذة الطموحات تمحوا نصيب الآخرة ؟ وهل حرث الآخرة يكون فقط بآداء الفرائض الواجبة والاعمال الصالحة ؟ارجو التوضيح جزاكم الله خيرا


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته جاء في تفسير الامثل ج ١٥ - الصفحة ٥٠٧: الآية شبهت أفراد العالم حيال رزق الخالق وكيفية الاستفادة منه بالمزارعين الذين يقوم قسم منهم بالزراعة للآخرة والقسم الآخر للدنيا، وتحدد عاقبة كل قسم منهم وفق تشبيه لطيف حيث تقول: من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب . إنه لتشبيه لطيف وكناية جميلة، فجميع الناس مزارعون، وهذه الدنيا مزرعة لنا، أعمالنا هي البذور، والإمكانات الإلهية هي المطر لهذه المزرعة، إلا أن هذه البذور تختلف كثيرا، فبعضها غير محدودة النتاج وأبدية، أشجارها دائمة الخضرة ومثمرة وبعضها الآخر قليل النفع جدا، وتنتهي بسرعة، وتحمل ثمارا مرة. وفي الحقيقة، فإن عبارة (يريد) تشير إلى اختلاف الناس في النيات، ومجموع هذه الآية يعتبر توضيحا لما جاء في الآية السابقة من المواهب والرزق الإلهي، فالبعض يستفيد من هذه المواهب على شكل بذور للآخرة، والبعض الآخر يستعملها للتمتع الدنيوي. والطريف في الأمر أن الآية تقول بخصوص الذين يزرعون للآخرة: نزد له في حرثه إلا أنها لا تقول أنه لا يصيبهم شئ من متاع الدنيا، وبالنسبة لمن يزرع للدنيا تقول: نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب. وعلى هذا الأساس فلا طلاب الدنيا يصلون إلى ما يريدون، ولا طلاب الآخرة يحرمون من الدنيا، ولكن مع الفارق، وهو أن المجموعة الأولى تذهب إلى الآخرة بأيد فارغة، والمجموعة الثانية بأيد مملوءة. وقد جاء ما يشبه نفس هذا المعنى في الآية 18 و 19 من سورة الإسراء، ولكن بشكل آخر: من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما ومدحورا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا. عبارة نزد له في حرثه تتلاءم مع ما ورد في آيات قرآنية أخرى، مثل: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله . على أية حال، فالآية أعلاه صورة ناطقة تعكس التفكير الإسلامي بالنسبة إلى الحياة الدنيا، الدنيا المطلوبة لذاتها، والدنيا التي تعتبر مقدمة للعالم الآخر ومطلوبة لغيرها، فالإسلام ينظر إلى الدنيا على أنها مزرعة يقتطف ثمارها يوم القيامة. والعبارات الواردة في الروايات أو في آيات قرآنية أخرى تؤكد هذا المعنى. فمثلا تشبه الآية (216) من سورة البقرة المنفقين بالبذر الذي له سبعة سنابل، وفي كل سنبلة مئة حبة، وأحيانا أكثر. وهذا نموذج لمن يبذر البذور للآخرة. ونقرأ في حديث عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). " وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم " . وجاء في حديث آخر عن أمير المؤمنين (عليه السلام): " إن المال والبنين حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة، وقد يجمعهما الله لأقوام " . ويمكن أن نستفيد هذه الملاحظة من الآية أعلاه، وهي أن الدنيا والآخرة تحتاجان إلى السعي، ولا يمكن نيلهما دون تعب وأذى، كما أن البذر والثمر لا يخلوان من التعب والأذى، لذا فالأفضل للإنسان أن يزرع شجرة ويبذل جهده في تربيتها، ليكون ثمرها حلو المذاق ودائميا وأبديا، وليست شجرة تموت بسرعة وتفنى.