بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين .
سماحة السيد الكريم جعفر مرتضى العاملي حفظه الله . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
فكثيراً ما يتهمنا بعض المخالفين بأننا نقول بتحريف القرآن ، ويحتجون علينا بكتاب فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب ، فكيف نجيب ؟ !
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
فإن كتاب الله سبحانه هو ذلك الكتاب الخالد ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه . وهو الذكر المصون الذي أخذ
رب العزة والجلال على نفسه أن يكون هو الحافظ له : * ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) * [1] .
ولسوف تذهب كل محاولات الحاقدين والموتورين الذين يريدون النيل من معجزة الإسلام الخالدة ، أدراج الرياح ، وستكون حسرة عليهم ، حين يرون كيف أن كل كيدهم ومكرهم * ( كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ) * [2] .
غير أن ثمة أمراً يحاول من خلاله بعض الحاقدين ، والجهلة المتعصبين ، الطعن به على شيعة أهل البيت « عليهم السلام » ، وإثارة أجواء مسمومة حول اعتقادهم بالقرآن ، متذرعاً بما صدر عن أحد المحدِّثين المعروفين ، وهو الشيخ حسين النوري ، الذي وقع تحت تأثير روايات ذات طابع معيَّن روي بعضها في كتب الشيعة ، وورد أكثرها من كتب غيرهم ، وعلى رأسها الصحاح الستة وسواها من مجاميع حديثية ، وكتب تفسير وقراءات ، وعلوم قرآن لدى غير الشيعة .
وحين لم يستطع أن يعرف هذا المحدِّث وجه الحق فيها ، ولم يتمكن من أن يرد ما يستحق الرد ، ويقبل ما يكون فيه موجبات
القبول ، وعجز عن تحديد المراد فيما يحتاج إلى تفسير وتأويل . . بادر إلى تأليف كتاب ضعيف في مبناه ، وفي معناه . . زعم أنه أثبت فيه - استناداً إلى تلك الروايات والمنقولات - حدوث تحريف في كتاب الله سبحانه ، وقد سماه ب « فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب » .
ومن الواضح : أن شذوذ أحد المنتسبين إلى مذهب مَّا برأي غريب ، لا يبرر نسبة ذلك الرأي إلى ذلك المذهب ، ولا يصحح التشنيع عليه به . ولو فتح هذا الباب لذرت قرون الأحقاد والفتن ، ولا تسع الخرق على الراقع . . وربما لم يسلم أحد .
ومهما يكن من أمر ، فإن إلقاء نظرة متأملة على مضامين ذلك الكتاب تعطي أنه يفقد القيمة العلمية من الأساس .
ونحن هنا نشير باقتضاب شديد إلى بعض وجوه الخلل فيه ، على سبيل الإجمال والاختصار ، ليتضح الأمر ، وليسفر الصبح لذي عينين ، مع تذكير الأخوة الأكارم بأن لا غنى عن مراجعة الكتب ، التي توضح الإجابات على أقوال ذلك المحدِّث بصورة أتم ، وتضع النقاط على الحروف ، في مختلف التفاصيل التي حاول أن يثيرها في سياق حديثه . . ومنها كتابنا : « حقائق هامة حول القرآن الكريم » .
ولسوف يتضح : كيف أن أهل الفتنة والضغينة يمارسون عملاً ظالماً ومجحفاً في حق أتباع أهل البيت « عليهم السلام » ، وأن عملهم هذا يعتبر جريمة في حق الإسلام والقرآن ، وأهله وحزبه ، وأتباعه ، وأشياعه .
فنقول :
إن أدلة هذا الكتاب على ما ادَّعاه الكاتب هي اثنا عشر دليلاً ، زعم أنها تدل على وقوع التحريف في كتاب الله تعالى ، ولعل دليلين منها ، قد أخذهما من كتب الشيعة . . والعشرة الباقية - بكل ما حشده فيها من روايات - إنما أخذها من كتب غير الشيعة ، ولربما يورد فيها النزر اليسير من كتب الشيعة أيضاً .
وما استند إليه المحدِّث النوري هو الأمور التالية :
الدليل الأول :
استدل بروايات عن أهل السنة واليسير منها عن الشيعة تقول : إن ما وقع في الأمم السالفة سيقع في هذه الأمة ، وقال : ومن ذلك تحريف الكتاب .
وهو استدلال باطل ، لأن المقصود بهذه الروايات هو : مضامين وكليات الأحداث الجارية وفق السنن التاريخية ، والتحولات الاجتماعية بصورة عامة . .
ويدل على ذلك : أن كثيراً من الأمور قد حدثت في الأمم السالفة ، ولم تحدث في هذه الأمة ، مثل :
- قصة أهل الكهف .
- وذلك الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه .
- ولادة نبي من أنبياء الله من غير أب .
- موت هارون وهو الوصي قبل موت موسى النبي « عليه السلام » .
- رفع عيسى « عليه السلام » .
وغير ذلك من أمور كثيرة ومتنوعة .
