سورة ابراهيم
السلام عليكم ماهوه تفسير سورة ابراهيم الاية ٣٤ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته قوله تعالى:{ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} السؤال هو الطلب ويفارقه أن السؤال إنما يكون ممن يعقل والطلب أعم وإنما تنبه الإنسان للسؤال من جهة الحاجة الداعية إليه فأظهر له أن يرفع ما حلت به من حاجة وكانت الوسيلة العادية إليه هي اللفظ فتوسل به إليه وربما توسل إليه بإشارة أوكتابة وسمي سؤالا حقيقة من غير تجوز. وإذ كان الله سبحانه هو الذي يرفع حاجة كل محتاج ممن سواه لا يتعلق شيء بذاته فيما يحتاج إليه في وجوده وبقائه إلا بذيل جوده وكرمه سواء أقر به أوأنكره وهو تعالى أعلم بهم وبحاجاتهم ظاهرة وباطنة من أنفسهم كان كل من سواه عاكفا على باب جوده سائلا يسأله رفع ما حلت به من حاجة سواء أعطاه أومنعه وسواء أجابه في جميع ما سأل أوبعضه. هذا هو حق السؤال وحقيقته يختص به تعالى لا يتعداه إلى غيره، ومن السؤال ما هو لفظي وربما يسأل به الله سبحانه وربما يسأل به غيره فهو تعالى مسئول يسأله كل شيء بحقيقة السؤال ويسأله بعض الناس من المؤمنين به بالسؤال اللفظي. هذا بالنسبة إلى السؤال وأما بالنسبة إلى الإيتاء وهو الإعطاء فقد أطلق من غير أن يقيد باستثناء ونحوه فيدل على أنه ما من سؤال إلا وعنده إعطاء وهذه قرينة أن الخطاب للنوع كما يؤيده أيضا قوله ذيلا {إن الإنسان لظلوم كفار}. والمعنى أن النوع الإنساني لم يحتج بنوعيته إلى نعمة من النعم إلا رفع الله حاجته إما كلا أوبعضا وإن كان الفرد منه ربما احتاج وسأل ولم يقض حاجته. وهذا المعنى هو الذي يؤيده قوله تعالى:{ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ }: البقرة: 186 فقد مر في تفسير الآية أنه تعالى لا يرد دعاء من دعاه إلا أن لا يكون دعاء حقيقة أويكون دعاء إلا أنه ليس دعاءه بل دعاء غيره والفرد من الإنسان ربما لم يواطىء لسانه قلبه أولغا في دعائه لكن النوع بنوعيته لا يعرف هذرا ولا نفاقا ولا يعرف ربا غيره سبحانه فكلما مسته حاجة فإنه يسأله حقيقة ولا يسأله إلا من ربه فجميع أدعيته مستجابة وسؤالاته مؤتاة وحاجاته مقضية. وقد ظهر مما تقدم أن{من} في قوله:{من كل ما سألتموه} ابتدائية تفيد أن الذي يؤتيه الله مأخوذ مما سألوه سواء كان جميع ما سألوه كما في بعض الموارد أوبعضه كما في بعضها الآخر، ولوكانت من تبعيضية لأفادت أنه تعالى يؤتي في كل سؤال بعض المسئول والواقع خلافه كما أنه لوقيل: وآتاكم كل ما سألتموه أفاد إيتاء الجميع وليس كذلك ولوقيل: مما سألتموه أفاد أن من الجائز أن لا يستجاب بعض الأدعية ويرد بعض الأسئلة من أصله والآية - وهي في مقام الامتنان - تأبى ذلك. فبالجملة معنى الآية أن الله تعالى أعطى النوع الإنساني ما سأله فما من حاجة من حوائجه إلا رفع كلها أوبعضها حسب ما تقتضيه حكمته البالغة. وربما قيل: إن تقدير الكلام: وآتاكم من كل ما سألتموه وما لم تسألوه وهو مبني على كون المراد بالسؤال هو السؤال اللفظي وقد تقدم خلافه، وسياق الآية لا يساعد عليه. وقوله:{ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا } قال الراغب: الإحصاء: التحصيل بالعدد يقال: أحصيت كذا وذلك من لفظ الحصى واستعمال ذلك فيه من حيث إنهم كانوا يعتمدونه بالعد كاعتمادنا فيه على الأصابع.انتهى. وفي الجملة إشارة إلى خروج النعم عن طوق الإحصاء ولازمه كون حوائج الإنسان التي رفعها الله بنعمه غير مقدور للإنسان إحصاؤها. وكيف يمكن إحصاء نعمه تعالى وعالم الوجود بجميع أجزائه وما يلحق بها من الأوصاف والأحوال مرتبطة منتظمة نافع بعضها في بعض متوقف بعضها على بعض، فالجميع نعمه بالنسبة إلى الجميع وهذا أمر لا يحيط به إحصاء. ولعل ذلك هو السر في إفراد النعمة في قوله:{نعمة الله} فإن الحق أن ليس هناك إلا النعمة فلا حاجة إلى تفخيمها بالجمع ليدل على الكثرة، والمراد بالنعمة جنس المنعم فيفيد ما يفيده الجمع. وقوله:{ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} أي كثير الكفران يظلم نفسه فلا يشكر نعمة الله ويكفر بها فيؤديه ذلك إلى البوار والخسران، أوكثير الظلم لنعم الله لا يشكرها ويكفر بها، والجملة استئناف بياني يؤكد بها ما يستفاد من البيان السابق، فإن الواقف على ما مر بيانه من حال نعمه تعالى وما آتى الإنسان من كل ما سأله منها لا يرتاب في أن الإنسان وهو غافل عنها طبعا ظالم لنفسه كافر بنعمة ربه. تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج12،ص47-50.