نـور ( 19 سنة ) - العراق
منذ سنتين

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ

السلام عليكم ايه ١٢٠ من سورة القصص { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَىٰ} من خلال تفسير الاية التي قبلها ان ادم عليه سلام وزوجه كانا في الجنّة ,والجنه مطهرة من كل شيء فكيف يوسوس الشيطان لهما ألم يخرجه الله منها ؟؟


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته إنّ اللّه سبحانه تعالى أنذر آدم بقوله‌ فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَ لِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى‌. من الواضح أنّ الجنّة هنا لا يراد منها جنّة الخلود في العالم الآخر، و التي هي نقطة تكامل لا يمكن الخروج منها أو التراجع عن نعيمها، بل كانت بستانا فيه كلّ شي‌ء ممّا في بساتين هذه الدنيا، و لم يكن فيها نصب و لا غصّة بلطف اللّه، و لذلك فإنّ اللّه سبحانه قد أنذر آدم بأنّك إن خرجت من هذا النعيم فإنّك ستشقى. و كلمة «تشقى» من مادّة الشقاء، و أحد معانيها الألم و المشقّة. فإنّ الشيطان قد ربط رباط العداوة حول آدم، و لهذا لم يهدأ له بال: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى‌ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَ مُلْكٍ لا يَبْلى‌. «الوسوسة» في الأصل تعني الصوت المنخفض جدّا، ثمّ قيلت لخطور الأفكار السافلة و الخواطر السيّئة سواء كانت تنبع من داخل الإنسان، أو من خارجة. إنّ الشيطان تتبّع رغبة آدم و أنّها في أي شي‌ء، فوجد أنّ رغبته في الحياة الخالدة و الوصول إلى القدرة الأزليّة، و لذلك جاء إليه عن هذين العاملين و استغلّهما في سبيل جرّه إلى مخالفة أمر اللّه. و بتعبير آخر: فكما أنّ اللّه قد وعد آدم بأنّك إن تجنّبت الشيطان و خالفته فستحظى بالتنّعم في الجنّة دائما، فإنّ‌ الشيطان قد وسوس إليه عن هذا الطريق «أي أنّه سيخلد في الجنّة أيضا». أجل ... إنّ الشياطين يبدؤون دائما في بادية خططهم من نفس النقاط و الطرق التي يبدأ منها المرشدون إلى طريق الحقّ، لكن لا تمرّ الأيّام حتّى يجروهم إلى هاوية الانحراف، و يجعلون جاذبية طريق الحقّ وسيلة للوصول إلى المتاهات. وإِنّ الله سبحانه أمر آدم وزوجته حواء بأن يسكنا الجنّة: (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة). ويستفاد من هذه العبارة أنّ آدم وحواء لم يكونا في بدء الخلقة في الجنّة، إِنّما خلقا أوّلا ثمّ هُديا إِلى السكنى في الجنّة وأنّ القرائن تفيد - كما أسلفنا في ذيل الآيات المتعلقة بقصة خلق آدم في سورة البقرة - أن تلك الجنّة لم تكن جنّة القيامة، بل هي - كما ورد في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) أيضاً - جنّة الدنيا، أي أنّها كانت بستاناً جميلا أخضر من بساتين هذا العالم، وفّر الله سبحانه فيها جميع أنواع النعم والخيرات. وفي هذه الأثناء صدر أوّل تكليف وأمر ونهي إِلى آدم وحواء من جانب الله تعالى، بهذه الصورة: (فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) أي أنّ الأكل من جميع أشجار هذه الجنّة مباح لكما، إِلاّ شجرة خاصّة لا تقرباها، وإِلاّ كنتما من الظالمين. ثمّ إِنّ الشيطان الذي طُرِدَ من رحمة الله تعالى بسبب إِحجامه عن السجود لآدم، وكان قد صمّم على أن ينتقم لنفسه من آدم وبنيه ما أمكن، ويسعى في إِضلالهم ما استطاع، وكان يعلم جيداً أنّ الأكل من الشجرة الممنوعة تعرّض آدم للإِخراج من الجنّة، عمد إِلى الوسوسة لآدمَ وزوجته، وبغية الوصول إِلى هذا الهدف نشر شباكاً متنوعة على طريقهما. ففي البداية - وكان يقول القرآن الكريم - بدأ بنزع لباس الطاعة والعبودية لله، عنهما، فأبدى عورتهما التي كانت مخبأة مستورة: (فوسوس لهما الشيطان ليبدى لهما ما وورِىَ عنهما من سوآتِهما). وللوصول إِلى هذا الهدف رأى أنّ أفضل طريق هو أن يستغلّ حبّ الإِنسان ورغبته الذاتية في التكامل والرقي والحياة الخالدة، وليوفّر لهما عذراً يعتذران ويتوسلان به لتبرير مخالفتهما لأمر الله ونهيه، ولهذا قال لآدم وزوجته: (ما نهاكما ربّكما عن هذه الشجرة إِلاّ أن تكونا مَلَكَين أو تكونا من الخالدين). وبهذه الطريقة صَوَّرَ الأمر الآِلهي في نظرهما بشكل آخر، وصوّر المسألة وكأنَّ الأكل من "الشجرة الممنوعة" ليس غير مضرّ فحسب، بل يورث عمراً خالداً أو نيل درجة الملائكة. والشاهد على هذا الكلام هو العبارة التي قالها إِبليس في سورة طه الآية 120: (يا آدم هل أدلّك على شجرة الخلد ومُلك لا يبلى). فقد جاء في رواية رويت في تفسير القمي عن الإِمام الصادق (ع)، وفي "عيون أخبار الرضا" عن الإِمام علي بن موسى الرضا (ع) : فجاء إِبليس فقال: "إِنّكما إِن أكلتما من هذه الشجرة التي نهاكما الله عنها صرتما ملكين، وبقيتما في الجنّة أبداً، وإِن لم تأكلا منها أخرجكما الله من الجنّة" . ولما سمع آدم هذا الكلام غرق في التفكير، ولكنّ الشيطان - من أجل أن يحكم قبضته ويعمّق وسوسته في روح آدم وحواء - تَوسَّلَ بالأيمان المغلَّظة للتدليل على أنه يريد لهما الخير! (وقاسمهما إِنّي لكما لمن الناصحين). لم يكن آدم يمتلك تجربة كافية عن الحياة، ولم يكن قد وقع في حبائل الشيطان وخدعه بعد، ولم يعرف بكذبه وتضليله قبل هذا، كما أنّه لم يكن في مقدوره أن يصدّق بأن يأتي بمثل هذه الايمان المغلَّظة كذباً، وينشر مثل هذا الحبائل والشباك على طريقه. ولهذا وقع في حبال الشيطان، وانخدع بوسوسته في المآل، ونزل بحبل خداعه المهترىء في بئر الوساوس الشيطانية للحصول على ماء الحياة الخالدة والملك الذي لا يبلى، ولكنّه ليس فقط لم يظفر بماء الحياة كما ظنّ، بل سقط في ورطة المخالفة والعصيان للأوامر الإِلهية، كما يعبّر القرآن عن ذلك ويلخصه في عبارة موجزة إِذ يقول: (فدلاّهما بغرور) . ومع أن آدم - نظراً لسابقة عداء الشيطان له، ومع علمه بحكمة الله ورحمته الواسعة، ومحبته ولطفه - كان من اللازم أن يبدّد كل الوساوس ويقاومها، ولا يسلّم للشيطان، إِلاّ أنه قد وقع ما وقع على كل حال.