فالمراد بالروايات المشار إليها إذن ، هو : وقوع أمور تشبه - ولو من بعض الوجوه - ما جرى في الأمم السالفة . . وهي تلك التي تخضع للسنن التاريخية ، والتحولات الاجتماعية العامة ، كما قلنا .
وفيما يرتبط بأمر التحريف ، فإن حصوله - ولو في بعض الجوانب - كاف في صدقية الحديث . . فإن كتب الأمم السالفة قد حرفت في مضامينها ، وفي نصوصها . . والتحريف في هذه الأمة قد حصل في نطاق الحدود والمعاني . وإن كانوا قد أقاموا حروفه .
وقد أشير إلى ذلك فيما روي : « أقاموا حروفه ، وحرَّفوا حدوده » .
والنتيجة المتوخاة من التحريف لدى السابقين واللاحقين واحدة .
الدليل الثاني :
الروايات التي رواها غير الشيعة حول جمع القرآن ، وأنه إنما كان بعد وفاة رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، اعتماداً على شاهدين ، مما يعني : أن القرآن لم يتواتر ، وذلك يفسح المجال لاحتمال وقوع التحريف فيه .
ويرد على هذا الاستدلال : أن هذه الروايات غير صحيحة . . لأن القرآن قد جمع في عهد النبي « صلى الله عليه وآله » ، وكانت المصاحف متداولة وشائعة فيما بين الصحابة . . وكان ثمة كُتَّاب للوحي معروفون في التاريخ ، وعلى رأسهم علي بن أبي طالب « عليه
السلام » ، وأُبي بن كعب ، وآخرون .
لكن الحقيقة هي : أن الحكام بعد رسول الله « صلى الله عليه وآله » لم يكونوا يملكون نسخة تامة من المصحف ، فأرادوا أن يهيئوا لأنفسهم نسخة منه ، فطلبوا من زيد بن ثابت فهيأ لهم ما أرادوا . . وذلك بعد أن رفضوا المصحف الذي كان خلف فراش الرسول « صلى الله عليه وآله » ، وكان قد كتب فيه التنزيل والتأويل ، وأسباب النزول ، وفي من نزلت الآيات ، وأين نزلت ، والناسخ والمنسوخ ، والمحكم والمتشابه منها ، وغير ذلك . .
الدليل الثالث :
الروايات التي رواها غير الشيعة في آيات وسور يُدَّعى نسخ تلاوتها ، فإذا كان نسخ التلاوة باطلاً . ولم تكن تلك الآيات والسور موجودة في القرآن ، فذلك يعني أنها قد حذفت منه ، ومعنى ذلك : وقوع التحريف فيه .
ونحن نوافق النوري على رفضه لنسخ التلاوة ، غير أننا نقول :
إن ما ادَّعوه من آيات وسور قد نسخت تلاوتها ؛ هي في الحقيقة ادِّعاءات باطلة ، والنصوص المشار إليها إما هي من كلام رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، أو بعض الصحابة أو هو كلام مختلق ، ومكذوب من قبل الأعداء ، أو غير الواعين ، وغير الورعين ، لأهداف وأغراض مختلفة .
وقد تصدينا في كتاب « حقائق هامة حول القرآن » لبيان زيف
هذه الادِّعاءات ، فلا بأس بمراجعته لمن أراد التوسع في ذلك . .
الدليل الرابع :
استدل بروايات وردت من طرق غير الشيعة تشير إلى اختلاف مصاحف السلف ، وإلى أن ترتيب القرآن كان باجتهاد الصحابة . .
ونقول :
أولاً : لو سلمنا صحة هذه الروايات ، فإنه لا ربط لها بتحريف القرآن ، لا من حيث الزيادة ، ولا من حيث النقيصة ، لأن بعض السلف كان يجمع السور القرآنية بصورة تدريجية تبعاً لتدرج نزولها . . وقد يطَّلع على سورة في وقت متأخر عن اطلاع غيره عليها ، فيثبتها في مصحفه من ذلك الحين . .
أضف إلى ذلك : أن اختلاف ترتيب السور ليس بالأمر المهم .
أما دعوى الاختلاف في ترتيب الآيات ، فلا يصح ما قالوه فيه أيضاً ، لأنه إنما يستند إلى مجرد استحسانات ، بل تخرصات تدل على عدم فهمهم لمعاني بعض الآيات ، فادَّعوا أنها أزيلت من أماكنها لتوضع في أماكن أخرى . .
ولكن مراجعة الموارد التي ادَّعوها تظهر فساد ما قالوه ، فلا ينبغي الالتفات إليه . .
ولكي يتضح ما نرمي إليه نورد هذا المثال المعروف ، وهو : ادِّعاء البعض : أن آية التطهير ، قد أزيلت عن موضعها في سورة هل أتى ، ووضعت في سورة الأحزاب في سياق مخاطبة النساء ، مع أنها لا
ترتبط بهن .
ومن الواضح : أن هذا الكلام يدل على عدم تدبر هذا القائل في معنى الآيات الكريمة . . فإن نقل هذه الآية إلى سورة هل أتى ، يفسد معنى آيات تلك السورة ، إذ لا مناسبة بين سياقها ومضامينها ، وبين إذهاب الرجس عن أهل البيت « عليهم السلام » وتطهيرهم .
