ام محمد باقر ( 34 سنة ) - العراق
منذ سنتين

تقوية الإيمان بالله تعالى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كيف يمكنني تقوية إيماني وعقيدتي بالله سبحانه وأهل البيت "عليهم السلام"؟


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته إنّ تعزيز الإيمان وتقويته يكون بطريقين: الأول: العلم والمعرفة. الآخر: العمل الصالح. ودرجات الإيمان مرهونة بهذين الطريقين، فمَن زاد علمه وزاد عمله الصالح زاد بالتأكيد إيمانه، ولا بدّ من الجدّية والسعي الحقيقي فيهما. تعزيز العلم والمعرفة: على الإنسان الذي يريد أن يرتقي بإيمانه أن يعمل على توطيد معرفته وعلمه أكثر فأكثر بالله سبحانه وتعالى وصفاته وأفعاله؛ كي يزداد إيمانًا، كما أنّ تعميق المعرفة والارتباط بالنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة الأطهار (عليهم السلام) مؤثّرٌ في ازدياد الإيمان أيضاً، كلّما تحوّلت معرفته الإجماليّة بهذه الأصول الدينيّة إلى معرفة تفصيليّة بالمقدار الممكن زادت درجة إيمانه شيئاً فشيئاً من خلال القيام بأعمال عدّة، ولكن ثمّة عملان ربّما يكونان الأهمَّ من بين سائر الأعمال، وهما: 1- البحث عن الأدلّة الواضحة: ينبغي أن نسعى لأن نعثر على أدلّة وبراهين أكثر وضوحًا وإتقانًا على الأمور التي نؤمن بها لنتعلّمها، عملًا بوصيّة الإمام أَبي جَعْفَرٍ (عليه السلام): "يَا أَبَا حَمْزَةَ، يَخْرُجُ أَحَدُكُمْ فَرَاسِخَ فَيَطْلُبُ لِنَفْسِهِ دَلِيلًا، وَأَنْتَ بِطُرُقِ السَّمَاءِ أَجْهَلُ مِنْكَ بِطُرُقِ الْأَرْضِ، فَاطْلُبْ لِنَفْسِكَ‏ دَلِيلًا".(المازندراني،شرح أصول الكافي:ج٥،ص١٤٧). إنّ اكتساب العلم، وإيجاد الأدلّة على متعلّقات الإيمان، أي: العلم بالله والعلم بالقيامة والعلم بالحَسَن والقبيح، هي من آليّات تكامل الإيمان وسبل تعزيزه. ومن هنا، فإنّ طلب العلم يحظى بأهمّيّة فائقة، وقد خُصَّ العلم والعالِم وطالب العلم بمكانة وأهمّيّة متميّزة في المعارف الإسلاميّة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "العلم رأس الخير كلّه، والجهل رأس الشرّ كلّه". (الريشهري،ميزان الحكمة:ج٣،ص٢٠٦٤) وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضًا قال: "طالب العلم تَبسط له الملائكةُ أجنحَتها رضًى بما يطلب".(الريشهري،ميزان الحكمة:ج٣،ص٢٠٧٣). 2- المحافظة على العلم المكتسب: يجب أن نولي المزيد من التوجّه للموارد التي عرفناها، ونحيطَها بالعناية الدائمة كي لا ننساها، فإنّ الكثيرين يغفلون عن هذا الأمر، فنحن نتصوّر أنّنا عندما نعالج قضيّة، ويتّضح الجواب عنها أمامنا، فقد انتهى الأمر، ولم تعد أمامنا أيّ مشكلة ومسؤوليّة، في حين أنّ الأمر ليس كذلك؛ إذ ينبغي الحفاظ على هذه النتائج العلميّة المكتسبة والمحصَّلة. ومن أسرار التأكيد على تكرار الألفاظ والمفاهيم في العبادات الشرعيّة هو أنْ تكون هذه العلوم والمعارف عرضة لاهتمامنا الفكريّ دائمًا، ففيما يخصّ ذكر (الله أكبر)، مثلًا، ثمّة افتراضان: بأن نتوجّه مرّة واحدة في حياتنا إلى هذا الأمر ونثبت بالدليل والبرهان أنّ الله أكبر من كلّ شيء، أو أنّ الله أعلى وأعظم من أن