logo-img
السیاسات و الشروط
( 23 سنة ) - العراق
منذ 3 سنوات

تأنيب الضمير من المعاصي

ما معنى تأنيب الضمير من كثرة المعاصي؟


أودع الله تعالى في أعماق نفس الإنسان ضميرًا ووجدانًا يدعوه إلى الخير، ويحذّره من الشّر. فإذا ما سار بخلافها وظلم أحدًا، أو اعتدى على حقٍّ أحدٍ، فإنّ هذه القوة في أعماقه التي يطلق عليها قوة الضمير، لا بُدّ أن تستيقظ في يوم ما، وتوجّه العقوبة للإنسان عن طريق التأنيب والتوبيخ الذاتي، فيعاني إثْر ذلك ما يطلق عليه عذاب الضمير، الذي يبقى يوخز الإنسان من داخله، حتى وإن بدا على ظاهر حياته الهناء والراحة، فإنّ في أعماقه نارًا تضطرم نتيجة شدة التأنيب ووخز الضمير. قد تَرينُ المصالح، وتتراكم الرغبات المادية على قلب وضمير الإنسان، فيكون في حالة خمول وسبات إلى حين. لكن هذا الضمير سرعان ما يستيقظ في يوم ما، فيعيش الإنسان إثر ذلك العذاب والألم في داخل نفسه، نتيجة ما ارتكب من جرم وخطأ، وما مارس بحق الآخرين من جور وعدوان. وتعرف قوة الضمير في علم النفس، بأنّها «جهاز نفسي تقييمي متعلق بالأنا. تقوم بدفع الإنسان نحو تقييم ومحاسبة نفسه بنفسه، وإصدار الحكم عليها». وقد أشار أمير المؤمنين في إحدى كلماته حين قال: «كَمْ مِنْ شَهْوَةِ ساعَةٍ أوْرَثَتْ حُزْناً طَويلًا»، ولعلّ من مصاديق هذا الحزن الطويل عذاب الضمير وتوبيخ الوجدان. ولربما لاحظنا على بعض المقصّرين بحقّ والديهم أو أحدهما، حين تعتريهم نوبة من يقظة الضمير، فتراهم يلومون أنفسهم على تقصيرهم في جنب أبويهم، وهذا تحديدًا هو تأنيب وعذاب الضمير الذي سيظلّ يوخز المقصّر والظالم ما دام على قيد الحياة. وقد يعتدي أحد الزوجين على حقوق الآخر، فتطوي الأيام ذاك الاعتداء، إلى أن يستيقظ الضمير ذات يوم لينهش دواخل الإنسان تأنيبًا وتقريعًا، ويزداد وخز الضمير حدّة حين يكون الطرف المعتدى عليه قد فارق الحياة. وهكذا الحال مع حالات الاعتداء على مختلف الناس. ومما يحضرني في هذا الشّأن، أنّ شخصًا أعرفه قد جاوز السبعين عامًا، وكان قبل وفاته بسنوات يبدي لي قلقًا؛ لأنه وأثناء وجوده في الحج قبل أكثر من خمسين سنة اشترى حطبًا من عند حطاب، إلّا أنه توانى في دفع المال للحطّاب، حتى توارى ذلك الحطّاب دون أن يعطيه قيمة الحطب، التي ربما لا تتجاوز بضعة ريالات وفقًا لأسعار تلك الأيام، يقول لي الرجل إنّه بات يعيش عذابًا نفسيًّا وتأنيب ضمير أقضّ مضجعه طويلًا؛ لأنه فوّت على ذلك الفقير حقّه. إنّ الضمير يمثل محكمة داخلية مقرّها أعماق نفس الإنسان، لا مفرّ من مواجهتها. ولا يستثنى من مواجهتها أحد، حتى الطغاة والجبابرة الذين يمارسون البطش والقمع بحقّ الناس. ومما يروي التاريخ أنّ الطاغية المعروف الحجاج بن يوسف الثقفي، حينما قتل الصحابي الجليل سعيد بن جبير، لم تطل حياته من بعده، فكان بين الفينة والأخرى يفزع من نومه وهو يصيح: ما لي ولسعيد بن جبير؟، فهذه المحكمة تنبع من أعماق الناس، لا كالمحاكم الخارجية التي يمكن التفلّت منها على نحوٍ أو آخر. وهناك شواهد كثيرة على هذا الصّعيد، ومن ذلك ما تتناوله وسائل الإعلام الأمريكية عن ظاهرة الانتحار في أوساط الجنود الأمريكيين، خاصة أولئك الذين شاركوا في حربي أفغانستان والعراق، حيث بلغ عدد المنتحرين منهم6256 جنديًّا، وهي الظاهرة الموضوعة قيد الدراسة منذ زمن، وقد كُتبت حولها أبحاث ودراسات، وعقدت بشأنها ندوات. وقد أظهرت الدراسات التي بحثت دوافع الانتحار عند هؤلاء الجنود، أنّ أكثرهم إما باشروا أعمال القتل استجابة لأوامر قادة العمليات، أو شهدوا ارتكاب فظائع أثناء تأدية الخدمة. غير أنّ ما جرى أنّ هؤلاء الجنود، وبعد عودتهم للديار، بدأوا في التفكير، ولم تفارق رؤوسهم تلك الفظائع، بل تحولت إلى كوابيس دائمة، كما يروي كثير منهم، ونتيجة لشدّة ما ينتابهم من عذاب الضمير، فإنّ بعضهم أصيب بأمراض نفسية، فيما لم يتردد آخرون في الإقدام على الانتحار. من هنا، على الإنسان أن يحسب حسابًا لقوة الضمير والوجدان الكامنة في أعماقه. كما أنّ عليه أن يتذكر جيّدًا، إذا هَمَّ بالاعتداء أو النيل من أحدٍ، أنه سيدفع لقاء ذلك ثمنًا غاليًا، فقد لا يستطيع الطرف الضحية الاقتصاص لنفسه من المعتدي عليه، لكن قد ينبعث القصاص العادل من أعماق الظالم نفسه، وأمام محكمة ضميره ووجدانه.

2