من زار الحسين « عليه السلام » كمن زار الله في عرشه
بسم الله الرحمن الرحيم سماحة العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي حفظه الله . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .
هناك موضوع تم طرحه للنقاش في منتدى هجر :
http : / / www . hajr . ws / forum / showthread . php يتحدث عن رأي فضل الله في فضل زيارة الإمام الحسين « عليه
السلام » وبالخصوص في حديث : « إن من زار الحسين « عليه السلام » في قبره كمن زار الله في عرشه » .
السؤال الذي تم توجيهه لفضل الله - وهو موجود على موقعه « بينات » - وجوابه من فضل الله يتبعه هكذا :
سمعنا من أحد خطباء مجلس التعزية الحسيني لمناسبة أربعين سيد الشهداء « عليه السلام » ما يأتي : « إن من زار الحسين « عليه السلام » في قبره كمن زار الله في عرشه » ، لقد أثارت هذه العبارات جدلاً طويلاً بيننا ، وقال البعض منا : إن مساواة منزلة الحسين « عليه السلام » بمنزلة الله سبحانه وتعالى غير جائزة ، كما أن القول بزيارة الإنسان لله في عرشه يتناقض مع الفقه الجعفري الذي ينفي التشبيه عن ذات الله تعالى نفياً قاطعاً ، وقال الخطيب : إن ذلك من باب المجاز .
نرجو من سماحتكم تنويرنا برأيكم في هذه المسألة وشكراً . .
وهذا هو الجواب :
( هذا كلام يتنافى مع أبسط عقائدنا التوحيدية التي تؤكد أن الله سبحانه هو فوق الزمان والمكان ، وأن العرش ليس هو المكان الذي يضم الله سبحانه ، مع ملاحظة أخرى ، وهي : أن مساواة زيارة الحسين « عليه السلام » بزيارة الله في عرشه لا ينسجم مع العقيدة التي ترتفع بعظمة الله عن خلقه حتى المقربين إليه ، وإننا ندعو الخطباء والعلماء إلى التدقيق في صحة هذه الأحاديث أولاً ، وإلى دراسة تأثيراتها السلبية على مصداقية مذهب الإمامية ثانياً . حتى إنه لا يجوز أن نلقي
على الناس كلاماً لا نلتزم بظاهره ثم ندخل في تأويله بعنوان المجاز أو غيره ، بل إن الواجب هو التحدث عن العقيدة ورموزها بوضوح تام لا يثير أية شبهة أو إشكال ) .
ما تعليقكم على رأي فضل الله في هذا الحديث ، وهل يصح ما قاله أحد الأعضاء في نفس المنتدى بأن الحديث غير صحيح السند في مجمله ولا يمكن الاعتماد عليه إلا حسب رأي من يقول بتوثيق كل ما جاء في كتاب كامل الزيارات ؟
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
قد ذكر هذا البعض في إجابته : أن هذا الحديث يتنافى مع أبسط عقائدنا التوحيدية وذلك بزعم : أنه يثبت أن لله مكاناً . .
ونقول :
1 - إن هذا الحديث لا يثبت أن لله مكاناً ، بل هو نظير قوله تعالى : * ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) * [1] . فما يجيب به عن هذه الآية نجيب نحن به عن تلك الرواية .
2 - إن زيارة الله عز وجل في عرشه لا تعني أن العرش يضم الله
تعالى . . إلا إذا كان قوله تعالى : * ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) * يثبت أن العرش يضمه سبحانه . .
وهذا وذاك يدل على أن المقصود هو : الكناية عن معنى آخر ، كما سنرى .
3 - الرواية المذكورة إنما أرادت أن تقرر : أن مقدار الثواب الذي يعطيه الله تعالى لمن زاره في عرشه هو نفسه الذي يعطيه لمن زار الإمام الحسين « عليه السلام » ، وبذلك يكون قد أظهر درجة عالية من الكرامة الإلهية له « عليه السلام » ، وليس في الرواية : أن عظمته « عليه السلام » هي بقدر عظمة الله تعالى . .
فإن التفضل بالمثوبة بهذا المقدار ، ومساواة هذه المثوبة لمثوبة أخرى . . لا يعني : الاشتراك والمساواة في جميع الجهات ، وفي مختلف الحالات والمقامات .
4 - وأما بالنسبة للتدقيق في صحة الحديث ، فنقول :
إن هناك روايات كثيرة تذكر هذه العبارة ، وبعضها صحيح السند بلا شك ، ومن الروايات الصحيحة : ما رواه ابن قولويه ، قال : حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أبيه ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن زيد الشحام ، عن أبي عبد الله « عليه السلام » قال :
من زار قبر أبي عبد الله « عليه السلام » يوم عاشوراء عارفاً بحقه
كان كمن زار الله تعالى في عرشه [1] .
ولو فرضنا - وفرض المحال ليس محالاً - : أن هذه الرواية غير صحيحة ، فإننا بسبب كثرة ورود هذا التعبير في الروايات المختلفة ، نقطع بصدور هذا المعنى بل هذا التعبير بالذات عن المعصوم .
5 - إذا كان لهذا الحديث تأثيرات سلبية على مصداقية مذهب الإمامية ، فإن هذه التأثيرات لا بد أن تترتب على آيات القرآن أيضاً ، فإن الله تعالى هو الذي يقول : * ( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) * [2] .
ويقول : * ( وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً ) * [3] .
ويقول : * ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) * [4] .
ويقول : * ( وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) * [5] .
6 - إذا كان لا يجوز أن نلقي على الناس كلاماً لا نلتزم بظاهره ، فهل نحذف هذه الآيات التي ذكرناها آنفاً من القرآن الكريم ؟ !
7 - لو صح هذا ، لوجب أن نحذف أكثر من تسعين بالمائة من
كتابات وخطابات وكلمات هذا البعض نفسه ، لأن المجازات والكنايات طاغية على أكثرها . .
8 - إن المجازات والكنايات ليست خلاف الظاهر ، بل هي الظاهر نفسه .
9 - إننا لم نكن ندري أن هذا البعض يعتبر تلك الآيات التي تقول : * ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) * .
وتقول : * ( وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) * .
وتقول : * ( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) * .
ليست من قبيل المجازات والكنايات ، ويرى أن المقصود بها هو : اليد الحقيقية ، واليمين الحقيقية ، والجلوس على العرش حقيقة ؟ !
وأنه يقول : بأن المجاز طاغوت ، كما يقوله بعض السلفيين . ولا بد من القضاء على هذا الطاغوت ؟ !
وإن لم يكن يقول بذلك ، فلماذا لجأ إليه لإبطال فضيلة من فضائل سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين « عليه السلام » ؟ !
لا ندري . . ولعل الذكي الفطن يدري .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .