السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
توجد روايات صحيحة عند الفريقين تشير إلى أنه ( صلى الله عليه وآله ) مات مسموما ،
منها مارواه الحاكم النيسابوري في مستدركه على الصحيحين عن داود بن يزيد الأودي بسند – لم يتعقبه الذهبي بشئ - ، قال: سمعت الشعبي يقول: والله لقد سمّ رسول الله ( صلى الله عليه واله) …وقتل علي بن أبي طالب صبرا وسمّ الحسن بن علي وقتل الحسين بن علي صبرا (رضي الله عنهم) فما نرجو بعدهم. انتهى
ومنها ما رواه أحمد في مسنده عن ابن مسعود ، قال : لأَنْ أَحْلِفَ تِسْعاً ان رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه واله ) قُتِلَ قَتْلاً أَحَبُّ الي من أَنْ أَحْلِفَ وَاحِدَةً انه لم يُقْتَلْ وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ نَبِيًّا وَاتَّخَذَهُ شَهِيداً.
قال الهيثمي في (مجمع الزوائد) بعد نقل الرواية:
رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح .(انتهى)
إذن كونه ( صلى الله عليه وآله) مات مسموما شهيدا أمر مسلم، ولكن يبقى السؤال :
من هو الذي دسّ السمّ لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وقتله ؟!!
هناك بعض الروايات تشير إلى أنه ( صلى الله عليه وآله ) مات متأثرا بالسم الذي سقته إياه اليهودية في خيبر في السنة السابعة للهجرة ..إلا أن هذا الاحتمال بعيد لأسباب عدّة ، منها :
أن كثيراً من الروايات دلت على أنه ( صلى الله عليه وآله) لم يأكل من ذلك اللحم المسموم ،
وأنه (صلى الله عليه وآله ) كان قد أخبر عن طريق الاعجاز بكونه مسموماً ،
هذا اضافة إلى بعد المدّة بين موته (صلى الله عليه وآله ) وهذه الحادثة ، وهي ثلاث سنوات ؛
إذ كانت واقعة خيبر في السنة السابعة للهجرة ووفاته (صلى الله عليه وآله ) في السنة الحادية عشرة ، اضافة الى أن (بشر بن براء) الذي أكل من ذلك اللحم مات في الحال لقوة السمّ الذي فيه !!
فاحتمال كونه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مات من أثر ذلك السمّ بعيد جدا .
وعليه لابد من البحث عن أدلة جنائية أخرى يمكن تلمس حادثة الاغتيال بالسم من خلالها .
والمتتبع للروايات يجد رواية تشير في مضمونها إلى قضية غريبة جدا حدثت قبل وفاته ( صلى الله عليه وآله ) بوقت قريب جدا
وهي أنه (صلى الله عليه وآله ) سقي – في مرضه الذي مات فيه - بشيء ما عنوة ومن غير إرادته ،
مع أنه (صلى الله عليه وآله ) كان قد نهاهم أن يسقونه عنوة حال صحوته ففعلوا ذلك حال غفوته ،
فانظر إلى الرواية وتابعها معنا بإمعان.
روى البخاري وغيره عن عائشة قالت :
(لَدَدْنَاهُ في مَرَضِهِ فَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ لَا تَلُدُّونِي فَقُلْنَا : كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ ، فلما أَفَاقَ (النبي )قال: أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدُّونِي ، قُلْنَا: كَرَاهِيَةَ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ).
قال ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري) في شرح هذه الرواية: قوله (لددناه) أي جعلنا في جانب فمه دواه بغير اختياره ، وهذا هو اللدود .(انتهى )
فالرواية تشير بوضوح إلى سقي النبي ( صلى الله عليه وآله ) شرابا رغما عنه ورفضه له حال صحوته وأن السقي جرى حال غفوته بدليل أن الرواية قالت : ( فلما أفاق قال : ألم أنهكم أن تلدوني ) ؟!!
وتوجد هاهنا جملة أسئلة واستفهامات كثيرة إزاء الرواية المذكورة ، منها :
لماذا أقدم هؤلاء الأشخاص على سقي النبي ( صلى الله عليه وآله ) دواءا نهاهم أن يسقونه إياه حال صحوته فسقوه إياه حال غفوته ؟!!
هل ترى النبي (صلى الله عليه وآله) يرفض العمل بقانون الأسباب والمسببات بحيث يرفض دواءا فيه علاجه وهو يعلم أن لكل داء دواء ؟!!