يوصف، وأن تكون حقيقة صفاته ممكنة الإدراك، وفي هذه الحالة لن يكون للتكبير تأثير يُذكَر على روحنا وشخصيّتنا وسلوكنا. والافتراض الآخر هو أن نكرّر هذا الذكر عدّة مرّات بوعي وتوجّه، بل وحتّى في كلّ صلاة وكلّ يوم، وسيكون حينها لذكر (الله أكبر) تأثيرات ملموسة جدّاً في حياتنا. ومن هنا، وبما أنّ الله سبحانه وتعالى يريد تكامل الإنسان، فقد اختار الافتراض الثاني، فنحن نقول في بداية كلّ صلاة (الله أكبر)، ومن المستحبّ تكرارها عند الهويّ للركوع، وكذلك بعد رفع الرأس من السجود، وفي التسبيحات الأربعة. والخلاصة: إنّ هذا الذكر يتكرّر في عدّة موارد من الصلاة الواحدة. تعزيز العمل الصالح العامل الثاني لتقوية الإيمان هو تعزيز العمل الصالح، فمن خلاله يترسّخ الإيمان ويتجذّر في النفس لينمو ويقوى، ومعه يصبح الإنسان مؤهَّلًا للدخول إلى الجنَّة. فعن الإمام الصادق (عليه السلام): "الإيمان لا يكون إلّا بعمل، والعمل منه، ولا يثبت الإيمان إلّا بالعمل". (المجلسي،بحار الأنوار:ج٦٦،ص٢٣)، ويمكننا تعزيز العمل الصالح من خلال تقوية الإرادة الإنسانيّة التي لا تُكتسب بالعلم والمعرفة فقط، بل تحتاج إلى التمرين والممارسة، ومن هنا جاءت الرياضة الشرعيّة، أي: إنّ الإنسان يقوم بمجموعة من التمارين لتوطيد الأبعاد المعنويّة لديه. ومِن فلسفة بعض الواجبات الشرعيّة وآثارها المهمّة تقويةُ الإرادة، كالصلاة الواجبة وصيام شهر رمضان، كما أنَّ سائر العبادات والواجبات الدينيّة وأعمال الخير إجمالًا تُعدُّ تمارينَ لتقوية إرادة السير نحو الكمال والقرب إلى الله. إنّ إرادة التقرّب إلى الله في الحقيقة هي نوع من الحركة الذاتيّة، وهي أمر اختياريّ من شأنها تقدّم روح الإنسان نحو مقصدها، وفي تقوية إرادة القرب من الله واستمرارها يحصل تغيّر تدريجيٌّ في داخل الإنسان، ويتوجّه قلبه نحو الله، قال تعالى: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفً﴾.(الأنعام:آية٧٩). وهذا التوجّه يعني عزم الإنسان على إحداث تغييرٍ في داخله، وتلك هي الحركة التكامليّة للروح، وكلّما تجلّت هذه الإرادة في صورة وهيئة أعمال متعدّدة، ستتّخذ تلك الحركة مدًى وسِعةً وسرعةً أكثر. من هنا، إنّ أوّل عمل ينبغي على الإنسان القيام به خلال مسيرة حياته؛ ولغرض سلوك طريق القرب الإلهيّ، هو أن يحدّد اتّجاه حركته، والطريق بطبيعة الحال لها اتّجاهان ليس أكثر: أحدهما الله، والآخر الشيطان، الجنّة أو النار، النور أو الظلام، وبمقدور الإنسان أن يتحرّك نحو الله، قال تعالى: ﴿ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا﴾.(المزمل:آية١٩). وبعد تحديد الاتّجاه الصحيح، تبدأ مسيرة القرب من الله (عزّ وجلّ)، وتبدأ التحدّيات، فلكي نجعل القلب يسلِّم للحقيقة، يتعيّن علينا إضعاف الرغبات والأهواء التي تخلق التزاحم في قلوبنا، ونعمل بشكل عامّ على إضعاف الحالات التي لا تنسجم مع الاعتقاد والقرب من الله. من هنا، ولغرض تقوية العنصر الثاني، يتعيّن علينا السعي لكبح جماح النفس وضبطها وإضعاف منفِّرات الإيمان بالله، وهو ليس بالأمر السهل، بل يحتاج إلى توفير مقدّمات، ولإنجاز هذه المهمّة، لا بدّ من مباشرة الأعمال البسيطة والتقدّم تدريجيًّا، فإذا أرهق الإنسان النفس منذ البداية بالأعمال والممارسات الثقيلة، فإنّه حتّى لو نجح لأيّام عدّة، لكنّه لن يستطيع الاستمرار، وستطغى النفس وتجمح أكثر فأكثر، فيجب أن نقمع ونضعِّف الأهواء الحيوانيّة والشيطانيّة في نفوسنا تدريجيًّا؛ لأنّها تُضِلُّ الإنسان عن اتّباع سبيل الله، كما ورد في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾.