( 29 سنة ) - العراق
منذ سنتين

هل القران الكريم يعد من باب النثر ام لا

كما هو معروف ان القرآن الكريم كلام معجز ونزل بلسان عربي وكما هو معروف ان القران نزل على العرب انذاك اهل الفصاحة والبيان وقد عجزوا عن ان يأتوا بمثلة . وان اللغة العربية قسمين شعر ونثر السؤال هو هل ان القرآن الكريم نثر ام مستقل بذاته . واذا هو نثر ماذا يترتب على ذلك . وفقكم الله لكل خير


إنّ اللغة التي نزل بها القرآن الكريم هي اللغة العربية كونها تتصف بصفات خاصة لا تتوفر في سائر اللغات ، وهي أقدر من سواها على استيعاب لغة الوحي، ولعل من أبرز ما تتميز به في هذا الصدد ما تشتمل عليه من مجازات وكنايات واستعارات وألفاظ عامة ومشتركات ومترادفات وعمومات، بالإضافة إلى قدرتها الفائقة على استيعاب المعاني الجزلة الفخمة والمعاني المرنة اللطيفة، مع قوة الجرس وجمال التركيب.. وأن القرآن الكريم قد عجـّز فصحاء العرب وتحداهم بأن يأتو بسورة من مثله، وقد أقروا بعجزهم ودانوا ببلاغته وفصاحته بل ذهلوا بنظمه وأسلوبه وبيانه الأخّاذ المدهش، ولم يبق أحد ممن يشهد له بالفصاحة إلا وشهد بتفوق القرآن وعلوه وأنه لا يمكن أن يكون من كلام البشر,ولقد بهرتهم بعض آياته حتى خضعوا وسلموا له، ومنها قوله تعالى: (( وَقِيلَ يَا أَرضُ ابلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأَمرُ وَاستَوَت عَلَى الجُودِيِّ وَقِيلَ بُعداً لِلقَومِ الظَّالِمِينَ )) (هود:44), وغير هذه الآية كثير كآية الكرسي وقصار السور، بل إن القرآن بأجمعه عجيب النظم فائق الفصاحة تام المعنى حاو للطائف الاشارات وجامع لأصناف الاستعارات ومن يطلع على علوم القرآن يدرك مبلغ عظمته,أما أن العرب قد ذكروا في شعرهم بعض مضامين وردت في القرآن فما هو الضير في ذلك؟ أليس القرآن قد نزل بلغتهم؟ وهل يراد له أن ينزل بلغة لا يفهمونها أو بألفاظ متروكة مستهجنة قد عافتها الفطرة العربية حتى يقال أنه بليغ؟ فتحصل مما ذكرنا أن الملاك في اعجاز القرآن هو تحدي العرب بأن يأتوا بكتاب على منواله أو على الأقل سورة من مثله قال تعالى: (( وَإِن كُنتُم فِي رَيبٍ مِمَّا نَزَّلنَا عَلَى عَبدِنَا فَأتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِثلِهِ )) (البقرة:23), أي فأتوا بسورة كسور القرآن من مثل محمد (صلى الله عليه وآله)، فجميع التحديات الواقعة في القرآن هي نحو استدلال على كون القرآن معجزة خارقة من عند الله، والآيات المشتملة على التحدي مختلفة في العموم والخصوص، ومن أعمها تحدياً قوله تعالى: (( قُل لَئِنِ اجتَمَعَتِ الأِنسُ وَالجِنُّ عَلَى أَن يَأتُوا بِمِثلِ هَذَا القُرآنِ لا يَأتُونَ بِمِثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضُهُم لِبَعضٍ ظَهِيراً )) (الاسراء:88), ومنها نعلم بأن التحدي لا يخص العرب فقط، بل يعم جميع البشر وجميع الجن. فالقرآن آية للبليغ في بلاغته وفصاحته وللحكيم في حكمته، وللعالم في علمه، وللاجتماعي في اجتماعه، وللمقنن في تقنينه وللسياسي في سياسيته وللحاكم في حكومته، ولجميع العالمين فيما لا ينالونه جميعاً كالغيب والاختلاف في الحكم والعلم والبيان. أما التحدي بالبلاغة فإن التاريخ لا يرتاب أن العرب العرباء بلغت من البلاغة في الكلام مبلغاً لم يذكره التاريخ لواحدة من الأمم المتقدمة عليهم والمتأخرة عنهم، وقد تحدى عليهم القرآن بكل تحد ممكن مما يثير الحمية ويوقد نار الأنفة والعصبية وحالهم في الغرور ببضاعتهم مشهور مذكور ولأجله عقدوا المجالس والمحافل فلم يجيبوه إلا بالتجافي ولم يزدهم إلا العجز، ولم يكن منهم إلا الاستخفاء والفرار كما قال تعالى: (( أَلا إِنَّهُم يَثنُونَ صُدُورَهُم لِيَستَخفُوا مِنهُ أَلا حِينَ يَستَغشُونَ ثِيَابَهُم يَعلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعلِنُونَ )) (هود:5). وقد تحدى الوليد ابن المغيرة، جاء ذلك في كتب السيرة والسنة، فمن ذلك ما رواه الحاكم وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال: يا عم إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالاً قال: لم؟ قال: ليعطوكه فإنك أتيت محمداً تتعرض لما قبله، قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً، قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنك منكر له أو أنك كاره له، قال: وماذا أقول؟! فو الله ما فيكم من رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن مني، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، والله إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته، قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه! قال: فدعني حتى أفكر، فلما فكر قال: هذا سحر (يؤثر يأثره عن غيره)، فنزلت: ذرني ومن خلقت وحيداً. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وكلام العرب لا يخرج عن كونه شعراً ونثراً ، ولا يعرف العرب غيرهما ، وما يذكره بعض العلماء من وجود قسم ثالث وهو " السجع " : فهو داخل في النثر ، وليس قسماً مستقلاًّ ، حتى جاء الله تعالى بالقرآن ، وأنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، فبهرت كلماته عقول العرب ، وأخذ أسلوبه بألبابهم ، فتركهم في حيرة ، فلا هو بالشعر الذي ينظمونه ، ولا هو بالنثر الذي يقولونه ، ومن قال منهم إنه " شعر " : فهو مكابر ، كاذب ، يعرف نفسه أنه غير صادق ، أو أنه لا يعرف الشعر ، ولو كان شعراً فما الذي منعهم من النظم على منواله ؟! . وليس القرآن شعراً ، ولم يكن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم شاعراً ، بل وما ينبغي له ، قال تعالى : ( فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ . وَمَا لا تُبْصِرُونَ . إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ . وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ . وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ . تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الحاقة/38-43 ، وقال تعالى : ( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ ) يـس/69 . إذا كان القرآن ليس شعراً ، كما نفاه الله تعالى عنه ، ونفاه عنه الشعراء الصادقون ، فهل هو من النثر ؟ والجواب : لا ، ولا هو من النثر ، ومن تأمل في كتاب الله تعالى حق التأمل ، وكان له ذوق لغوي وبلاغي : علم أنه ليس من النثر ، بل هو قسم ثالث من أقسام الكلام في لغة العرب ، وقد اعترف بهذا كبار الأدباء قديماً وحديثاً ، ونذكر هنا شهادة رجل من الأدباء ، وله موقف معروف من الشرع ، وهو " طه حسين " وشهادته هنا مهمة ؛ لأنه من أهل الاختصاص من جهة ، ومن جهة أخرى فهو لن يجامل أحداً ! ومما قاله طه حسين : ولكنكم تعلمون أن القرآن ليس نثراً ، كما أنه ليس شعراً ، إنما هو قرآن ، ولا يمكن أن يسمَّى بغير هذا الاسم ، ليس شعراً ، وهذا وضع ، فهو لم يتقيد بقيود الشعر ، وليس نثراً ؛ لأنه مقيّد بقيود خاصة به ، لا توجد في غيره ، فهو ليس شعراً ، ولا نثراً ، ولكنه : ( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) ، فلسنا نستطيع أن نقول : إنه نثر ، كما نص على أنه ليس شعراً . كان وحيدا في بابه ، لم يكن قبله ، ولم يكن بعده مثله ، ولم يحاول أحد أن يأتي بمثله ، وتحدى الناس أن يحاكوه ، وأنذرهم أن لن يجدوا إلى ذلك سبيلاً ... . وذكر " عيسى بن علي الرماني " ( متوفى 386 هـ ) في رسالته " النكت في إعجاز القرآن " أن القرآن جاء بأسلوب جديد حيث قال : " وأما نقض العادة : فإن العادة كانت جارية بضروب من أنواع الكلام معروفة : منها الشعر ، ومنها السجع ، ومنها الخطب ، ومنها الرسائل ، ومنها المنثور الذي يدور بين الناس في الحديث ، فأتى القرآن بطريقة مفردة خارجة عن العادة لها منزلة في الحسن ، تفوق كل طريقة " . وسار على هذا المنهج أبو بكر الباقلاني ، فأطال القول في هذا المعنى ، ومن ذلك قوله : " إنه نظم خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلامهم ، ومباين لأساليب خطابهم ، ومن ادعى ذلك : لم يكن له بدٌّ من أن يصحح أنه ليس من قبيل الشعر ، ولا من قبيل السجع ، ولا الكلام الموزون غير المقفى ؛ لأن قوماً من كفار قريش ادعوا أنه شعر ، ومن الملحدة من يزعم أن فيه شعراً ، ومن أهل الملة من يقول : إنه كلام مسجع ، إلا أنه أفصح مما قد اعتادوه من أسجاعهم ، ومنهم من يدعي أنه كلام موزون ، فلا يخرج بذلك عما يتعارفونه من الخطاب " . فتبين مما سبق أن القرآن كلام الله تعالى ، أحكم آياته ، وفصَّلها ، وبيَّنها ، بكلام عربي مبين ، وليس هو على طريقة ما عرفه العرب من الشعر ، والنثر ، بل هو قرآن ، قسم خاص ، لا يشبه الشعر والنثر ، ولا يشبهانه .

1