logo-img
السیاسات و الشروط
( 14 سنة ) - السعودية
منذ 3 سنوات

الصبر

ما تفسير قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" ؟


هذه الآية هي آخر الآيات من سورة آل عمران، وتحتوي على برنامج يتكون من أربع نقاط لعامة المسلمين، وهي لذلك تبدأ بتوجيه الخطاب إلى المؤمنين إذ تقول: يا أيها الذين آمنوا. 1 - " اصبروا ": إن أول مادة في هذا البرنامج الذي يكفل عزة المسلمين وانتصارهم هو الاستقامة والثبات، والصبر في وجه الحوادث الذي هو - في الحقيقة - أصل كل نجاح مادي، وعلة كل انتصار معنوي، وهو الأمر الذي يستحق حديثا مفصلا لما له من أثر جد مهم في الانتصارات والنجاحات الفردية والاجتماعية، وهو الذي قال عنه الإمام علي (عليه السلام) في حكمه وكلماته القصار: " إن الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد ". 2 - " وصابروا " وهي من المصابرة (من باب المفاعلة) بمعنى الصبر والاستقامة والثبات في مقابل صبر الآخرين وثباتهم واستقامتهم. وعلى هذا فإن القرآن يوصي المؤمنين أولا بالصبر والاستقامة (التي تشمل كل ألوان الجهاد، كجهاد النفس، والاستقامة في مواجهة مشاكل الحياة)، ثم يوصي ثانيا بالصبر والثبات والاستقامة أمام الأعداء، وهذا بنفسه يفيد أن الأمة ما لم تتغلب وتنتصر في جهادها مع النفس، وفي إصلاح ما بها من نقاط الضعف الداخلية يستحيل انتصارها على الأعداء، وهذا يعني أن أكثر هزائمها أمام أعدائها إنما هي بسبب ما لحق بها من هزائم في جبهة الجهاد مع النفس وما أصابها من إخفاقات في إصلاح نقاط الضعف التي تعاني منها. كما وأنه يستفاد من هذا التعليم " صابروا " أن على المسلمين أن يضاعفوا من صبرهم ومن ثباتهم كلما ضاعف العدو من صبره وثباته ومقاومته وعناده. 3 - " ورابطوا " وهذه العبارة مشتقة من مادة " الرباط " وتعني ربط شئ في مكان (كربط الخيل في مكان)، ولهذا يقال لمنزل المسافرين " الرباط "، ويقال أيضا ربط على قلبه بمعنى أنه أعطاه السكينة، وملأه بالطمأنينة وكأن قلبه أنشد إلى مكان، وارتكز على ركن وثيق، و " المرابطة " بمعنى مراقبة الثغور وحراستها لأن فيها يربط الجنود أفراسهم. وهذه العبارة أمر صريح إلى المسلمين بأن يكونوا على استعداد دائم لمواجهة الأعداء، وأن يكونوا في حالة تحفز وتيقظ ومراقبة مستمرة لثغور البلاد الإسلامية وحدودها حتى لا يفاجأوا بهجمات العدو المباغتة، كما أنه حث على التأهب الكامل لمواجهة الشيطان، والأهواء الجامحة حتى لا تباغتهم وتأخذهم على حين غرة وغفلة، ولهذا جاء في بعض الأحاديث عن الإمام علي (عليه السلام) تفسير المرابطة بانتظار الصلاة بعد الصلاة، لأن من حافظ على يقظة روحه وضميره بهذه العبادات المستمرة المتلاحقة، كان كالجندي المتأهب لمواجهة الأعداء على الدوام. وخلاصة القول: إن للمرابطة معنى وسيعا يشمل كل ألوان الدفاع عن النفس والمجتمع. ثم إن هناك في الفقه الإسلامي بابا خاصا - في كتاب الجهاد - تحت عنوان " المرابطة " بمعنى الاستعداد والتأهب الكامل في الثغور لحراستها وحمايتها وحفظها أمام حملات الأعداء الاحتمالية، وقد ذكرت لها أحكام خاصة يقف عليها كل من راجع الكتب الفقهية. هذا وقد أطلق على العلماء - كما في بعض الأحاديث - صفة المرابط، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): " علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس وعفاريته، ويمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا وعن أن يتسلط عليهم إبليس ... المزید " . وتعتبر نهاية هذا الحديث العلماء أعلى مكانة من الجنود والقادة الذين يحرسون الثغور ويذبون عنها أعداء الإسلام. وما ذلك إلا أن العلماء حماة الدين وحراسه والأمناء المدافعون عن القيم الإسلامية، والجنود حماة الثغور الجغرافية، ومن الثابت المسلم به أن الثغور الفكرية والثقافية لأمة من الأمم لو تعرضت لكيد الأعداء، ولم تستطع الذب عنها بنجاح، فإنها سرعان ما تصبيها الهزائم العسكرية والسياسية أيضا. 4 - واتقوا الله وهذا بالتالي آخر التعاليم والأوامر في هذا البرنامج، وهو بمثابة المظلة الواقية لما سبقها من التعاليم أنه حث على التقوى، ولابد للاستقامة والمصابرة والمرابطة من أن تمتزج بعنصر التقوى، ولا يشوبها شئ من أنانية أو رياء أو أغراض شخصية. لعلكم تفلحون وهكذا تختم الآية هذا البرنامح بذكر النتيجة التي تنتظر كل من يطبق هذا البرنامج، إنه الفلاح والنجاح الذي يمكنكم الوصول إليه عبر الأخذ بهذه التعاليم والأوامر، وإلا فلن تحصلوا على شئ من النجاح والانتصار.

1