لقد ورد أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لا يمكن أن يقاس بغيره من الناس فهو لا يعتريه الاضطراب ولا الهذيان في أي حال من الأحوال، سواء في حال الصحة أو حال المرض، حتى يكون تصرف غيره نيابة عنه لما فيه مصلحته ،
فالقرآن الكريم صريح بلزوم إطاعته المطلقة؛ إذ يقول تعالى: ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) ،
ويقول عز من قائل: ( ما آتاكم الرسول فخذوه وَما نهاكم عنه فانتهوا) ،
ويقول جل وعلا: (ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى).
وقد جاء عن النبي ( صلى الله عليه وآله) نفسه في الحديث الصحيح الذي يرويه عبدالله بن عمرو بن العاص عندما نهته قريش أن يكتب كل ما يسمعه عن النبي لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشر يتكلم في الرضا والغضب ،
فقال له النبي (صلى الله عليه وآله ) : " اكتب فو الذي بعثني بالحق ما يخرج منه إلا الحق ".
وورد عنه ( صلى الله عليه وآله) أنه حتى في حالات الممازحة والمداعبة لا يقول إلا الحق ،
فقد قال له بعض أصحابه يوما وكان يداعبهم : فإنك تداعبنا يا رسول الله ؟ قال : ( إني لا أقول إلا حقا ) ( حديث حسن ).
قال المباركفوري في شرحه للحديث المذكور: (" لا أقول إلا حقا " أي عدلا وصدقا ، لعصمتي من الزلل في القول والفعل ولا كل أحد منكم قادر على هذا الحصر لعدم العصمة فيكم) .انتهى ؟!!
إننا بلحاظ ما تقدم لا يمكن أن نجد عذرا معقولا ولا مقبولا شرعا لهذا الفعل بسقي النبي ( صلى الله عليه وآله ) شيئا رغما عنه !!
نذكر لكم بعض الروايات مع توضيح
يذكر ابن سعد: فلما كان يوم الأربعاء بدأ برسول الله المرض فحم وصدع ..
وكانت أم البشر بن البراء قد قالت للرسول: ما وجدتمثل هذه الحمى التي عليك على أحد؟
وهذا النص يثبت بدلالة قاطعة أن الحمى التي اعترت المصطفى (صلى الله عليه وآله ) لم تكن حمى طبيعية و ذلك لأنها لم ترى مثل هذه الحمى من قبل
، وهذه الحمى ما هي إلا من السم الذي جرعوه فقد تغير لونه و حالته .
و الرواية التي ذكرها عبد الله الاندلسي في كتابه تقول :ـ
بعدما لدوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رغما ً عنه
قال صلى الله عليه و آله : من فعل هذا ؟؟
فقالوا : عمك العباس !!!
ويتضح من قبل المنفذين انكار فعلتهم الشنيعة وأتهموا العباس عم النبي صلى الله عليه وآله
إلا إن ذلك لم يخف عن رسول الله الذي برأ عمه العباس من تلك الفعلة و اتهامهم و دليل ذلك حينما طردهم من داره و ابقى العباس يعاين حاله .
إذ قال صلى الله عليه و آله : لا يبقى أحد منكم إلا لد غير العباس فإنه لم يشهدكم
وقالت عائشة بنت ابوبكر: لددنا (قمنا بتطعيم) رسول الله فيمرضه. فقال: ( لا تلدوني). فقلنا: كراهية المريض للدواء. فلما أفاق قال (لا يبقى منكم أحد إلا لد غير العباس فإنه لم يشهدكم
وجاء في كتاب الطبقات ج 2/235 فأُغمِيَ عليه صلى الله عليه وآله حين أفاق والنساء يلددنه, وهو صائم .
و قالت عائشة: لددنا رسول الله في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني، فقلنا: كراهية المريض للدواء. فقال: (لايبقى أحد في البيت إلا لد، وأنا أنظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم.
ومعنى لغوياً : ( لدننا ) أي جرعنا و سقينا
ما الذي جرعته عائشة للنبي صلى الله عليه و آله حتى نهى عنها ذلك فغضب و أمر بخروجها من الدار ؟
ويجيبنا ابن القيم الجوزي :ـ كان الرسول (صلى الله عليه وآله) قد أمر من في الدار بأن لا يلدوه و لا يجرعوه أي دواء مهما كان ،
إذ رويأنه قال لهم بعد سقيه إياهم ذلك الدواء المزعوم: (ألم أنهكم أن لا تلدوني)
وبعد قيامهم بلد النبي، قال (صلى الله عليه وآله) عن عائشة: (ويحها لو تستطيع ما فعلت)
ويلاحظ من تلك الروايات التي ينقلها المخالفين تكشف لنا وجود مؤمره بتخطيط مسبق للسيطرة على دفة الحكم وقلب النظام الاسلامي بأغتيال الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله ) وتجريعة سما على انه دواء للشرب .