(ص:آية٢٦). وطبقًا لبرنامج منظَّم ومدروس، نجعل النفس تشتاق للأُنس بالله والذكر والقرآن والمناجاة، ولا بدَّ للمؤمن دوماً من طلب العون من الله تعالى للوصول إلى العمل الصالح والدخول في زمرة الصالحين، كما ذكر أبو عبد الله (عليه السلام) في دعائه: "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيَّ لِقَاءَكَ، وَاجْعَلْ لِي فِي لِقَائِكَ خَيْرَ الرَّحْمَةِ وَالْبَرَكَةِ، وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ، وَلَا تُؤَخِّرْنِي مَعَ الْأَشْرَارِ، وَأَلْحِقْنِي بِصَالِحِ مَنْ مَضى‏، وَاجْعَلْنِي مَعَ صَالِحِ مَنْ بَقِيَ، وَخُذْ بِي سَبِيلَ الصَّالِحِينَ، وَأَعِنِّي‏ عَلى‏ نَفْسِي‏ بِمَا تُعِينُ بِهِ الصَّالِحِينَ عَلى‏ أنفسهم".(هادي النجفي،موسوعة أحاديث أهل البيت:ج٥،ص١٩٤). ونضيف لكم شيئاً بسيطاً إنّ النفس تمرّ في بعض الحالات بكدرة تجعل فيها شيء من النفرة عن بعض الأمور التي يعيشها، بل حتى في بعض الحالات يشعر بضعف في عبادته وطاعته وقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "إِنَّ لِلْقُلُوبِ إِقْبَالًا وَ إِدْبَاراً فَإِذَا أَقْبَلَتْ فَاحْمِلُوهَا عَلَى النَّوَافِلِ وَ إِذَا أَدْبَرَتْ فَاقْتَصِرُوا بِهَا عَلَى الْفَرَائِضِ".(الريشهري،ميزان الحكمة:٣،ص٢٦٠٦)، فما يمرّ به جنابكم الكريم لعلّه قضية طبيعية تصيب بعض النفوس شيء من الكدرة والمطلوب هو أن تجدوا لها جواذب تسحبها إلى الطاعات ومن هذه الجواذب قراءة بعض الروايات الشريفة الواردة في نعيم الجنة منزلة المؤمنين في الدنيا والآخرة أو استماع بعض العبر لأشخاص تحبين أن تسمعي لهم من العلماء في الأخلاق والقضايا الأخلاقية أمثال الشيخ حبيب الكاظمية وغيرهم ممّن يثيرون النفوس نحو خالقها. وقراءة بعض الكتب التي تجذب النفس إلى التفاعل معها أمثال القصص المؤثرة في حياة أهل البيت (عليهم السلام) وفي حياة العلماء والصالحين من الصحابة والتابعين. وشيء أخير أريده منك تطبقينه بدقة لا تقولي أنا كذا وأنا كذا من الصفات السلبية، فمثل هذه العبارات تصنع في نفسك الكثير من المنفِّرات ويتعامل معها العقل معاملة الحقائق، فتؤثر عليكم سلباً وتأخذكم نحو الأسوأ، وعلاجها أن تقولوا دائماً: أنا بخير، أنا إيماني قوي، أنا أحبّ الصلاة، وأريد أن أرتقي، وكل ما هو إيجابي. وهذا الكلام له أصل في روايات أهل البيت (عليهم السلام) منها تفاءلوا بالخير تجدوه وقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "كل متوقع آتٍ".(الشريف الرضي،خطب نهج البلاغة:ج١،ص١٧٩). فعلينا أن ننطلق من هذه المقولة المباركة ويكون التفاؤل هو الأساس في حركتنا حتى نرتقي أكثر فأكثر. ودمتم بحفظ الله ورعايته

8