logo-img
السیاسات و الشروط
( 15 سنة ) - العراق
منذ 3 سنوات

تفسير القرآن

ما تفسير قوله تعالى (( و سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (١٠) إنما تنذر من اتبع الذكر و خشى الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة و أجر كريم (١١) إنا نحن نحى الموتى و نكتب ما قدموا و ءاثرهم و كل شئ أحصينه فى إمام مبين (١٢) )) سورة يس


الآية الأولى تقول: إن الإنذار لا يجدي نفعا مع هؤلاء، فهم متعنتون في كفرهم إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون . هذه المجموعة غارقة في ضلالها وترفض الانصياع للحق حتى لو اتضح لديها. من هنا كان القرآن غير مؤثر في هؤلاء. وهكذا الوعد والوعيد، لأنهم يفتقدون الأرضية اللازمة لقبول الحق والاستسلام له. الآيتان إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم 11 إنا نحن نحى الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شئ أحصينه في إمام مبين (12) من هم الذين يتقبلون إنذارك؟ كان الحديث في الآيات السابقة عن مجموعة لا تملك أي استعداد لتقبل الإنذارات الإلهية ويتساوى عندهم الإنذار وعدمه، أما هذه الآيات فتتحدث عن فئة أخرى هي على النقيض من تلك الفئة، وذلك لكي يتضح المطلب بالمقارنة بين الفئتين كما هو أسلوب القرآن. تقول الآية الأولى من هذه المجموعة إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم. هنا ينبغي الالتفات إلى أمور: 1 - ذكرت في هذه الآية صفتان لمن تؤثر فيهم مواعظ وإنذارات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): وهي " أتباع الذكر " و " الخشية من الله في الغيب ". لا شك أن المقصود من هاتين الصفتين هو ذلك الاستعداد الذاتي وما هو موجود فيهم " بالقوة ". أي أن الإنذار يؤثر فقط في أولئك الذين لهم أسماع واعية وقلوب مهيأة، فالإنذار يترك فيهم أثرين: الأول اتباع الذكر والقرآن الكريم، والآخر الإحساس بالخوف بين يدي الله والمسؤولية. وبتعبير آخر فإن هاتين الحالتين موجودتان فيهم بالقوة، وإنها تظهر فيهم بالفعل بعد الإنذار، وذلك على خلاف الكفار عمي القلوب الغافلين الذين لا يملكون اذنا صاغية وليسوا أهلا للخشية من الله أبدا. هذه الآية كالآية من سورة البقرة حيث يقول تعالى: ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين. 2 - باعتقاد الكثير من المفسرين أن المقصود من " الذكر " هو " القرآن المجيد ". لأن هذه الكلمة جاءت بهذه الصورة مرارا في القرآن الكريم لتعبر عن هذا المعنى (1)، ولكن لا مانع من أن يكون المقصود من هذه الكلمة أيضا المعنى اللغوي لها بمعنى مطلق التذكير، بحيث يشمل كل الآيات القرآنية وسائر الإنذارات الصادرة عن الأنبياء والقادة الإلهيين. 3 - " الخشية " كما قلنا سابقا، بمعنى الخوف الممزوج بالإحساس بعظمة الله تعالى، والتعبير ب‍ " الرحمن " هنا والذي يشير إلى مظهر رحمة الله العامة يثير معنى جميلا، وهو أنه في عين الوقت الذي يستشعر فيه الخوف من عظمة الله، يجب أن يكون هنالك أمل برحمته، لموازنة كفتي الخوف والرجاء، اللذين هما عاملا الحركة التكاملية المستمرة. الملفت للنظر أنه ذكرت كلمة " الله " في بعض من الآيات القرآنية في مورد الرجاء " والتي تمثل مظهر الهيبة والعظمة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر إشارة إلى أنه يجب أن يكون الرجاء ممزوجا بالخوف، والخوف ممزوجا بالرجاء على حد سواء (تأمل!!). 