بسم الله الرحمن الرحيم إنه من الحزن الشديد أن يمسي من نناقش ونجادل في العقائد ممن ينتمي لمذهبنا ويتدين بديننا ولكن الضلال وارد كما ضل من عاصر النبي « صلى الله عليه وآله » وعاش معه ، ومثلهم من كانوا مع الأوصياء « عليهم السلام » فما ارتووا من نبعهم ولا تزودوا من زادهم لأخراهم ونحمد الله على أن النبي وآله « عليهم السلام » عملوا المطلوب وزادوا أرقاً وتعباً في سبيله - سبيل المطلوب - حتى قال تعالى : * ( طه ، مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) * ( 1 ) .
كما نحمده سبحانه على أن خلق من ذريتهم الطاهرة سيداً يقف أمام الضلال ويشقى في منعه ، وأسأل الواحد الأحد الفرد الصمد أن يمحو الضلال بكم وبغيركم وأن ينهي الضلال بهدايته أو بموته ولن يبقى ذكره لأن الحق وحده يبقى كبقاء الحسين وفناء أعدائه عليهم اللعنة أبد الآبدين . .
مولاي . . إنه سؤال يهمني جداً . . فأرجوكم أجيبوني بعلمكم ولا تبخلوا وأحسنوا وأعطوني ما غفلت عن ذكره مصداقاً لقول الأمير سلام الله عليه ( السخاء ما كان ابتداءً ) .
السؤال : لي صديق عاقل ولكنه يهمل كثيراً من العواطف والأدلة لأنه يرى في فكره مناراً . .
كان يقلد السيد السيستاني دام ظله ثم حول لتقليد البعض ( السيد محمد حسين فضل الله ) وذلك لمجرد إعجابه ببعض فتاوى ( البعض ) كفتوته في الغناء أو في النظر للهلال بالمنظار الفلكي أو عدم ثبوت ما حصل للزهراء « عليها السلام » عنده .
وقلت له في زمن سابق : إن المشكلة في ( البعض ) أن الذي انتقد فكره هم مراجع عظام وعلماء أجلاء وليسوا أناساً عاديون وقلت له : حتى لو كان عالماً لكن لا بد من الرجوع للأعلم وتشخيص الأعلم عن طريق أهل الخبرة لا عن طريق كل امرئ وهواه .
فقال لي : إن الأعلم لا نستطيع أن نعرفه لأن كل أهل خبرة يعظم مرجعه ويرى للناس ما يراه لنفسه ، وقال لي : ما قالوه في محمد حسين فضل الله بعضه خلافات سياسية وحقد وغيرة .
فقلت له : إن كنت تشكك في المراجع العظام ، فأنت تشكك في المذهب . على أن صاحبي أحياناً غريب وأذكر لكم حوادث معه أو بعض أقوال صاحبي .
الحادثة الأولى : أخبرته أنني ناقشت أحد أهل السنة بطلب من ذاك السني ، وسألته هل أناقشه إذا عاد وناقشني فقال : نعم .
فقلت له : نعم ، عسى أن تكون على يدي هدايته ! !
فثارت ثائرته وقال : أنتم كذلك كل يظن أنه على حق و . . و . . و . . و . .
الحادثة الثانية : كنا نتكلم عن مفهوم آية الوضوء ورأي السنة والشيعة فانتهى كلامه على هذه الجملة فقال : « على كل حال كل طائفة ولها حججها » .
مولاي ، أنا أؤمن بأني لو استطعت أن أرجعه لتقليد السيد السيستاني أو أي مرجع مشهود له آخر أؤمن أني إذا فعلت ذلك بأني قد هديته وأحلم بقول الرسول « صلى الله عليه وآله » : لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم .
فكيف أنصح صاحبي ؟
أرجوكم أنيروا لي الطريق فأنتم أدرى بالنصح والنصيحة وجزاكم الله كل خير ورزقكم شفاعة جدكم رسول الله وآله . .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
1 - فإن إعجاب ذلك الأخ الكريم بفتاوى أي كان من الناس لا يبرر تقليده له ، فالمفروض : أن هذا الأخ الكريم لا خبرة له بالفقه ، ولا يعرف الصحيح من الأحكام ، من غيره ، فإعجابه وعدمه ليس له أي تأثير في جواز التقليد وعدمه ، لأنه لا ينطلق من ضوابط فقهية أو قواعد علمية ، بل ربما يكون الهوى النفسي هو السبب الكامن وراء هذا الإعجاب .
2 - وأما بالنسبة لتحديد الأعلم ، فنقول :
إن السيد محمد حسين فضل الله نفسه لم يزل يعيِّن للناس من هو الأعلم ، فقد بقي سنوات طويلة يعلن : أن الأعلم هو السيد الخوئي ، وهو الذي أرشد الناس إلى تقليد آية الله العظمى السبزواري ، وآية الله العظمى السيستاني . .
