الإنسان بين الاختيار والجبر
ماهي الأدلة العقلية والعلمية على أن الإنسان مخير أو مسير؟
ليس الإنسان مسيراً ولا مخيراً بل أمر بين أمرين، وهذا ما ذهب إليه الشيعة بتأسيس من أهل البيت (عليهم السلام) فإن فرقة من المسلمين ذهبت إلى أن الإنسان مخير، وله أن يعمل ما يريد وكيف يريد وليس لله عليه سلطان ولا قدرة، فإنه خلق الخلق وتركهم يديرون المعمورة بما يريدون، وهؤلاء هم المعتزلة. وفرقة من المسلمين قالوا إن الإنسان مسير وليس له أي قدرة على تغير ما يريد، فهو مجبر بكل معنى الكلمة، وكل الخير والشر الذي يصدر منه، فهو من الله تعالى وهم الجهمية. وفرقة ثالثة من المسلمين ذهبت أن الإنسان منه الكسب، والله هو من يخلق الأعمال على حسب إرادة الإنسان فالخالق والعامل والفاعل هو الله تعالى، ولكن على وفق ما يريد كسبه الإنسان وكل واحد من هذه الفرق لها دليلها من الروايات والآيات، ولكن بحسب ما يصلح لفكرته ومذهبه ورأيه. وأمّا أهل البيت (عليهم السلام) فإنهم لم يثبتوا الجبر بقول مطلق ولم يثبتوا الاختيار بقول مطلق، وإنما قالوا لا جبر ولا تفويض وإنما أمر بين أمرين، فلم يخرجوا الله تعالى عن سلطانه، ولم يسلبوا اختيار الإنسان وقد ناقش العلماء المقولات السابقة وأبطلوها بالأدلة القرآنية والرووائية والعقلية. وهذه من المسائل الدقيقة في العقيدة ولابد أن يفهمها الإنسان بشكل لا يسلب سلطان الله من جهة ولا يسلب اختيار الإنسان من جهة، وهذه الوسطية الدقيقة ذكرها أهل البيت (عليهم السلام)، فإن القوة والقدرة من الله تعالى، وهو الذي يمدّ العباد بالقوة، والاختيار بيد المكلف فإن بيده أن يستعمل هذه القوة في الطاعات أو في المعاصي، والله تعالى حذره من استخدام هذه القوة في المعصية وأن يصرفها في غير المحرمات. ولأجل اتضاحها نضرب مثالاً تقريبياً ذكره السيد الخوئي رحمه الله وحاصله: إذا كان الشخص مقطوع اليد وصنعت له يد كهربائية فإذا أعطاه الطبيب الكهرباء عمل اليد وهي تعمل بما يريده صاحبها فله أن يوجهها نحو عمل الخير وله أن يوجهها نحو عمل الشر، ولكن يبقى مصير اليد بيد الطبيب إن أراد أن يعطلها فالصاحب اليد لا يقدر أن يعمل شيئاً. فالله تعالى هو من يعطي القدرة للإنسان والقوة، والإنسان له أن يتصرف بهذه القدرة، وبهذه القوة في الطاعة أو في المعصية فمن جهة الإنسان لم يخرج عن سلطان الله تعالى، وأن أمره بيد الله تعالى، ومن جهة هو مختار في عمل شراً كان أو خيراً. وقد دلت الآيات والروايات على هذه أن للإنسان اختيار، كقوله تعالى {فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ}(الكهف:29). ومنها قوله تعالى في الآية 17 من سورة الانفال: {فَلَمْ تقْتُلُوهمْ وَلكنّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيتَ إِذْ رَمَيتَ وَلكنَّ اللّهَ رَمى}. فالآية تصف النبي الأَعظم (صلّى الله عليه واله) بالرمي وتنسبه إليه حقيقة وتقول: «إذ رميت»، لكنها تصف اللَّه سبحانه بأنّه الرامي الحقيقي، وما ذلك إلّا لأن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) إنّما قام بما قام به إنما هو بالقدرة التي منحها اللَّه له، وكان الله مفيضاً لها على النبي (صلّى الله عليه وآله) حين الفعل، فيكون فعله فعلاً للَّه أيضاً. وهناك مجموعة من الآيات تُعرّف الإِنسان بأنّه فاعل مختار في مجال أفعاله، وهي كثيرة منها: قوله سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أساءَ فَعَلَيْها وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبيدِ}(فصلت: 46) ومنها قوله سبحانه: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسانِ إِلَّا ما سَعى}(النجم: 39) وغير هذه الآيات تبين هذه الحقيقة أن الإنسان مختار وليس مجبرا، وأن الله تعالى هو القاهر فوق عباده فليس الإنسان خارجاً عن سلطان الله تعالى كما تصورته الجهمية. وقد دلت الروايات الشريفة على ذلك منها: سأل رجل الصادق (عليه السلام ) فقال "قُلْتُ أَجْبَرَ اَللَّهُ اَلْعِبَادَ عَلَى اَلْمَعَاصِي قَالَ لاَ قُلْتُ فَفَوَّضَ إِلَيْهِمُ اَلْأَمْرَ قَالَ قَالَ لاَ قَالَ قُلْتُ فَمَا ذَا قَالَ لُطْفٌ مِنْ رَبِّكَ بَيْنَ ذَلِكَ"(الکافي ج ١، ص ١٥٩). وفي رواية أخرى عنه : " أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: سُئِلَ عَنِ اَلْجَبْرِ وَ اَلْقَدَرِ فَقَالَ لاَ جَبْرَ وَ لاَ قَدَرَ وَ لَكِنْ مَنْزِلَةٌ بَيْنَهُمَا فِيهَا اَلْحَقُّ اَلَّتِي بَيْنَهُمَا لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ اَلْعَالِمُ أَوْ مَنْ عَلَّمَهَا إِيَّاهُ اَلْعَالِمُ"(الکافي ج ١، ص ١٥٩). وغير هذه الروايات التي تبين حال الإنسان في أعماله، فهي من جهة أعماله التي عملها واختارها، ومن جهة هو داخل تحت سلطان الله تعالى وأن كل قوة عنده هي من عند الله تعالى.