تفسير ايه
بسم الله الرحمن الرحيم وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ /ممكن تفسير هاذهِ الآيه
جاء في تفسير الأمثل: الصفحة ١٩٢-١٩٧ نزلت هذه الآية تبين شروط التزويج بالإماء، فتقول أولا: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات أي من لم يجد قدرة مالية على أن يتزوج بالحرائر من النساء المؤمنات، وليس لديه ما يقدر على مهرهن ونفقتهن، فإن له أن يتزوج مما ملكت أيمانكم من الإماء، فإن مهورهن أقل، ومؤنتهن أخف عادة. على أن المراد من الأمة هنا هي أمة الغير، إذ لا يجوز لصاحب الأمة أن يتزوج بأمته ويتعامل معها كما يتعامل مع زوجته بشروط مذكورة في الكتب الفقهية. كما أن التعبير ب " المؤمنات " في الآية يستفاد منه أنه يجب أن تكون " الأمة " التي يراد نكاحها مسلمة حتى يجوز التزوج بها، وعلى هذا لا يصح التزوج بالإماء الكتابيات. ثم إن الملفت للنظر في المقام هو أن القرآن عبر عن الإماء بالفتيات جمع فتاة، هو مشعر عادة بالاحترام الخاص الذي يولي للنساء، وهي تستخدم غالبا في الشابات من الإناث. ثم إن الله سبحانه عقب على هذا الحكم بقوله: والله أعلم بإيمانكم ويريد بذلك أنكم لستم مكلفين - في تشخيص إيمان الإماء - إلا بالظاهر، وأما الباطن فالله هو الذي يعلم ذلك، فهو وحده العالم بالسرائر، والمطلع على الضمائر. وحيث إن البعض كان يكره التزوج بالإماء ويستنكف من نكاحهن قال تعالى: بعضكم من بعض أي أنكم جميعا من أب واحد، وأم واحدة، فإذن يجب أن لا تستنكفوا من التزوج بالإماء اللاتي لا يختلفن من الناحية الإنسانية عنكم، واللائي يشبهن غيرهن من ناحية القيمة المعنوية، فقيمتهن تدور مدار التقوى والإيمان لا غير. وخلاصة القول إن الإماء من جنسكم، وكلكم كأعضاء جسم واحد. نعم لابد أن يكون التزوج بالإماء بعد إذن أهلهن وإلا كان باطلا، وإلى هذا أشار سبحانه بقوله: فانكحوهن بإذن أهلهن والتعبير عن المالك بالأهل إنما هو للإشارة إلى أنه لا يجوز التعامل مع الإماء على أنهن متاع أو بضاعة، بل يجب أن يكون التعامل معهن على أنهن من أعضاء العائلة، فلابد أن يكون تعاملا إنسانيا كاملا. ثم إنه سبحانه قال: وآتوهن أجورهن بالمعروف ومن هذه الجملة يستفاد أن الصداق الذي يعطى لهن يجب أن يكون متناسبا مع شأنهن ومكانتهن، وأن يعطى المهر لهن، يعني أن الأمة تكون هي المالكة للصداق، وإن ذهب بعض المفسرين إلى أن في الآية حذفا، أي أن الأصل هو (وآتوا مالكهن أجورهن) غير أن التفسير لا يوافق ظاهر الآية، وإن كانت تؤيده بعض الروايات والأخبار. هذا ويستفاد أيضا من ظاهر الآية أنه يمكن للعبيد والإماء أن يملكوا ما يحصلون عليه بالطرق المشروعة. كما يستفاد من التعبير ب " المعروف " أنه لا يجوز أن تظلم الإماء في تعيين مقدار المهر، بل هو حقهن الطبيعي الحقيقي الذي يجب أن يعطى إليهن بالقدر المتعارف. ثم إن الله سبحانه ذكر شرطا آخر من شروط هذا الزواج، وهو أن يختار الرجل للزواج العفائف الطاهرات من الإماء اللائي لم يرتكبن البغاء إذ قال: محصنات سواء بصورة علنية غير مسافحات أو بصورة خفية ولا متخذات أخذان أي أصدقاء وأخلاء في السر. ويمكن أن يرد هنا سؤال هو أن النهي عن الزنا بلفظة غير مسافحات تكفي وتغني عن النهي عن اتخاذ الأخدان، فلماذا الوصف الثاني أيضا؟ ويجاب على هذا: بأن البعض - في عهد الجاهلية - كان يرى أن المذموم فقط هو الزنا العلني والسفاح الظاهر، وأما اتخاذ الأخلاء والرفاق أو الرفيقات في السر فلا بأس به، وبهذا يتضح سبب ذكر القرآن وتصريحه بكلا النوعين. ثم إن الله سبحانه قال: فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب. وتتضمن الآية بحثا حول عقوبة الإماء إذا خرجن عن جادة العفة والطهر، وذلك بعد أن ذكر قبل هذا بعض أحكام الزواج بالإماء، وبعض الأحكام حول حقوقهن. والحكم المذكور في هذا المجال هو أن الإماء إذا زنين فجزاؤهن نصف جزاء الحرائر إذا زنين، أي خمسون جلدة. ثم إن هاهنا نقطة جديرة بالانتباه هي أن القرآن الكريم يقول في هذا المقام إذا أحصن فيكون معناه أن الجزاء المذكور إنما يترتب على زنا الأمة إذا أحصنت، فماذا يعني ذلك؟ لقد احتمل المفسرون هنا احتمالات عديدة، فبعضهم ذهب إلى أن المراد هو الأمة ذات بعل (وذلك حسب الاصطلاح الفقهي المعروف والآية السابقة). وذهب آخرون إلى أن المراد هي الأمة المسلمة، بيد أن تكرار لفظة المحصنة مرتين في الآية يقضي بأن يكون المعنى واحدا في المقامين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن جزاء النساء المحصنات هو الرجم لا الجلد، فيتضح أن التفسير الأول وهو تفسير المحصنة بالأمة ذات بعل غير مقبول، كما أن التفسير الثاني وهو كون المراد من المحصنة هو المسلمة ليس له ما يدل عليه. فالحق هو أن مجئ لفظة المحصنات في القرآن الكريم بمعنى المرأة العفيفة الطاهرة - على الأغلب - يجعل من القريب إلى النظر أن تكون لفظة المحصنة هنا في الآية الحاضرة مشيرة إلى هذا المعنى نفسه، فيكون المراد أن الإماء اللاتي كن يرتكبن الفاحشة بضغط وإجبار من أوليائهن لا يجري عليهن الحكم المذكور (أي الجلد)، أما الإماء اللاتي لم يتعرضن للضغط والإجبار، ويمكنهن أن يعشن عفيفات نقيات، فإنهن إذا أتين بالفاحشة عوقبن كما تعاقب الحرائر وإن كانت عقوبة هذا النوع من الإماء على النصف من حد الحرائر في الزنا. ثم قال سبحانه معقبا على الحكم السابق: ذلك لمن خشي العنت منكم و " العنت " (على وزن سند) يقال في الأصل للعظم المجبور - بعد الكسر - إذا أصابه ألم وكسر آخر فهضه قد أعنته، لأن هذا النوع من الكسر مؤلم جدا، ولهذا يستعمل في المشاكل الباهظة والأعمال المؤلمة. ويقصد الكتاب العزيز من العبارة الحاضرة أن الزواج بالإماء إنما يجوز لمن يعاني من ضغط شديد بسبب شدة غلبة الغريزة الجنسية عليه ولم يكن قادرا على التزوج بالحرائر من النساء، وعلى هذا الأساس لا يجوز الزواج بالإماء لغير هذه الطائفة. ويمكن أن تكون فلسفة هذا الحكم في أن الإماء خاصة في تلك العهود لم يحظين بتربية جيدة، ولهذا كن يعانين من نواقص خلقية ونفسية وعاطفية، ومن الطبيعي أن يتخذ الأطفال المتولدون من هذا الزواج صفة الأمهات ويكتسبوا خصوصياتهن الخلقية، ولهذا السبب طرح الإسلام طريقة دقيقة لتحرير العبيد تدريجا حتى لا يبتلوا بهذا المصير السئ، وفي نفس الوقت فسح للأرقاء أنفسهم أن يتزوجوا فيما بينهم. نعم، هذا الموضوع لا يتنافى مع وضع بعض الإماء اللائي حظين بوضع استثنائي وخاص من الناحية الخلقية والتربوية، فالحكم المذكور أعلاه يرتبط بأغلبية الإماء، وكون بعض أمهات الأئمة، من أهل البيت النبوي (عليهم السلام) من الإماء هو من هذه الجهة، ولكن لابد من الانتباه إلى أن ما قيل في مجال الإماء من " المنع في غير الضرورة " هو الزواج بهن، لا نكاحهن بسبب الملك، فإنه لا مانع منه حتى في غير الضرورة. ثم عقب سبحانه على ذلك بقوله: وإن تصبروا خير لكم أي إن صبركم عن التزوج بالإماء ما استطعتم وما لم تقعوا في الزنا خير لكم ومن مصلحتكم: والله غفور رحيم أي يغفر الله لكم ما تقدم منكم بجهل أو غفلة فهو رحيم بكم.