4 - التعبير ب‍ " الغيب " هنا إشارة إلى معرفة الله عن طريق الاستدلال والبرهان، إذ أن ذات الله سبحانه وتعالى غيب بالنسبة إلى حواس الإنسان، ويمكن فقط مشاهدة جماله وجلاله سبحانه ببصيرة القلب ومن خلال آثاره تعالى. كذلك يحتمل أيضا أن " الغيب " هنا بمعنى " الغياب عن عيون الناس " بمعنى أن مقام الخشية والخوف يجب أن لا يتخذ طابعا ريائيا، بل إن الخشية والخوف يجب أن تكون في السر والخفية. بعضهم فسر " الغيب " أيضا ب‍ " القيامة " لأنها من المصاديق الواضحة للأمور المغيبة عن حسنا، ولكن يبدو أن التفسير الأول هو الأنسب. 5 - جملة " فبشره " في الحقيقة تكميل للإنذار، إذ أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في البدء ينذر، وحين يتحقق للإنسان اتباع الذكر والخشية وتظهر آثارها على قوله وفعله، هنا يبشره الباري عز وجل. بماذا يبشر؟ أولا يبشره بشئ قد شغل فكره أكثر من أي موضوع آخر، وهو تلك الزلات التي ارتكبها، يبشره بأن الله العظيم سيغفر له تلك الزلات جميعها، ويبشره بعدئذ بأجر كريم وثواب جزيل لا يعلم مقداره ونوعه إلا الله سبحانه. الملفت للنظر هو تنكير " المغفرة " و " الأجر الكريم " ونعلم بأن استخدام النكرة في مثل هذه المواضع إنما هو للتدليل على الوفرة والعظم. 6 - يرى بعض المفسرين أن (الفاء) في جملة " فبشره " للتفريع والتفصيل، إشارة إلى أن (اتباع التذكر والخشية) نتيجتها " المغفرة " و " الأجر الكريم " بحيث أن الأولى وهي المغفرة تترتب على الأول، والثانية على الثاني. بعد ذلك وبما يتناسب مع البحث الذي كان في الآية السابقة حول الأجر والثواب العظيم للمؤمنين والمصدقين بالإنذارات الإلهية التي جاء بها الأنبياء، تنتقل الآية التالية إلى الإشارة إلى مسألة المعاد والبعث والكتاب والحساب والمجازاة، تقول الآية الكريمة: إنا نحن نحيي الموتى. الاستناد إلى لفظة " نحن " إشارة إلى القدرة العظيمة التي تعرفونها فينا! وكذلك قطع الطريق أمام البحث والتساؤل في كيف يحيي العظام وهي رميم، ويبعث الروح في الأبدان من جديد؟ وليس نحيي الموتى فقط، بل ونكتب ما قدموا وآثارهم وعليه فإن صحيفة الأعمال لن تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وتحفظها إلى يوم الحساب. جملة " ما قدموا " إشارة إلى الأعمال التي قاموا بها ولم يبق لها أثر، أما التعبير " وآثارهم " فإشارة إلى الأعمال التي تبقى بعد الإنسان وتنعكس آثارها على المحيط الخارجي، من أمثال الصدقات الجارية (المباني والأوقاف والمراكز التي تبقى بعد الإنسان وينتفع منها الناس). كذلك يحتمل أيضا أن يكون المعنى هو أن " ما قدموا " إشارة إلى الأعمال ذات الجنبة الشخصية، و " آثارهم " إشارة إلى الأعمال التي تصبح سننا وتوجب الخير والبركات بعد موت الإنسان، أو تؤدي إلى الشر والمعاصي والذنوب. ومفهوم الآية واسع يمكن أن يشمل التفسيرين. ثم تضيف الآية لزيادة التأكيد وكل شئ أحصيناه في إمام مبين. أغلب المفسرين اعتبروا أن معنى " إمام مبين " هنا هو " اللوح المحفوظ " ذلك الكتاب الذي أثبتت فيه وحفظت كل الأعمال والموجودات والحوادث التي في هذا العالم. والتعبير ب‍ " إمام " ربما كان بلحاظ أن هذا الكتاب يكون في يوم القيامة قائدا وإماما لجميع المأمورين بتحقيق الثواب والعقاب، أو لكونه معيارا لتقييم الأعمال الإنسانية ومقدار ثوابها وعقوبتها. الجدير بالملاحظة أن تعبير (إمام) ورد في بعض آيات القرآن الكريم للتعبير عن " التوراة " حيث يقول سبحانه وتعالى: أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة. وإطلاق كلمة " إمام " في هذه الآية على " التوراة " يشير إلى المعارف والأحكام والأوامر الواردة في التوراة، وكذلك للدلائل والإشارات المذكورة بحق نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم)، ففي كل هذه الأمور يمكن للتوراة أن تكون قائدا وإماما للخلق، وبناء على ذلك فإن الكلمة المزبورة لها معنى متناسب مع مفهومها الأصلي في كل مورد استعمال.

2