علي ظافر كاظم ( 20 سنة ) - العراق
منذ سنتين

دور الفقهاء في المجتمع الاسلامي

ما هو دور الفقهاء ومراجع الدين العظام في المجتمع الاسلامي؟


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته لابد لكم عند دراسةِ و معرفه حركةِ المَرجعية في الواقع الاجتماعي واثرها في بناء ذلك الواقع، فأنَّ علينا أن نفهم المنطلق الأساس لتلكَ الحركة من خلال النظرة الاجتهادية الإسلامية في خط أهل البيت (عليهم السلام)، والذي انطلقَ من فكرة أنَّ الساحةَ لايمكن أن تخلو من حضور الإمام في حَركِيَّةِ إمامته، فالله تعالى لا يترك الأرضَ خالية من الحجة ،سواء أكانت الحجةُ حجةً أوليةً فيما تعطيه النبوة أو الإمامة مِن أصالتها أو كانت حجةً ثانوية فيما تتحرك فيه الإمامةُ لتمنح للعلماء امتداداتها؛ من خلال امتدادات كل المفاهيم التي تتحرك في الحياة سواء في المضمون الفكري الذي يُغني الذهن بالإسلام عقيدةً وفقهاً ومنهجاً وقاعدةً للحياة، أو في المَضمون الحَركي الذي يدور في الفَلَك الاجتماعي، أو على الأقل حين يكون الأفق الاجتماعي مِحورا رئيسياً من مَحاوِرهِ. ولعلَّ المنطلقَ لتلك الحركية للمرجعية ما جاء في التوقيع المبارك للإمام المنتظر صلوات الله عليه : «أما الحوادثَ الواقعة فارجعوا فيها إلى رواةِ حديثنا، فانَّهم حجتي عليكم، وانا حجةُ الله»، من هنا نهضَ العلماء بهذا العِبء الثقيل الذي حفظ الشريعة، وأنار الدربَ للأجيال والشعوب على مرِّ العصور بعد الغَيبة الكبرى. و إنَّ في الفقه الإسلامي ما يُؤسَّس لتلك الحركية الاجتماعية للمرجعية بالإضافة إلى ما تقدَّم، وهو أن بعضَ المفردات الفقهية يُمكن أن تمنح الفقيهَ حركيةَ الواقع بحيث يستطيع أن يُوجِّه الناسَ إلى أن يدخلوا في صَميم الواقع حتَّى لو كان العنوان الكبير للواقع عنواناً لا يملك الشرعية، هناك عنوان (حفظ النظام)، ومسألة حفظ النظام العام الذي تحفظ به أموالُ الناس ودماؤُهم وأعراضُهم وكل خط السير في حياتهم هذا من الواجبات الكفائية على الناس جميعا، لا يجوز لأي إنسانٍ سواء أكان الحكم شرعيا أم غير شرعي أن يسيء إلى نظام الناس باعتبار أنَّ ذلك لا ينسجم مع الخط الشرعي في أنَّ اللهَ لا يريد الفوضى من أي إنسان في الوضع الاجتماعي، من هنا نجد الفقهاء يتفقون على انه إذا توقف حفظ النظام على إدارة الواقع من قبل حاكم أو سلطة عليهم تقديم ما يحفظ النظام و حقوق الانسان ومن هنا نجد الدورَ الفعال للمرجعية في قيادة المجتمع بصورة مباشرة أو غير مباشرة، والحفاظ على مصالح المستضعفين في فترات حكم أنظمة الجَور حتى زرعوا ارضَ التاريخ بقوافل الشهداء، والسعي بالمجتمع نحو مراتب الكمال التي رسمتها النظم الإسلامية ولاسيما النظام الاجتماعي منها. إذن لم يكن العلماءُ بمنأى عن المجتمعِ الذي عاشوا فيه تبعاً لمسؤولياتهم الشرعية، فاصبحوا في خِضَم الأحداث لاسيَّما الاجتماعية منها، فوقفوا بوجه الحركات الهدَّامة والدخيلة مثلما تصدَّى أئمتنا من قبلهم لمثل هذه الأخطار التي تَتَجدَّد بتجدد الأعداء للملة والدِين، والتي انتهت بسلسلة الاستعمار الحديث للامة في القرون الماضية، وما جَرى للعالم الإسلامي بُعيد الحرب العالمية الثانية، وما أستتبعها من الحركات التبشيرية، والغزو الثقافي بوجوهه المُتعددة والتي انتَهت أخيرا بعنوانها البراق (العولمة) و العصابات الاجرامية داعش وغيرهم أمام هذا كله وقفت المرجعيةُ طوداً صامداً، تكسَّرت عليه أمواجُ الغواية والتضليل، التي نادرا ما خرجت منه الأمم الأخرى سالمة، بل على العكس من ذلك استطاعت إعادة بناء الأمة بعد التشرذم والخواء الفكري