السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
ففي البدء يوجه الله سبحانه الخطاب لنبيه فيقول: هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين .
والتعبير ب " المكرمين " إما لأن هؤلاء الملائكة كانوا مأمورين من قبل الحق، وقد ورد التعبير عنهم في الآية (26) من سورة الأنبياء أيضا بمثل هذا - بل هم عباد مكرمون أو لأن إبراهيم (عليه السلام) أكرمهم، أو للوجهين معا.
ثم يبين القرآن حالهم فيقول: إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون .
قال بعضهم: جملة أنهم " قوم منكرون " لم يصرح بها إبراهيم، بل حدث بها نفسه لأن هذا الكلام لا ينسجم مع وافر الاحترام للضيف الكرام.
إلا أنه كما هو المعتاد قد يقول المضيف للضيف في حال الاحترام والترحيب:
" لا أدري أين التقيت بك من قبل - أو يبدو انك غريب.. "فبناء على هذا يمكن التمسك بظاهر الآية وأن إبراهيم قال هذا الكلام صراحة وإن كان الاحتمال الأول غير بعيد. خاصة أن " الضيف " لم يردوا على هذا الكلام، ولو كان إبراهيم قال مثل هذا الكلام صراحة، فلابد أن يجيبوه.
وعلى كل حال فإن إبراهيم أدى ما عليه من حق الضيافة فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين.
والفعل " راغ " كما يقول الراغب في مفرداته مشتق من " روغ " - على وزن " شوق " - ومعناه التحرك مقرونا بخطة خفية، لأن إبراهيم فعل " كذلك " وقام بذلك خفاء لئلا يلتفت الضيف فلا يقبلوا بضيافته التي تستلزم نفقة كثيرة! إلا أنه لم هيأ إبراهيم طعاما كثيرا؟ مع أن ضيفه كانوا كما يقول بعض المفسرين " ثلاثة " وقال بعضهم: كانوا اثني عشر - وهذا أقصى ما قاله بعض المفسرين (1) -.
فذلك لأن الكرماء لا يهيؤون الطعام بمقدار الضيف فحسب، بل يهيؤون طعاما يستوعب حتى العمال ليشاركوهم في الأكل، وربما أخذوا بنظر الاعتبار حتى الجار والأقارب فعلى هذا لا يعد مثل هذا الطعام الذي هيأه إبراهيم إسرافا، ويلاحظ هذا المعنى في يومنا هذا عند بعض العشائر التي تعيش على طريقتها القديمة.
و " العجل " على وزن " طفل " معناه ولد البقر " وما يراه بعضهم أنه الخروف فلا ينسجم مع متون اللغة "!.. وهذه الكلمة مأخوذة في الأصل من العجلة، لأن هذا الحيوان في هذه السن وفي هذه المرحلة يتحرك حركة عجلى، وحين يكبر تزول عنه هذه الصفة تماما.
و " السمين " معناه المكتنز لحمه، وانتخاب مثل هذا العجل إنما هو لإكرام الضيف وليسع المتعلقين والأكلة الآخرين! وفي الآية التاسعة والستين من سورة هود جاء وصف هذا العجل بأنه " حنيذ " أي مشوي، وبالرغم من أن الآية محل البحث لم تذكر شيئا عن هذا العجل، إلا أنه لا منافاة بين التعبيرين.
ثم تضيف الآية بالقول عن إبراهيم وضيفه فقربه إليهم إلا أنه لاحظ أن أيديهم لا تصل إلى الطعام فتعجب وقال ألا تأكلون.
وكان إبراهيم يتصور أنهم من الآدميين فأوجس منهم خيفة لأنه كان معروفا في ذلك العصر وفي زماننا أيضا بين كثير من الناس الملتزمين بالتقاليد العرفية، أنه متى ما أكل شخص من طعام صاحبه فلن يناله أذى منه ولا يخونه..
ولذلك فإن الضيف إذا لم يأكل من طعام صاحبه، يثير الظن السئ بأنه جاء لأمر محذور، وقد قيل على سبيل المثل في لغة العرب: من لم يأكل طعامك لم يحفظ ذمامك "!
و " الإيجاس " مشتق من وجس - على وزن مكث - ومعناه في الأصل الصوت الخفي ومن هنا فقد أطلق الإيجاس على الإحساس الداخلي والخفي، فكأن الإنسان يسمع صوتا داخله وحين يقترن الإيجاس بالخيفة يكون معناه الإحساس بالخوف.
وهنا قال له الضيف كما ورد في الآية (70) من سورة هود طمأنة له ف قالوا لا تخف.