logo-img
السیاسات و الشروط
( 28 سنة ) - العراق
منذ 3 سنوات

تفسير اية من القرآن الكريم

ما تفسير قول الله عز وجل وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وهمت به وهما بها لولا أن راء برهان ربه


قال الراغب في المفردات الرود هو التردد في طلب الشئ برفق ومنه الرائد لطالب الكلاء قال والإرادة منقولة من راد يرود إذا سعى في طلب شئ قال: والمراودة ان تنازع غيرك في الإرادة فتريد غير ما يريد أو ترود غير ما يرود وراودت فلانا عن كذا قال تعالى: " هي راودتني عن نفسي " وقال: " تراود فتاها عن نفسه " أي تصرفه عن رأيه وعلى ذلك قوله: " ولقد راودته عن نفسه " " سنراود عنه أباه " انتهى. وفي المجمع المراودة المطالبة بأمر بالرفق واللين ليعمل به ومنه المرود لأنه يعمل به ولا يقال في المطالبة بدين راوده واصله من راد يرود إذا طلب المرعى وفى المثل الرائد لا يكذب أهله والتغليق اطباق الباب بما يعسر فتحه وانما شدد ذلك لتكثير الاغلاق أو للمبالغة في الايثاق انتهى. وهيت لك اسم فعل بمعنى هلم ومعاذ الله أي أعوذ بالله معاذا فهو مفعول مطلق قائم مقام فعله. والآية الكريمة: " وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله انه ربى أحسن مثواي انه لا يفلح الظالمون " على ما فيها من الايجاز تنبئ عن اجمال قصة المراودة غير أن التدبر في القيود المأخوذة فيها والسياق الذي هي واقعة فيه وسائر ما يلوح من أطراف قصته الموردة في السورة يجلى عن حقيقة الحال ويكشف القناع عن تفصيل ما خبئ من الامر. يوسف هو ذا طفل صغير حولته أيدي المقادير إلى بيت العزيز عليه سيما العبيد ولعله لم يسأل الا عن اسمه ولم يتكلم الا ان قال اسمى يوسف أو قيل عنه ذلك ولم يلح من لهجته الا انه كان قد نشأ بين العبريين ولم يسأل عن بيته ونسبه فليس للعبيد بيوت ولم يكن من المعهود ان يحفظ للأرقاء انساب وهو ساكت مختوم على لسانه لا يتكلم بشئ وكم من حديث بين جوانحه فلم يعرف نسبه الا بعد سنين من ذلك حينما قال لصاحبيه في السجن " واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب " ولا كشف عما في سره من توحيد العبودية لله بين أولئك الوثنيين الا ما ذكره لامرأة العزيز حين راودته عن نفسه بقوله " معاذ الله انه ربى " الخ. هو اليوم حليف الصمت والسكوت لكن قلبه ملئ بما يشاهده من لطيف صنع الله به فهو على ذكر مما بثه إليه أبوه يعقوب النبي من حقيقة التوحيد ومعنى العبودية ثم ما بشر به من الرؤيا ان الله سيخلصه لنفسه ويلحقه بآبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب وليس ينسى ما فعله به اخوته ثم ما وعده به ربه في غيابة الجب حين ما انقطع عن كافة الأسباب: انه تحت الولاية الإلهية والتربية الربوبية معني بأمره وسينبؤ اخوته بأمرهم هذا وهم لا يشعرون. فكان (ع) مملوء الحس مستغرق النفس في مشاهدة الطاف ربه الخفية يرى نفسه تحت ولاية الله محبورا بصنائعه الجميلة لا يرد الا على خير ولا يواجه الا جميلا. وهذا هو الذي هون عليه ما نزل به من النوائب وتواتر عليه من المحن والبلايا فصبر عليها على ما بها من المرارة فلم يشك ولم يجزع ولم يضل الطريق وقد ذكر ذلك لاخوته حين عرفهم نفسه بقوله: " انه من يتق ويصبر فأن الله لا يضيع أجر المحسنين " الآية 90 من السورة فلم يزل يوسف (ع) تنجذب نفسه إلى جميل صنائع ربه ويمعن قلبه في لطيف الإشارات إليه ويزداد كل يوم حبا بما يجده من شواهد الولاية ويشاهد أن ربه هو القائم على كل نفس بما كسبت وهو على كل شئ شهيد حتى تمكنت المحبة الإلهية منه واستقر الوله والهيمان في سره فكان همه في ربه لا يشغله عنه شاغل ولا يصرفه عنه صارف ولا طرفة عين وهذا بمكان من الوضوح لمن تدبر فيما تحكي عنه السورة من المحاورات كقوله: " معاذ الله انه ربي " وقوله: " ما كان لنا ان نشرك بالله من شئ " وقوله: " إن الحكم الا لله " وقوله: " أنت وليي في الدنيا والآخرة وغير ذلك كما سنبين إن شاء الله تعالى. فهذا ما عند يوسف (ع) فقد كان شبحا ما وراءه الا محبة الهية أنسته نفسه وشغلته عن كل شئ وصورة معناها انها خالصة أخلصها الله لنفسه لم يشاركه فيه أحد. ولم يظهر للعزيز منه أول يوم إذ حل في بيته الا انه غلام صغير عبرى مملوك له غير أن قوله: " لامرأته أكرمي مثواه عسى ان ينفعنا أو نتخذه ولدا " يكشف انه شاهد منه وقارا وتمكينا وتفرس فيه عظمة وكبرياء نفسانية أطمعته في أن ينتفع به أو يلحقه بنفسه بالتبني على ما في يوسف من عجيب الجمال والحسن.