والتردي الاجتماعي، فأسَّست قوه ضاربة بفضل الفتوى المباركة ، في الوقت الذي نشهد فيه ضَياع الآخر في تيه الغزو الثقافي حتى نزعَ حروفه واستبدلها بالحرف الغربي، وغدا جزءاًً لا يتجرأ من البِناء الغربي المُتَهَتِّك كما هو الحال في بعض الدول العربية ، ولعلَّ ذلك يعود إلى غياب المرجعية في البناء العقائدي لاولئك. وهكذا اصبح َمن اليسر والسهولة أن نُشير الى العشرات من العلماء المُجتهدين الذين تركوا آثارهم في البناء السياسي والفكري والاجتماعي على وجهِ الخصوص في جَسَد الأمة، الذي اصبح مَنيعا أمام كلّ صنوف العَداء والتَّخريب، وحتى أولئك الذين تركوا بعضاً من هذه الآثار عند إخواننا في الطرف الآخر، نلمح آثارَ مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في تركيبتهم ومنظومتهم الثقافية كما هو الحال عند السيد (جمال الدين الأفغاني)، والشيخ (عبد الرحمن الكواكبي). لم يقتصر الدور العلمائي على الفِقه والعلوم الدينية فقط بقدر ما كان دوراً شاملا لكل نواحي الحياة، والدليل على ذلك ما نجده في التقسيم الواضح في الرسائل العملية من (عبادات) و(معاملات) في معالجة الأمور الدينية والدنيوية لدَيمومة بناء المجتمع المُحمَّدي الأصيل. فإنَّ الحوزةَ العلمية مُؤسسةٌ رئيسة من مؤسسات الدينية التي اساسها اهل البيت صلوات الله عليهم فعندما شاء الله أن يكون نصيب الرسالة الخاتمة التي هي خاتمة الرسالات الإلهية قيام الدولة الإلهية والتي يُعد البُعد الاجتماعي واحدا ًمن أبرزها لارتباطه ببناء الُّلحمة الأساسية للمجتمع الإسلامي، ثم أنَّها تُشكل جزءاً مُهِمَّا من أجزاء الرسالة المحمدية وكانت المشروع الرئيسي لأهل البيت (عليهم السلام) الذين كانوا يُحققون من خلاله أهدافَهم، ويُمارسون نشاطَهم العام في المُجتمع الإسلامي واستطاعت الحوزة ُبعلمائِها المُجتهدين أن تصمد عِبر العصور أمام المِحَن والابتلاءات، وعمليات الَقمع، والإبادة، والمُطاردة التي واجهتها في التاريخ، فقدمت الشهيد تِلوَ الشهيد في سلسلةٍ ذهبيةٍ …ولم ينحصر رجالُها في المَساجد والتكيات او في أبراجٍ عاجية كما أراد لها أعداءُ الأمة. لقد تعدَّدت الأدوارُ والساحاتُ التي خاضها المُجتهدون، ولم يتركوا مساحةً دونما اثر إصلاحي، بالإضافة إلى دورهم في حِفظ الشريعة ومعالم الدين الحَنيف، فكانوا المُحرِّك الفعَّال للامةِ الذي يُحسَب له الأعداءُ ألفَ حِساب كما هو الحال في مراجعنا اليوم والذي يُمثل السيد السيستاني (دام ظله الوارف ) مِصداقاً من مصاديقهم. نذكر لكم بعض الادوار للحوزة الدينية منها : أوَّلاً: العالمية في الحوزة العلمية, والتي قصد بها عالمية المِحور الحركي للحَوزة وعلمائها على الصُعُد كافَّة، باعتبارها تنبع من رسالةٍ عالمية جاء بها المصطفى صلى الله عليه واله واهل بيته صلوات الله عليهم للعالم اجمَع. ثانيا: الحالة التطوعية للحوزة، فهي تطوعية في كلِّ شيء، فالانتماء لها والارتباط بها ليس مُجرَّد ارتباط بمهنة أو حرفة، حتَّى لو كانت تلك المِهنة من المِهَن الشريفة. ثالثا: الاجتهادُ المِنضَبط، لذا فأن إبقاء الحركة العلمية نشيطة مُنفتحة قادرة على مواجهة كل المشكلات والحوادث التي تعيشها الأمة،وفي ضِمن الضوابط والأصول الموضوعية لهذه الحركة، من القضايا التي جعلت هذه المؤسسة قادرة على التكيف ومواجهة المشكلات والأحداث والتطور والنمو، وعدم الجمود أوالوقوع في حالة الانفلات، والخروج عن الحالة الضبطية، وهذا واحد من الأسباب التي يجب أن تجاهد لاجلها، وتقف فيها موقفاً صلبا، كما وقفه أئمةُ أهل البيت (عليهم السلام). رابعا: التقوى