هناك قول لدى بعض الشيعة بوجوب نطق الشهادة الثالثة في الصلاة في تشهد الصلوات، فضلا عن وجوبه بالأذان والإقامة مستندين بذلك على أحاديث وردت عن المعصومين في كتب الشيعة المعتبرة، كالاحتجاج للطبرسي الجزء الأول صفحة ٢٣١ حيث أمر الإمام جعفر الصادق عليه السلام بذلك في نهاية حديثه حيث قال ( .... فإذا قال أحدكم لا إله إلا الله ، محمد رسول الله فليقل علي أمير المؤمنين عليه السلام ) واعتبروا أن ذلك أمر عامّ يدلّ على متلازمة الشهادة الثالثة للشهادتين، ووجوب قوله دائماً حتى في الصلاة، والصلاة كما وصلتنا هي أن نكتفي بالقول أثناء التشهد بعد الشهادتين اللهم صلّ على محمد وآل محمد.
احفظ هذه النقاط؛ لتعرف السبب في احتياط بعض المراجع في عدم الاتيان بالشهادة الثالثة في التشهد:
١- أنّ الشهادة الثالثة، وهي: "أشهد أنّ عليّاً ولي الله" من أهمّ أركان الإسلام والإيمان, والاعتقاد بها كما صرّح به جمهور علماء الإماميّة شرط لقبول الأعمال؛ لذا تكون صلاة غير المعتقد بولاية أمير المؤمنين غير مقبولة عندهم ـ أيّ لا يترتّب عليها ثواب الصلاة، بل غير صحيحة عند جمع من العلماء.
ذكر الشيخ الكليني عدة أحاديث صحيحة تؤكد ذلك منها ما ورد في الكافي - ج ٢ - الصفحة ١٨
عن فضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: بني الاسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم يناد بشئ كما نودي بالولاية، فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه - يعني الولاية -.
٢- أفعال الصلاة وأقوالها أمور توقيفيّة، فلا يشرع منها إلا ما جاء به الشرع؛ كما في الحج، وبقية العبادات، فلا يجوز إدخال ما لم يذكره النبي صلّى الله عليه وآله والأئمّة المعصومين عليهم السلام، وجعله من أجزاء الصلاة.
فقول "آمين" بعد الفاتحة معناها {اللهمّ استجبْ}، أي الطلب من الله أن يقبل الدعاء، وقول: "إنّ محمذاً خير الأنبياء والرسل", وقول: "إنّ القرآن كتاب الله المنزل" وقول: "إنّ الكعبة قبلتنا" وقول: "إنّ الآخرة معادنا".
كلّها حقّ، وصدق، ولكن هل يجوز إدخالها في الصلاة؟ وهل يجوز أن نأتي بحركة وفعل لم يذكره الله ورسوله والآل، فنجعله من ضمن أفعال الصلاة، كما يفعله، إخواننا في الإسلام من فعل التكتف؟
٣- الذي يجوز ذكره في الصلاة أحد ثلاثة:
الأوّل: أن يُذكر بنصّ في كتاب الله وسنة المعصوم الصحيحة، مثل ما جاء عن هشام بن الحكم قال قال أبو عبد الله عليه السلام ما من كلمة أخف على اللسان منها ولا أبلغ من سبحان الله قال قلت يجزئني في الركوع والسجود أن أقول مكان التسبيح ـ "لا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر" قال نعم.
الثاني: عموم يقتضي جواز إيرادها حتّى في حال الصلاة، مثل: صلاة المصلّي على النبي وآله في أثناء الصلاة، فقد أفتى الفقهاء باستحباب الصلاة على النبي حيث ما ذُكِر أو ذكر عنده ولو كان في الصلاة وفي أثناء القراءة؛ للخبر الصحيح : « وصلّ على النبي كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في الأذان أو غيره»، فيجوز الاتيان بها ولو لم تكن داخلة في الدعاء الآتي.
الثالث: القرآن والذكر المطلق والدعاء، فيجوز قراءة آيات منه، وتسبيح الله، وحمده والثناء عليه ودعاؤه في أثنائها.
فقد ورد أنّ كلّ ما تذكره في الصلاة من الدعاء والتسبيح والثناء والذكر والقرآن يعدّ من الصلاة ولا يوجب بطلان الصلاة.
وغير هذه الثلاثة لا يجوز الاتيان به في الصلاة، ككلام الآدميين، بل حتى دعاء غير الله سبحانه، كقولنا (يا محمد يا رسول الله إنّي أتوجه إلى الله بك وآل بيتك) وإن كان من أنجح المقاصد خارج الصلاة.