3 - إن ما قاله مراجع الأمة في حق السيد محمد حسين فضل الله ، وإعلانهم للناس : بأن في عقائده خللاً خطيراً يحتم على كل مؤمن أن يتوقف ، وأن يحتاط لدينه . حتى لو ظن أن الدافع سياسي ، بل حتى لو كان الدافع هو الحقد أو غيره ، فإن المعيار هو مضمون ما قيل ومطابقته للواقع والحقيقة ، وليس المعيار هو الدافع للقول . .
وعلى هذا الأخ الكريم أن يتأكد من صحة ما قيل ، فإن ثبت له أن السيد محمد حسين قد قال ذلك كله أو بعضه لم يجز له تقليده ، لعدم توفر شروط التقليد فيه ، بسبب وجود خلل عقيدي لديه ، حتى ولو في مسألة واحدة .
4 - إن هذا الصديق قد اتهم المراجع والعلماء بأنهم يعملون بأهوائهم حين ذكروا للناس فساد عقيدة السيد محمد حسين فضل الله ، لكنه هو نفسه قد وقع فيما شنع به عليهم واتهمهم به ، فعمل بهواه ، حين قلده إعجاباً منه بفتاواه في الغناء ، أو في نفي ما جرى على الزهراء « عليها السلام » ، أو نحو ذلك . .
5 - إن هذا الصديق الكريم قد اتهم المراجع والعلماء بأمر لا
يعرفه إلا من اطلع على الغيب ، أو من أقروا أمامه بهذا الأمر ، فإن قوله : إن الدافع لهم للإعلان عن الأخطاء الاعتقادية للسيد فضل الله هو الحقد ، أو أن دافعهم سياسي ؛ لا يمكن أن يعرفه منهم وعنهم إلا الله تعالى ، أو بالإقرار منهم ، إذ لا يستطيع أحد أن يدخل إلى قلوبهم ، ويقرأ ما فيها .
هذا بالإضافة إلى أن هؤلاء المراجع هم قادة الأمة ، وهم الأمناء على دينها ، وهم المعروفون بالورع والتقوى . فكيف يصح توجيه هذا الاتهام إليهم من دون تحقيق وتدقيق ؟ !
6 - وأما بالنسبة لهداية السني أو غيره ، فإن الله تعالى يقول : إن الحق واحد ولا يتعدد ، وكل ما سواه ضلال وباطل ، لا بد من التراجع عنه ، والتزام طريق الحق . . فقد قال تعالى : * ( اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ) * [1] ، وقال : * ( . . فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ) * [2] ، وقال : * ( . . فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ ) * [3] . والآيات في ذلك كثيرة .
ونتمنى أن لا يكون قوله : إن لكل طائفة حججها ، وقوله : إن الكل يظن أنه على حق . . سبباً في اختيار المذهب السني تارة ، والشيعي أخرى .
أو إغراء للناس بترك المذهب الشيعي ، واعتناق المذهب السني .
7 - إننا لا نظن أننا على حق ، بل نقطع بذلك ، وهذا هو السبب في إعتناقنا مذهب أهل البيت « عليهم السلام » ، ولا يصح اتباع الظن في مثل هذا الأمر الخطير ، كيف وقد قال تعالى : * ( وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ ) * [1] ، وقال : * ( إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئا ) * [2] ، والآيات التي تقبح اتباع الظن كثيرة جداً .
8 - وأما قوله عن أمر الوضوء : « كل طائفة ولها حججها » فهو صحيح ، ولكن هناك حجج باطلة ، وهناك حجج صحيحة . ونحن نتيقن بصحة رجوعنا في ديننا إلى أهل البيت « عليهم السلام » ، لأنهم سفينة النجاة ، وهم أحد الثقلين اللذين لن يضل من تمسك بهما . ولأن كل من خالفهم حجته داحضة .
9 - إنني أقول للأخ الكريم : إن الحديث الشريف يقول : أخوك دينك ، فاحتط لدينك . فعلى الأخ الكريم أن لا يتسرع في أحكامه ، وأن يحتاط لدينه ، فإن للمراجع حرمتهم ، وإن عليه أن يحصل اليقين ببراءة ذمته .
10 - وأخيراً ، أنصح الأخ الكريم : بأن ينصف المراجع العظام ، ويعاملهم على الأقل بما يعامل به السيد محمد حسين فضل الله ، مع
أخذه بعين الاعتبار : أن المراجع إن كانوا مخطئين بحق السيد محمد حسين ، فهم مخطئون في حق شخص ، وإن كان السيد محمد حسين مخطئاً فهو مخطئ في حق الدين ، وفي حق الأنبياء « عليهم السلام » ، وفي حق الزهراء « عليها السلام » ، وفي حق الأئمة « عليهم السلام » ، وفي حق الأمة بأسرها ، فالاحتياط في أمره أولى وأوجب .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .