محمد علي ( 23 سنة ) - العراق
منذ سنتين

قوله تعالى: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم

تفسير قول الله تعالى (ٱلنَّبِیُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَأَزۡوَ ٰ⁠جُهُۥۤ أُمَّهَـٰتُهُمۡۗ وَأُو۟لُوا۟ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضࣲ فِی كِتَـٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُهَـٰجِرِینَ إِلَّاۤ أَن تَفۡعَلُوۤا۟ إِلَىٰۤ أَوۡلِیَاۤىِٕكُم مَّعۡرُوفࣰاۚ كَانَ ذَ ٰ⁠لِكَ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مَسۡطُورࣰا) [سورة الأحزاب 6]


ذكر صاحب تفسير الميزان في بيان قوله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) أنفس المؤمنين هم المؤمنون فمعنى كون النبي أولى بهم من أنفسهم أنه أولى بهم منهم: ومعنى الأولوية هو رجحان الجانب إذا دار الامر بينه وبين ما هو أولى منه فالمحصل أن ما يراه المؤمن لنفسه من الحفظ والكلاءة والمحبة والكرامة واستجابة الدعوة وإنفاذ الإرادة فالنبي أولى بذلك من نفسه ولو دار الأمر بين النبي وبين نفسه في شئ من ذلك كان جانب النبي أرجح من جانب نفسه. ففيما إذا توجه شئ من المخاطر إلى نفس النبي فليقه المؤمن بنفسه ويفده نفسه وليكن النبي أحب إليه من نفسه وأكرم عنده من نفسه ولو دعته نفسه إلى شئ والنبي إلى خلافه أو أرادت نفسه منه شيئا وأراد النبي خلافه كان المتعين استجابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وطاعته وتقديمه على نفسه. وكذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أولى بهم فيما يتعلق بالأمور الدنيوية أو الدينية كل ذلك لمكان الإطلاق في قوله: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم). ومن هنا يظهر ضعف ما قيل: ان المراد أنه أولى بهم في الدعوة فإذا دعاهم إلى شئ ودعتهم أنفسهم إلى خلافه كان عليهم أن يطيعوه ويعصوا أنفسهم، فتكون الآية في معنى قوله: (وأطيعوا الرسول) النساء: 59، وقوله: (وما أرسلنا من رسول الا ليطاع بإذن الله) النساء: 64، وما أشبه ذلك من الآيات وهو مدفوع بالاطلاق. وكذا ما قيل: ان المراد أن حكمه فيهم أنفذ من حكم بعضهم على بعض كما في قوله: (فسلموا على أنفسكم) النور: 61، ويؤل إلى أن ولايته على المؤمنين فوق ولاية بعضهم على بعض المدلول عليه بقوله: (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) براءة: 71. وفيه أن السياق لا يساعد عليه. وقوله: (وأزواجه أمهاتهم) أي أنّهن بمنزلة الأمهات من حيث النكاح كما في قوله: (ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا) وليس المقصود ترتيب آثار الأمومة الحقيقية من حيث الحجاب والتوارث بينهن وبين المؤمنين وحرمة بناتهن على المؤمنين لصيرورتهن أخوات لهم وكصيرورة آبائهن وأمهاتهن أجدادا وجدات وإخوتهن وأخواتهن أخوالا وخالات للمؤمنين. وكانت العرب إذا أراد أحدهم أن يحرّم عليه زوجته يقول لها: (أنت عليّ كظهر أمي). ولقد كانت نساء النبي يعرفن ذلك الأمر ويقلن لكل امرأة تناديهنّ بالأمومة: (لسنا أمهاتكن ولكنّا أمهات رجالكنّ). قوله تعالى: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين) الخ، الأرحام جمع رحم وهي العضو الذي يحمل النطفة حتى تصير جنينا فيتولد، وإذ كانت القرابة النسبية لازمة الانتهاء إلى رحم واحدة عبر عن القرابة بالرحم فسمى ذوو القرابة أولى الأرحام. والمراد بكون أولى الأرحام بعضهم أولى ببعض، الأولوية في التوارث، وقوله: (في كتاب الله) المراد به اللوح المحفوظ أو القرآن أو السورة، وقوله: (من المؤمنين والمهاجرين) مفضل عليه والمراد بالمؤمنين غير المهاجرين منهم، والمعنى: وذوو القرابة بعضهم أولى ببعض من المهاجرين وسائر المؤمنين الذين كانوا يرثون بالمؤاخاة الدينية، وهذه الأولوية في كتاب الله وربما احتمل كون قوله: (من المؤمنين والمهاجرين) بيانا لقوله: (وأولوا الأرحام). والآية ناسخة لما كان في صدر الاسلام من التوارث بالهجرة والموالاة في الدين. وقوله: (الا تفعلوا إلى أوليائكم معروفا) الاستثناء منقطع، والمراد بفعل المعروف إلى الأولياء الوصية لهم بشئ من التركة، وقد حد شرعا بثلث المال فما دونه، وقوله: (كان ذلك في الكتاب مسطورا) أي حكم فعل المعروف بالوصية مسطور في اللوح المحفوظ أو القرآن أو السورة.