السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
من المعلوم لدينا نحن الامامية ان علم الله تعالى قبل الخلق هو هو نفس علمه بعد الخلق، فلم يزداد علما بخلقه للخلق.
ولكن كيف لنا أن نجيب على الشبهة التي تقول: لو كان علم الله بالخليقة قبل الخلق علما تفصيليا، لكان علم الله متمايزا لانه تفصيلي، وبما ان علم الله هو ذات الله، اذا الله سبحانه مركب، حيث أن العلم التفصيلي متمايز، فلا يكون بذلك واجب الوجود بسيطا الا اذا قلنا بان علم الله بالخليقة قبل الخلق علما اجماليا.
مع الشكر
نسالكم الدعاء
اللهم صل على محمد وآل محمد
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اهلا بكم في تطبيقكم المجيب
قضية علم الله تعالى بخلقه قبل الخلق اختلفت فيه اراء العلماء فمنهم من قال بعلمه تعالى علما تفصيليا ومنهم من ذهب ان علمه تعالى بخلقه قبل الخلق علما اجماليا وهناك من مزج بينهما وقال انه علم اجمالي في عين الكشف التفصيلي فتجاذبت المسالة المدارس الفكرية بين نظرية المشاء والاشراق والعرفاء وكل فريق يقيم الادلة والبراهين على ما سلكه وتبناه.
وهناك من احال المعرفة بكيفية علمه تعالى إذ الانسان وجود محدود وممكن ومهما علا ((يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ))(سورة البقرة، آية 255) فمهما بالغ في المعرفة فليست له القدرة على معرفة كيفية علم الله تعالى فهو الواجب غير المحدود.
نعم اقصى ما نعلمه ان الله تعالى هو فاعل مختار ولابد ان يكون فعله مسبوقا بالعلم والا كيف يختار خلقا بكل مافي من العظمة من دون ان يكون عالما به قبل خلقه وايجاده فالباري تعالى عالم بخلقه قبل الخلق قطعا اما كيفية هذا العلم فهو خارج عن طاقة البشر
فالقضية محل تجاذب العلماء بين مصور له وبين عاجز عن تصوير علمه تعالى قبل خلق الخلق.
والاشكال الذي ذكره جنابكم الكريم هو احد الاشكالات التي تثار حول العلم التفصيلي وان القول بأنه يعلم تفصيلا قبل الخلق يلزم ان يكون علمه متغيرا وعلمه عين ذاته فننتهي إلى تغير الذات ومن هنا ذهب البعض إلى انكار علم الله بالجزئيات وقال ان الله يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات ومن هنا ذكر الشيخ المجلسي مستنكرا على بعض الحكماء ان الله تعالى عالم بالكليات والجزئيات.
واجاب بعض الاعلام عن هذا الاشكال ان الجواب يعتمد على التفريق بين التغير بالعلم وبين العلم بالتغير
والاشكال ياتي على الاول دون الثاني فانا مثلا علمت ان زيدا قد مات ولكن بعد فترة تبين انه حي فعلمي السابق تبدل وتغير من العلم بالموت إلى العلم بالحياة وهذا هو التغير بالعلم
الا ان الله تعالى علمه ليس كعلمي وانما علمه بكل التفاصيل حال كونها متغيرة فهو يعلم علما واحدا متعلقه جميع المتغيرات فعلم الله تعالى بزيد وانه يوجد في زمن كذا ويمتد عمره بكل تفاصيل ومتغيرات حياته التي اختارها زيد لنفسه إلى منهى اجله وموعد موته فالمتغير هنا ليس العلم الالهي انما المتغير هو متعلق العلم او قل التفاصيل المتغيرة والعلم الالهي باق على حاله لا يتغير، فالجواب يكمن في الفارق بين تغير العلم والعلم بالتغير يقول السيد الطباطبائي في نهاية الحكمة : ((العلم بالتغير غير تغير العلم، والتغير ثابت في تغيره لا متغير، وتعلق العلم بالمتغير أي حضوره عند العالم إنما هو من حيث ثباته لا تغیره » (نهاية الحكمة، ص٢٤٦).
فالمسالة فيها نظريات عديدة واشكالات لا تنتهي والمهم في المسالة انه تعالى عالم وعلمه عام شامل للجميع المخلوقات قبل خلقها وبعد خلقها اما كيفية هذا العلم فهو امر خارج عن طاقة البشر على قول ، وقول اخر بامكان تصويره اما بنحو التعلق الاجمالي او التفصيلي وهذا المقدار لا يترتب عليه اثر عملي في دائرة الاعتقاد اكثر مما اثبتناه في اصل علمه وعمومه.
وان احب جنابكم التوسع فبامكانكم مطالعة الكتب المطولة في هذه المسالة كما في كتاب صراط الحق للشيخ اصف محسني واوسع منه الاسفار لملا صدرا.
تحياتي لكم
ودمتم بحفظ الله ورعايته