السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
لايوجد أي تناقض أو تنافي بين الآيات الكريمة ،بل كل آية لها تفسيرها الخاص،وعليه ينبغي معرفة تفسير كل آية حتى نميز الأمر ولا نتوهم وقوع التنافي في القرآن الكريم .
فالأية الأولى ((وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ))
فقد ذكر القرآن الكريم حكماً عاماً يشمل كل دين وعقيدة سواء كانت في الشرق الأوسط أم غيره، ونعني بذلك قوله تعالى: (( وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الأِسلامِ دِيناً فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ )) (آل عمران:85), فكل دين غير دين الإسلام لن يقبل من الإنسان وهو في الآخرة من الخاسرين بحكم هذه الآية سواء كان هندوسياً أو نصرانياً أو يهودياً.
وقد تكون إشارة القرآن إلى بعض الأديان دون غيرها من باب أنها ديانات إبتلائية في المنطقة التي نزل القرآن بها، إلا أن هذا لا يمنع من شمول غير هذا الديانات بحكم النسخ وعدم القبول الذي ذكرته الآية المشار إليها أعلاه .
هذا إذا قلنا باعتبار الديانات المذكورة على حد اليهودية والنصرانية والمجوسية، ولكن من الواضح أن هذه الديانات غير السماوية يدخل أصحابها في المشركين فلا نسخ لدياناتهم، بل أبطالها ، وإنما النسخ يكون للديانات السماوية. فلاحظ.
والآية الثانية /((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ النَّصارى وَ الصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ))
تطرح هذه الآية الكريمة مبدأ عاما في التقييم وفق المعايير الإلهية. وهذا المبدأ ينص على أن الإيمان والعمل الصالح هما أساس تقييم الأفراد، وليس للتظاهر والتصنع قيمة في ميزان الله: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
هذه الآية تكررت مع اختلاف يسير في سورة المائدة، الآية 72 وفي سورة الحج الآية 17.
سياق الآية في سورة المائدة يشير إلى أن اليهود والنصارى فخروا بدينهم، واعتبروا أنفسهم أفضل من الآخرين، وادعوا بأن الجنة خاصة بهم دون غيرهم.
ولعل مثل هذا التفاخر صدر عن بعض المسلمين أيضا، ولذلك نزلت هذه الآية الكريمة لتؤكد أن الإيمان الظاهري لاقيمة له في الميزان الإلهي، سواء في ذلك المسلمون واليهود والنصارى وأتباع الأديان الأخرى. ولتقول الآية أيضا:
إن الأجر عند الله يقوم على أساس الإيمان الحقيقي بالله واليوم الآخر إضافة إلى العمل الصالح. وهذا الأساس هو الباعث الوحيد للسعادة الحقيقة والابتعاد عن كل خوف وحزن.
وبعض المضللين اتخذوا من الآية الكريمة التي نحن بصددها وسيلة لبث شبهة مفادها أن العمل بأي دين من الأديان الإلهية له أجر عند الله، وليس من اللازم أن يعتنق اليهودي أو النصراني الإسلام، بل يكفي أن يؤمن بالله واليوم الآخر ويعمل صالحا.
الجواب: نعلم أن القرآن يفسر بعضه بعضا، والكتاب العزيز يقول: ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه (1).
كما أن القرآن ملئ بالآيات التي تدعو أهل الكتاب إلى اعتناق الدين الجديد، وتلك الشبهة تتعارض مع هذه الآيات. من هنا يلزمنا أن نفهم المعنى الحقيقي للآية الكريمة.
ونذكر تفسيرين لها من أوضح وأنسب ما ذكره المفسرون:
1 - لو عمل اليهود والنصارى وغيرهم من أتباع الأديان السماوية بما جاء في كتبهم، لآمنوا حتما بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأن بشارات الظهور وعلائم النبي وصفاته مذكورة في هذه الكتب السماوية، وسيأتي شرح ذلك في تفسير الآية 146 من سورة البقرة. 2 - هذه الآية تجيب على سؤال عرض لكثير من المسلمين في بداية ظهور الإسلام، يدور حول مصير آبائهم وأجدادهم الذين لم يدركوا عصر الإسلام، ترى، هل سيؤاخذون على عدم إسلامهم وإيمانهم؟!
الآية المذكورة نزلت لتقول إن كل أمة عملت في عصرها بما جاء به نبيها من تعاليم السماء وعملت صالحا، فإنها ناجية، ولا خوف على أفراد تلك الأمة ولا هم يحزنون.
فاليهود المؤمنون العاملون ناجون قبل ظهور المسيح، والمسيحيون المؤمنون العاملون ناجون قبل ظهور نبي الإسلام.
والآية الثالثة /((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ))
وإنما قال " كفروا " لكفرهم بالدين المبين، وإلا فإن كفرهم ليس بجديد. وعبارة أولئك هم شر البرية عبارة قارعة مثيرة، تعني أنه لا يوجد بين الأحياء وغير الأحياء موجود أضل وأسوأ من الذين تركوا الطريق المستقيم بعد وضوح الحق وإتمام الحجة، وساروا في طريق الضلال، مثل هذا المعنى ورد أيضا في قوله تعالى: إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون .
وفي قوله سبحانه يصف أهل النار: أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون .
وهذه الآية التي نحن بصددها تذهب في وصف هؤلاء المعاندين إلى أبعد مما تذهب إليه غيرها، لأنها تصفهم بأنهم شر المخلوقات، وهذا بمثابة بيان الدليل على خلودهم في نار جهنم.
ولم لا يكونون شر المخلوقات وقد فتحت أمامهم جميع أبواب السعادة فاعرضوا عنها كبرا وغرورا وعنادا.