لماذا لم يلتحق عبدالله ابن علي ابن ابي طالب بقافله الحسين عليه السلام .وهل فعلا كما يشاع بأنه بايعه ال الزبير وانه كان على خلاف مع الإمام بخصوص الغنائم
المعروف عند أكثر المؤرخين وعلماء السير والأنساب أن ليلى بنت مسعود النهشلية التي تزوَّجها الإمام (عليه السلام) لم تنجب منه سوى غلامين اثنين فقط، وهما أبو بكر وعبيد الله، وهذا ما يصرّح به كثير من المؤرخين المتقدمين، كالبلاذري، واليعقوبي ت284هـ ، وابن أبي الدنيا، والطبري، وغيرهم.
ولكن حدث اضطراب واختلاف في اسميهما وكنيتيهما عند بعض المؤرخين المتقدمين والمتأخرين، خصوصاً الذين تعرضوا إلى ذكر شهداء كربلاء، فذكر الشيخ المفيد أن ولدَي ليلى هما: محمد الأصغر المكنى أبا بكر وعبيد الله، بينما ذكر في موضع آخر أنّ ابنَي أمير المؤمنين (عليه السلام) من ليلى هما: عبد الله وأبو بكر، وذهب ابن شهرآشوب ت588هـ في المناقب إلى أنّ ولدَي أمير المؤمنين (عليه السلام) هما أبو بكر، وعبد الله، وأُمّهما الهملاء بنت مسروق النهشلية، وما ذكره من أنّ اسم أُمهما الهملاء بنت مسروق رأي شاذ لم نجد مَن ذكره من المؤرخين، وكذلك ذكر ابن أبي الحديد أنّهما أبو بكر وعبد الله، بينما يرى ابن الصباغ المالكي ت855هـ أنّهما محمد الأصغر المكنى أبا بكر وعبد الله الشهيدان أيضاً مع أخيهما الحسين بكربلاء، أُمهما ليلى بنت مسعود الدارمية، وغير هؤلاء ممَّن ذكر اختلافاً في اسميهما أو كنيتيهما أو مكان مقتلهما، ولعلّ هذا الاختلاف والاضطراب يعود إلى سببين يمكن التوصُّل إليهما من خلال البحث والتحليل، وهما:
السبب الأول: أنّ الأخ الأصغر قد غلبت كنيته أبو بكر على اسمه وصار يُعرَف بها ولم يُذكَر اسمه إلاّ نادراً، وما يؤيد هذا أنّ أبا الفرج الأصفهاني، قال: (وأبو بكر بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) لم يُعرَف اسمه، وأُمه ليلى بنت مسعود بن خالد). وكذلك فإنّ أكثر المؤرخين المتقدمين ذكروه بكنيته فقط، ولم يُشيروا إلى اسمه، إلاّ أن اسمه هو عبد الله كما ذهب إلى ذلك عدد من المؤرخين، أمثال ابن أعثم الكوفي ت 314هـ الذي ذكر في الفتوح أنّ أبا بكر اسمه عبد الله، والخوارزمي ت568هـ ، وقال علي بن محمد العلوي من أعلام القرن الخامس في كتابه المُجدي في أنساب الطالبيين: ( قال الموضح: وأبو بكر واسمه عبد الله، قُتل بالطف، وأبو علي عبيد الله أُمهما النهشلية).
وأما ما ذهب إليه المفيد وابن الصباغ المالكي وغيرهما من أنّ أبا بكر اسمه محمد الأصغر فهو، ليس صحيحاً لما تقدم؛ مضافاً إلى أن محمداً الأصغر بن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) هو ابن أسماء بنت عميس كما نقل ذلك الطبري عن هشام بن محمد، فيما ذكر البلاذري أنّ محمداً الأصغر أُمّه ورقاء أُم ولد.
هذا وقد ذهب أكثر المؤرخين إلى أن أبا بكر قد استُشهد مع أخيه الحسين (عليه السلام) في كربلاء، وهو الذي يقول في أُرجوزته:
شيخي علي ذو الفخار الأطول *** من هاشم الخير الكريم المفضل
هذا حسين ابن النبي المرسل *** عنه نحامي بالحسام المصقل
تفديه نفسي من أخ مبجَّل *** يا ربّ فامنحني ثواب المنزل
إلاّ أنّ بعض العلماء والمؤرخين شكَّك في استشهاده، قال الطبري: (وقد شُكَّ في قتله)[66]. وقال أبو الفرج الأصفهاني: ( وذكر المدائني أنه وُجِد في ساقية مقتولاً، لا يُدرَى مَن قتله)[67].
السبب الثاني: هو أنّ الأخ الأكبر اسمه عبيد الله وهو رأي مشهور المؤرخين؛ فلوجود التقارب بين اسميهما: عبيد الله وعبد الله، يحصل في كثير من الأحيان الخلط والاشتباه بينهما، فيجعل اسم أحدهما للآخر، كما أنه كثيراً ما يحصل تصحيف بين كلمة عبد الله وعبيد الله في الكتابة، خصوصاً أن التنقيط على الحروف قد وُضِع في وقت متأخّر.
فلهذين السببين أو غيرهما حصل الخلط والاشتباه لدى بعض العلماء والمؤرخين، وادَّعوا تارةً أنّ عبيد الله استُشهد في كربلاء، وأُخرى أن أبا بكر هو عبيد الله، وثالثة أنّ عبد الله هو أخو أبي بكر، وهكذا.
وإنّ مشهور المؤرخين وأصحاب السير يرون أنّ عبيد الله بن علي (عليه السلام) لم يشترك في واقعة الطف مع أخيه الحسين (عليه السلام) سنة 61هـ، وبقي إلى سنة 67هـ، حيث واقعة المذار التي قُتل فيها، لكنْ هناك عدد من المؤرخين ذكروا أنّ عبيد الله بن علي (عليه السلام) قُتل في كربلاء مع الحسين (عليه السلام) وأخيه الأصغر، ومن أهم هؤلاء المؤرخين الطبري في تاريخه، نقلاً عن هشام بن محمد[44]، والشيخ المفيد ت413هـ في كتابه الإرشاد، قال: (ومحمد الأصغر المكنَّى أبا بكر وعبيد الله الشهيدان مع أخيهما الحسين (عليه السلام) بالطف، أُمّهما ليلى بنت مسعود الدارمية). وتبعه الإربلي ت693هـ في كشف الغمة، ويظهر ذلك أيضاً من ابن الأثير ت630هـ في الكامل في التاريخ.
ويمكن المناقشة في هذا الرأي من عدة جهات:
الأُولى: إنّ هذا الرأي مخالف لما عليه مشهور المؤرخين وأرباب السير، الذين نقلوا أن عبيد الله بن علي (عليه السلام) لم يشترك في معركة الطف، وإنما قُتِل في وقعة المذار كما تقدم.
الثانية: إن ما نقله الطبري في هذا الرأي هو رواية عن هشام بن محمد الكلبي، وتعارضها رواية أُخرى نقلها عن محمد بن عمر تؤكد مقتله في المذار كما أسلفنا، وما ينقله ابن الأثير في الكامل عن تاريخ القرون الثلاثة الأُولى إنما أخذه عن تاريخ الطبري.
الثالثة: إن ما ذهب إليه الشيخ المفيد في الإرشاد ـ ومَن تبعه ـ ردّه بعض العلماء، كالشيخ الطوسي ت460هـ، وابن إدريس الحلي 598هـ واعتبروه خطأ محضاً.
قال ابن إدريس في السرائر: (وقد ذهب أيضاً شيخنا المفيد في كتاب الإرشاد، إلى أن عبيد الله بن النهشلية، قُتِل بكربلاء مع أخيه الحسين (عليه السلام) ، وهذا خطأ محض، بلا مراء؛ لأن عبيد الله بن النهشلية، كان في جيش مصعب بن الزبير، ومن جملة أصحابه، قتله أصحاب المختار الثقفي بالمذار، وقبره هناك ظاهر، الخبر بذلك متواتر، وقد ذكره شيخنا أبو جعفر [الطوسي]، في الحائريات، لمَّا سأله السائل عما ذكره المفيد في الإرشاد، فأجاب بأن عبيد الله بن النهشلية قتله أصحاب المختار بالمذار، وقبره هناك معروف، عند أهل تلك البلاد)، مضافاً إلى أنه ورد في كتاب الإرشاد أيضاً تحت عنوان: فصل: أسماء مَن قُتِل مع الحسين بن علي عليهما السلام من أهل بيته بطف كربلاء، قال: ( ... المزیدوعبد الله، وأبو بكر ابنا أمير المؤمنين عليهما السلام ، أُمُّهما ليلى بنت مسعود الثقفية).
الرابعة: وقوع الاختلاف الكبير بين أصحاب السير ممَّن ذكروا شهداء الطف، فمنهم مَن يُسمّيه عبد الله ومنهم يُسمّيه عبيد الله، والظاهر أن سبب هذا الاختلاف وكذلك ذهاب الشيخ المفيد وغيره إلى أن عبيد الله قُتِل في كربلاء، هو التشابه في الاسم بينه وبين شقيقه أبي بكر الذي اسمه عبد الله، كما يستضح لاحقاً.
فالمتحصل: أنّ عبيد الله بن علي لم يكن من شهداء الطف، وإنما قُتِل سنة سبع وستين في منطقة المذار وقبره هناك.