السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
دلالة الحديث
أهم ما ينبغي معرفته في الحديث هو المراد بكلمة (مولاه) ، فإنها إذا اتضح معناها صار معنى هذا الحديث واضحاً جليًّا ، لأن باقي ألفاظ الحديث واضحة لا نزاع فيها .
والمولى كلمة لها معان كثيرة في لغة العرب ، منها : الرَّب ، والمالك ، والسيِّد ، والعبد ، والمُنعم ، والمنعَم عليه ، والمُعتِق ، والمُعتَق ، والناصر ، والمُحِب ، والتابع ، والجار ، وابن العم ، والحليف ، والعقيد ، والصِّهْر ، والولي الذي يلي عليك أمرك 1 .
قال ابن الأثير بعد تعداد المعاني المذكورة : وأكثرها قد جاء في الحديث ، فيضاف كل واحد إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه ، وكل مَن ولِيَ أمراً أو قام به فهو مولاه ووَلِيّه .
قال : وقول عمر لعلي : (أصبحتَ مولى كل مؤمن) أي ولِيّ كل مؤمن .
والمراد بالمولى في الحديث هو الولي ، وهو القائم بالأمر الأولى بالتصرف ، كقولهم : ولي الطفل ، وولي المرأة وولي الدم ، فلا يراد بالولي إلا الأولى بالتصرف ؛ لأن هذا هو المعنى المتبادر عند إطلاق الولي ، ولما ورد في كثير من طرق الحديث أن النبي قال : أيها الناس ، ألستُ أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه 3 .
ومع أن المولى له معان متعددة ويعرف المراد من اللفظ بالقرينة ، إلا أن قوله : (ألست أولى بكم من أنفسكم) ، يدل بوضوح على أن المراد بالمولى في الحديث هو الأولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ولا يمكن التشكيك في أن هذا هو المعنى المراد في الحديث بعد وجود هذه القرينة الواضحة جداً .
وقد جاء وَصْف أمير المؤمنين بالولي في أحاديث أخر ، منها : ما أخرجه الترمذي في سننه ، والحاكم في المستدرك ، والألباني في سلسلته الصحيحة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما تريدون من علي ؟ إن عليًّا مني وأنا منه ، وهو وليُّ كل مؤمن بعدي 4 .
قال ابن الأثير في النهاية ، وابن منظور في لسان العرب ، والجوهري في الصحاح : كل من ولِيَ أمرَ واحدٍ فهو وَلِيّه .
ومنه يتضح أن معنى (ولِيُّ كل مؤمن بعدي) هو المتولِّي لأمور المؤمنين من بعدي ، وهو تعبير آخر عن الخليفة من بعدي ؛ لأن الخلفاء هم ولاة أمور المسلمين .
والمعاني الأخَر إما أنها لا تصح في حق أمير المؤمنين ، كالرَّب والمالك والسيد والعبد والمُعتِق والجار وابن العم والصِّهْر وغيرها ، وأما أنها غير مرادة في الحديث ، كالمحب والناصر والمنعِم عليه ؛ لأن قوله : (بعدي) دليل على أن المراد بلفظ (الولي) غير ذلك ، لأن هذه الأمور ـ وهي المحبة والنصرة والإنعام ـ كانت ثابتة لعلي حتى في زمان النبي ،فذِكر البعدية حينئذ لغو ، فلا يصح أن يقال : علي مُحِبُّكم أو ناصركم أو منعِم عليكم من بعدي ؛ لأنه عليه السلام كان كذلك في حياة رسول الله .
ولو نظرنا إلى استعمال لفظ الولي في أحاديث أخر ، لوجدنا أنه يراد به ولي الأمر من بعد النبي ، فقد أخرج البخاري 3 / 1127 ومسلم 3 / 1378 في صحيحيهما بسندهما عن مالك بن أوس بن الحدثان أن عمر قال : ثم توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر : أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقبضها أبو بكر ، فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله يعلم إنه فيها لصادق بار راشد تابع للحق ، ثم توفى الله أبا بكر ، فكنت أنا ولي أبي بكر ، فقبضتها سنتين من إمارتي ، أعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عمل فيها أبو بكر . . . الحديث .
فقوله : (أنا ولي رسول الله) ، أي المتولي للأمر من بعده ، أي خليفته .
فإذا اتضح ذلك نجد أن بعض الأحاديث الصحيحة التي رواها أهل السنة في كتبهم تدل على أن ولي رسول الله هو أمير المؤمنين ، لا أبو بكر ولا عمر ، فقد أخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك حديثاً طويلاً ، جاء فيه : فقال ابن عباس : وقال النبي لبني عمه : أيكم يواليني في الدنيا والآخرة ؟ فأبوا ، فقال لعلي : أنت وليي في الدنيا والآخرة . . . الحديث .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح والإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي 5 .
وفي حديث آخر : فقال علي : أنا أتولاك في الدنيا والآخرة . فقال : أنت وليي في الدنيا والآخرة .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح والإسناد ولم يخرجاه ، ولم يذكره الذهبي في تلخيصه 6 .
وفي حديث آخر أن النبي قال : يا أيها الناس ، إني وليكم . قالوا : صدقت يا رسول الله . ثم أخذ بيد علي فرفعها ، وقال : هذا وليي ، والمؤدي عني ، وإن الله موالٍ لمن والاه ، ومعادٍ من عاداه 7 .
وفي قبال هذا الحديث لم نجد بعد التتبع حديثاً واحداً وردت فيه إشارة من رسول الله من قريب أو بعيد إلى أن أبا بكر وليه ، أو مولاه ، أو ما شاكل ذلك .
والنتيجة أن حديث الموالاة يدل بوضوح على خلافة أمير المؤمنين من بعد رسول الله بلا فصل ، ولا سيما أن مقام الولاية أعظم من مقام الخلافة ، فإنه إذا ثبتت لأمير المؤمنين هذه الولاية العظمى الثابتة لرسول الله ، وهي الولاية المقدمة على ولاية الإنسان على نفسه ، ثبتت له الخلافة بالأولوية القطعية ، فإن أهل السنة وغيرهم لا يدعون لخلفائهم ـ بدءاً من أبي بكر وانتهاءً بآخر خلفائهم ـ مثل هذه الولاية ، والحمد لله رب العالمين.