السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنّ المقصود من ( الأنا ) بحسب الاستعمالات تأتي في مواضع متعددة :
منها : المديح للنفس .
ومنها : للهجاء .
ومنها : للتزلف والخضوعُ، خاصة في النجوى إلى الله، فقد تأتي في مواضع متعددة في محل وصفٍ أو للدلالةِ والتوكيدِ والتوثيق وغيرها من المقاصد.
إنّ استعمالَ الـ ( الأنا ) على وجهها الأصلي ومقصدها الواضح للجميع في التعريفِ أو لدلالةِ الإنسان على نفسهِ، يأتي من ضرورات اللغة ومقتضيات الخطاب التي لا يكاد أن يَستغني الناسُ عنها في معايشهم وتحاورهم، ومثل هذا اللفظِ لايمكنُ بأيّ شكلٍ من الأشكال أن يُذم لذاتهِ أو يَردُ في الشرعِ شيءٌ في منعهِ.
نعم ، إن كان القصدُ مِنها اقتباساً من قولِ إبليس: «أنا خير منه»، أو كما قالَ النمرود: «أنا أُحيي وأُميت»، وكذلك كما قالَ فرعون: «أنا ربكم الأعلى ) فإنّ هذا مما ينبغي الاستعاذة منه أن نتمثل بقول هؤلاء المستكبرين
فقد نطقها الشيطان عن حسد وتكبّر فقال: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} آية (12) سورة الأعراف.. كما حكاها القرآن الكريم ، وكان ذلك وارداً منه مورد الافتخار وإظهار الأنانية بين يدي الله تعالى ، فذمه الله عليه.
ومن هنا فإنّ كل من قال : ( أنا ) واستعاذ منها ، فقد أراد تلك ( الأنا ) المذمومة التي جاءت على لسان إبليس عليه اللعنة.. وليس من دلالته على شخصه فإنّ الكثير من الانبياء ورد عنهم قول (الأنا) قال تعالى في قولِ موسى كليمُ الله: «وأنا أولُ المؤمنين»، وقال قبلهُ إبراهيم خليل الله: «وأنا على ذلكم من الشاهدين»، وقول نبينا الكريم: «أنا النبي لا كذب»، وإبليس كاذِب وفرعونُ والنمرودُ كذلك، ورسل الله هم الصادقون. فـ«الأنا» التي نَقولها يوميّاً في مُعاملاتنا مع البشر ليسَت بالضرورةِ أن تكون هي ذاتها «الأنا» الإبليسية ولا «الأنا» النمرودية ولا الفرعونية، إنّما هي «الأنا» التي تأتي بمحل الدلالةِ الشخصيةِ للمتكلم.
ودمتم موفقين.