و عند مراجعة الرواية السابقة بشكل دقيق نفهم من كلام عائشة ان الفاعل بلد ( سقي ) رسول الله صلى الله عليه وآله في منامه كانوا أكثر من شخص
إذ قالت عائشة " لددنا رسول الله فيمرضه ، فقال : لا تلدوني
و دل على كونهم جمع و ذلك من الجمع في فعل ( لددنا)
و إذا افترضنا انها الوحدية التي فعلت ذلك لقالت ( لددت رسول الله في مرضه )
و لما أحس الرسول بسقيهم أيهاه و شعر بالسم استيقظ من منامه وقال مخاطبا اياهم : لا تلدوني
وقال صلى الله عليه و آله لم بصيغة الجمع: " ألم أنهكم !!! " و هذا يشير ايضا ً على كونهم جماعة .
و الأرجح ان من نفذ هذه العملية هي من روية الروايه و التي لدت النبي صلى الله عليه وآله
و بتخطيط من الذين شاركوا في قتله في العقبة و أمر منهما حيث ان المستفيد الاكبرهما و هما اللذان تحققت اهدافهما و مصالحهما بقتل النبي صلى الله عليه و آله
ولم يكتفوا باغتيال النبي صلى الله عليه وآله مادياً .. بل قام باغتياله معنوياً في اللحظات الاخيرة من حياته المقدسة ... المزیدعندما قال قولته المشهورة : ان الرجل ليهجر ..
ولا نعلم اي القتلتين كانتا اشد على النبي صلى الله عليه وآله .. اغتيال جسده .. ام اغتيال نبوته وشخصه المقدس .. الذي قال عنه رب العالمين : وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يُوحى . ؟؟
إنه فعل وجرأة غريبة واقعا تحمل معها الكثير من التساؤلات !!
فإذا وضعت هذه الاستفهامات مع حادثة ليلة العقبة والأشخاص المتورطين في اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله ) فيها ، ومن تورع حذيفة عن الصلاة عليهم ( لأن الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضوان الله عليه كان يحمل سر رسول الله في المنافقين الذين أرادوا اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) ليلة العقبة ، وكانت علامة معرفة المسلمين لهم هو عدم صلاة حذيفة عليهم عند موتهم ، وقد ذكر ابن حزم أن حذيفة لم يصل على بعض الصحابة " كما جاء في المحلى ج11 ص 225 " وجاء عن ابن عساكر قوله أن حذيفة لم يصل على فلان "مختصر تاريخ دمشق ج6 ص 253" وهذه طريقة معروفة عند الكتاب والمؤرخين عند الحديث عن شخصية مهمة من الصحابة يريدون إخفائها لأن ذكرها لا تتحمله العامة
ومحاولة لاغتيال واضحه نذكرها كما نقلها ابن حزم: ان الرسول (صلى الله عليه واله ) لدى عودة النبي صلى الله عليه وآله من غزوة تبوك (ابن حزم في المحلي بالاثار ج12 ح2203 كتاب الحدود )
يقول-و اما حديث حذيفة فساقط لانه من طريق الوليد بن جميع- و هو هالك و لانراه يعلم من وضع الحديث فانه
قد روي اخبارا فيها ان ابابكر و عمر و عثمان و طلحة و سعد بن ابي وقاص ارادوا قتل النبي صلي الله عليه و اله و القاءه من العقبة في التبوك.....
نرى ان ابن حزم يسقط الحديث لوليدبن جميع.
و الحال ان وليد من رجال البخاري و مسلم و سنن ابي داود و صحيح ترمذي و سنن نسائي.
و الحال ان كثير من كتب الرحال صرحوا بوثاقة وليد بن جميع
مع ملاحظة رزية يوم الخميس قبل وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأيام - التي رواها البخاري ومسلم - وما جرى فيها من الاغتيال المعنوي للنبي (صلى الله عليه وآله) ستتضح لك معالم الأحداث بشكل لا غطش - لا ظلمة - فيه ... ولا حول ولا قوة إلا بالله .