والاخلاق، وهي من أهمِّ المميزات في حوزتنا العلمية التي أكَّد عليها الإسلام، فلا بدَّ أن يتمتع المجتهد بالروحية التي كان يُجسدها رسول الله (صلى الله عليه وآله) والائمة الأطهار (عليهم السلام)، ليكونوا قدوة كما كان رسول الله، وليكونوا قادرين على التأثير في حركة مسيرة الأمة. خامسا: استقلالية الحوزة، وهو أحد العناصر المُهمة، وهذه قضية مهمة جدا في مسيرة الحوزة وعلمائها، فقد أُريدَ لها أن تُعبر عن الإرادة الإلهية، وان لا تخضع لأيَّةِ إرادةٍ أخرى، فقد أُريد للحوزة أن يكون لها هذا الدور (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً) فاحتفظ العلماءُ بالاستقلالية في قرارهم على مرِّ العصور ولم يتأثروا بالوعد أو الوعيد الصادرين عن الأمراء والسلاطين، مِمَّا جعل لهم صورةً مُشرقةً ومُشَرِّفَة إلى يومنا هذا، واصبح لهم تأثير في النفوس والعقول في قيادة الأمة والتأثير فيها. سادسا: الاهتمامُ بالقضية السياسية، ( بما يحفظ النظام و حقوق المجتمع كما تقدم ) باعتبار أنَّ السياسة جزءٌ رئيسيٌّ من قضايا الأمة، واعتبار الحركة السياسية حركة ربانية إسلامية يُراد مِنها إبلاغ الرسالات، وهي افضل عمل عند الله يُمكِن أن يقومَ بهِ الإنسانُ عندما يكون ضِمن الضَّوابط والالتزامات الشرعية التي وضَعها اللهُ سبحانه وتَعالى. سابعا: اهتمام الحوزة بالقضية الاجتماعية، فالحوزات العلمية بعلمائها أُريد أن يكون لها دور في حركة الأمة وبنائها الاجتماعي، فالإنسان عنصرٌ مُهمٌ ورئيسيٌ في الرسالةِ الإسلامية وهذه الخِصِّيصةُ هي التي ينطلق منها البحث في العنوان المَطروح. فأنَّ المجتهد عند انتمائه للحوزة لايعني أن يكون متعبدا فيلزم الحرمَ الشريف بالعبادة، ويكون مُكِبًّا على الكتاب ليلا ونهارا، وان يكون زاهدا متواضعا، ولكن لابُدَّ أن يَفهم أنَّ هذا الانتماء هو انتماء إلى الرسالةِ وليس انتماء إلى الذات، فمن يريد أن يكمل نفسه ببعض الأمور، يفقد هدفه وغايته ودوره، وبالتالي يفقد نفسه، ولذلك دلَّلت الروايات ُعلى أنَّ طالبَ العلم افضل من العابد، لان طلب العلم يُراد منه نشر العلم والعمل به، فإذا فقدت هذه الغاية فقد اصل هذا الانتماء وايضا انفتاح على مشاكل الأمة، لانَّ امتَنا الإسلامية تعيش مشاكل كثيرة من خلال الغزو الفكري والثقافي للأعداء وانتهى ذلك كله بالتأثير في القيم الاجتماعية وبُنيتِها التي رسمها القرآنُ الكريم، لانَّ الغزوَ الثقافي يُقابَل بما تقوم به الحوزة والمرجعية مِن إعطاء الجواب الصحيح، والرؤية الواضحة التي تنطلق من الإسلام في قِبال ما يُشاع من ضَلالات، وانحرافات، وبِدع، واثارات تُؤدِّي إلى تشويش أفكار الناس، وبالتالي يَعم الخرابُ الاجتماعي حين يتفرقون ويتمزقون، ويضرب بعضُهم رقابَ بعض. فإنَّ لديها مشاكل اجتماعية حقيقية، والرسالة الإسلامية رسالة كاملة، وفيها حلٌّ لكلِّ مشكلةٍ وحادثة، والحوزة والمرجعية هي التي تقوم بذلك كله من هنا تحتاج إلى الانفتاح على الأمةِ لحلِّ مشاكلها والرقي ببنيتها الاجتماعية. وقبل هذا وذاك تأخذ المرجعية دورَ الإصلاح على عاتقها، بل أخذته طيلة قرون طوال، ولعلَّ الحقبة الأخيرة التي تمثَّلت بفترةِ ما بعد الحرب العالمية الثانية وما استتبعها من أحداثٍ، ولغايةِ سقوط النظام البعثي أخرجت للناسِ أمثلةً واضحةً في قيادة الأمة والعروج بها نحو مَدارجِ الكَمال، وبِما يَقوم بهِ المَراجع اليوم في رَدمِ الخراب الاجتماعي الذي حلَّ بعراقِ اليوم بسببِ الانفتاح المُفاجئ على العالم بصورةِ كاملةٍ، وما ينهض به السيد السيستاني (دام ظله) يعتبر مِصداقا من مصاديق هذا التصدي.…