السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
لقد حضر الإمام السجَّاد عليّ بن الحسين، في معركة كربلاء، إلى جنب والده الإمام الحسين (عليه السلام)، وهذا ما تذكره كلّ المصادر بلا استثناء.
ويَرد في مصادر الوقعة، اسم « عليّ بن الحسين » في بعض مقاطع رحلة الإمام الحسين (عليه السلام) في طريقه إلى الشهادة، وفي بعض الحديث بينه وبين ولده « عليّ ».
ولم يُحدَّد المقصود من « عليّ » هذا، هل هو السجَّاد (عليه السلام) أو أخوه « علي » الشهيد (عليه السلام) ؟
وقد اشتهر أنـّه هو الشهيد، لكنّ ذلك غير مؤكّد، فلعلّ الذي ورد ذكره، هو الإمام السجَّاد (عليه السلام) .
والدلالات النضالية في هذا الحضور من وجوه:
أوّلاً: إن هناك نصوصاً تاريخية تدلّ على أن الإمام السجاد (عليه السلام) قد قاتل يوم عاشوراء وناضل إلى أن جُرِحَ، وهي:
النصّ الأول: ما جاء في أقدم نصٍّ مأثور عن أهل البيت: في ذكر أسماء مَنْ حضر مع الحسين (عليه السلام)، وذلك في كتاب « تسمية مَنْ قُتِلَ مع الحسين (عليه السلام)من أهل بيته وإخوته وشيعته »الذي جمعه المحدّث الزيدي الفُضَيل بن الزُبير، الأسدي، الرسّان، الكوفي، من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) .
فقد ذكر ما نصّه:
« وكان عليُّ بن الحسين عليلاً، وارتُثَّ، يومئذ، وقد حَضَرَ بعض القتال، فدفع اللهُ عنه، وأخِذَ مع النساء » .
ومع وضوح النصّ في قتال الإمام السجّاد (عليه السلام) في كربلاء فإن كلمة « ارْتُثَّ » تدل على ذلك، لأنها تقال لمن حُمِلَ من المعركة، بعد أنْ قاتل، واُثخِنَ بالجراح، فاُخرج من أرض القتال وبه رَمَقٌ، كما صرّح به اللغويون .
النصّ الثاني: ما جاء في مناقب ابن شهرآشوب ـ بعد ذكره مشهد علي بن الحسين المعروف بالأكبر وأن الإمام الحسين (عليه السلام) أتى به إلى باب الفسطاط، أورد هذه العبارة « فصارت اُمُّهُ شهربانويه ولهى تنظر إليه ولا تتكلّم ».
ومن المعلوم أن اُمّ علي الشهيد هي ليلى العامرية أو برّة بنت عروة الثقفي ـ كما يراه ابن شهرآشوب ـ والمعروف أنّ « شهر بانويه » هي أمّ علي بن الحسين (عليه السلام)، فلابدّ أن يكون قد سقط من عبارة مناقب شهرآشوب ذكر مبارزة علي بن الحسين السجاد (عليه السلام)، وبهذا يكون شاهداً على ما نحن بصدده.
ومن المحتمل أنْ تكون العبارة مقدّمة على موضعها في مقتل علي الأصغر الذي ذكره ابن شهرآشوب بعد هذا النصّ المنقول، لأن ابن شهرآشوب ذكر أن اُمّ علي السجاد هي اُمّ علي الأصغر شهر بانويه رضي الله عنها .
النصّ الثالث: ما جاء حول مرض الإمام (عليه السلام)، إنّ المصادر تكاد تتّفق على أنّ الإمام السجاد (عليه السلام) كان يوم كربلاء، مريضاً، أو موعوكاً .
إلاّ أنّها لم تحدّد نوعية المرض ولا سببه، لكنّ ابن شهرآشوب روى عن أحمد بن حنبل قوله: كان سبب مرض زين العابدين (عليه السلام) أنـّه كان اُلبس درعاً، ففضُل عنه، فأخذَ الفُضلة بيده ومزّقها.
وهذا يُشير إلى أن الإمام إنّما عُرّض للمرض وهو على اُهْبة الاستعداد للحرب أو على أعتابها، حيث لا يُلبَس الدرعُ إلاّ حينذاك، عادة.
ولا ينافي ذلك قول ابن شهرآشوب: « ولم يقتل زين العابدين لأنّ أباه لم يأذن له في الحرب، كان مريضاً ».
لأنَ مفروض الأدلة السابقة أنّ الإمَام زين العابدين قد أصيب بالمرض بعد اشتراكه اوّل مرّة في القتال وبعد أنْ ارتُثّ وجُرح، فلعلّ عَدمَ الإذن له في أن يُقاتل كان في المرّة الثانية وهو في حال المرض والجراحة.
ولو فرض كونه مريضاً منذ البداية فالأدلة التي سردْناها تدلّ بوضوح على مشاركته في بعض القتال.