* والسؤال هنا هل الشهادة الثالثة في الصلاة داخلة في واحد من الموارد الثلاثة، فيصح الاتيان بها، أم هي من كلام الآدميين فتبطل الصلاة معها؟
نأتي على المورد الأوّل، هل يوجد نصّ خاصّ بها؟
نقول في الجواب: إنّنا لم نعثر على نصّ خاصّ صحيح يقول مثلاً:(اذكروا الشهادة للإمام عليّ في التشهّد.
* وسؤال المورد الثاني: هل هناك رواية صحيحة بعموم شامل للصلاة؟
ونقول في الجواب: إنّنا لم نعثر على نصّ خاصّ صحيح، فما في الفقه الرضوي: « فإذا تشهّدت في الثانية فقل : بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلّها لله ان لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأشهد انّ محمّداً عبده ورسوله أرسله بالحقّ بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ـ ولا تزيد على ذلك ، إلى أن قال : ـ فإذا صلّيت الركعة الرابعة فقل في تشهّدك : بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلّها لله أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد انّ محمّداً عبده ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة التحيّات لله والصلوات الطيّبات الزاكيات الغاديات الرائحات التامات الناعمات المباركات الصالحات لله ما طاب وزكى وطهر ونمى وخلص وما خبث فليغير الله أشهد أنّك نعم الربّ وانّ محمّداً نعم الرسول وانّ علي بن أبي طالب نعم الولي ... المزید » [ مستدرك الوسائل ج 5 / 6 ، طبعة آل البيت ]. ضعيف، ولا يمكن الاعتماد عليه.
وقد أورد قريباً منه صاحب كتاب جامع أحاديث الشيعة: ج5، ص331، ح8 عن كتاب مصباح المتهجد للشيخ الطوسي، ص49
* وسؤال المورد الثالث: هل الشهادة بالولاية لأمير المؤمنين عليه السلام في تشهد الصلاة داخلة في الدعاء أو القرآن أوالذكر المطلق؟
وجوابه: إنّ الشهادة الثالثة ليست قرآناً، ولا هي دعاء، ولا تسبيح، وإنّما هي شهادة وإقرار من الإنسان بأعظم حقيقة من حقائق الإسلام ، وهي إمامة عليّ سلام الله عليه وولايته وإمرته.
ولكن ألا تكون من الذكر؟
الجواب: يُحتمل ذلك، سيما وقد ورد في بعض المرويات عن الأئمّة عليهم السلام : « ذكرنا ذكر الله » ، وما ورد : « ذكر علي عبادة»، ونحوها من النصوص، ولكنّ هذا الاحتمال لا يسوّغ لنا أن نقطع بجواز ذكرها في التشهّد، وفي قبال ذلك لا يمكن أن يقطع أحد مع هذا الاحتمال بالقول إنّها تبطل الصلاة، وبجمع هذا الاحتمال مع ورود عدة روايات في المورد الثاني يكون الاحتياط هو الطريق السليم.
والنتيجة: أنّ الشهادة لعلي امتداد الشهادتين لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وهي أعظم فريضة فرضها الله على عباده، ولا يمكن الجزم بأنّها من كلام الآدميين المبطل للصلاة، ولكن لا نصّ يسوّغ ذكرها إلاّ نصوص ضعيفة لا تصلح مستنداً لذلك.
فالأحوط وجوباً عدم الاتيان بها في تشهد الصلاة حتّى إذا لم يكن بقصد الجزئيّة، ولا ننسَ أنّ أمير المؤمنين مذكور في التشهد في قولنا بعد الشهادة للنبي(اللهمّ صلّ على محمد وآل محمد) فهو سيد الآل، ومن لم يذكره عمداً بطلت صلاته.
.ولأنّ الأذان يسوغ ذكر الأمور الحقّة أثناءه، وإن لم تكن من الموارد الثلاثة اختلفت مسألتنا عنه.
وقد أوردوا في خصوصه ما يدلّ على جوازه فيه، روى صاحب كتاب « السلافة في أمر الخلافة » عبدالله المراغي : أنّ سلمان رضي الله عنه قال في أذانه : « أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين » ، فشكاه الصحابة إلى النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله ، فقال : « سمعتم خيراً ».
فالأذان وإن كان توقيفيّاً، لكنّه يجوز الإتيان بالشهادة الثالثة فيه لا بوصفها جزءاً من الأذان وفصلاً من فصوله، بل بقصد الشهادة بحقيقة من حقائق الإسلام ؛ إذ ليس من مبطلات الأذان التكلّم بكلام الآدمي أثناءه.
ملحوظة: هذه المسألة من المسائل الفقهية والبحوث الاستدلالية فهي من الامور الاختصاصية بالمجتهد وهو الذي يجمع الأدلة ويحاكم بينها ويخرج بنتيجة والمقلد يرجع إلى مرجعه فيما انتهى اليه في هذه المسالة.