ويخل أيضاً بالمعنى في آيات سورة الأحزاب ، لأن سياق الآيات يتجه إلى بيان أن الله سبحانه وتعالى قد طلب من نبيِّه أن يقول لأزواجه أموراً ، ويفرضها عليهن ، فقال له : * ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً ، وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَه وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً ) * .
قل لهن : * ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً ) * .
قل لهن : * ( وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً ) * .
قل لهن : * ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً ) * .
قل لهن : * ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَهَ وَرَسُولَهُ ) * .
ثم قال له : * ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللُه لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً . . ) * [1] .
أي إننا إنما أصدرنا هذه التوجيهات لزوجاتك ، لأننا نريد إبعاد الرجس عنك وعن أهل بيتك حتى ولو صدر من أناس آخرين ، كالزوجات ، أو الجيران ، أو الأقارب . . مع تعمد الإلماح إلى أن الزوجات فيهن المسيئات ، وفيهن المحسنات ، وأشار إلى شيء من مخالفاتهن في سورة التحريم ، والطلاق ، والأحزاب . .
فالأمر للزوجات لا لخصوصية لهن ، بل الخصوصية لرسول الله « صلى الله عليه وآله » ولأهل بيته « عليهم السلام » فقط .
وثانياً : كيف سيتم نقل آية التطهير إلى سورة هل أتى ، وهي نصف آية ؟ ! فهل يبقى صدرها في سورة الأحزاب ناقصاً ؟ ! أم تنقل كاملة إلى هناك ليظهر التنافي والتنافر بينها وبين آيات تلك السورة بصورة أتم وأجلى ؟ !
وثالثاً : إن القبول بهذه الاستحسانات ، والذوقيات سيفتح الباب أمام التلاعب بالقرآن ، ويفسح المجال أمام أي شخص كان ليدَّعي : أن هذه الآية لا تناسب هذه السورة ، بل تناسب تلك . . من خلال أوهام وتخرصات في مختلف الاتجاهات ، وفق ما يروق له ، وانسجاماً مع أهداف شريرة تدفعه لزرع الفتنة ، أو للتلاعب بإيمان الناس ، أو بحياتهم . .
الدليل الخامس :
ما رواه غير الشيعة أيضاً : من اختلاف مصاحف الصحابة في بعض الكلمات ، مثل إضافة : « إلى أجل مسمى » في قوله تعالى : * ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ ) * [1] .
وإضافة كلمة : « بعلي » إلى قوله تعالى : * ( وَكَفَى اللَهُ المُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ) * [2] .
وكذا الحال بالنسبة لسورتي الخلع والحفد ، وسورة الولاية . .
وكذلك بعض الآيات مثل آية : الشيخ والشيخة إذا زنيا فاجلدوهما البتة الخ . . وما إلى ذلك .
ونقول :
أما بالنسبة للكلمات المدرجة في الآيات ، مثل كلمة « إلى أجل مسمى » ، ونحوها . . فإن المراجع لها يجد أنها إما جاءت على سبيل التفسير ، أو لبيان التأويل المروي .
وأما ما زعموا أنه سور وآيات ، فهي إما أدعية وابتهالات ، مثل سورتي الخلع ، والحفد . أو أنها مواعظ وعظات ، تخيلوا أنها من القرآن ، وهي ليست منه ، أو تضمنت مطالب وأموراً ، أحب بعضهم أن يدخلها في القرآن إشباعاً لبعض رغباته ، مثل : الحديث عن رجم
الشيخ والشيخة .
ومثل : الحديث عن رضاع الكبير . .
ومثل : لو كان لابن آدم واديان من تراب لابتغى وادياً ثالثاً . . وما إلى ذلك . .
كما أن ابن مسعود لم يذكر المعوذتين في مصحفه ، لتخيله أنهما عوذتان للحسنين « عليهما السلام » . .
الدليل السادس :
أن أُبي بن كعب ، وهو أقرأ الأمة قد زاد في مصحفه سورتي الخلع والحفد .
وجوابه : قد يثبت بالأدلة : أنهما دعاء كتبه في مصحفه ، ولم يكتبهما على أنهما قرآن .
الدليل السابع :
ما رواه غير الشيعة من إحراق عثمان للمصاحف ، وحمله الناس على قراءة واحدة .
وجوابه واضح : فإن اللحن كان قد فشا في الناس ، وكثرت القراءة بلهجات القبائل المختلفة . . فكان ما عمله عثمان هو : أنه جمع الناس على قراءة واحدة ، وهذا إجراء حسن ، يهدف إلى حفظ القرآن من التحريف لا العكس ، وأيده فيه أمير المؤمنين « عليه السلام » ولكنه لم يرض بالإحراق لسائر المصاحف ، المكتوبة وفقاً لسائر اللهجات ، لما في الإحراق من الإهانة للقرآن .
الدليل الثامن :
روايات غير الشيعة حول نقص القرآن ، وذهاب كثير من آياته وسوره .
وهذا الدليل أيضاً واهٍ : فإن تلك الروايات غير صحيحة ، فراجع كتابنا : « حقائق هامة حول القرآن الكريم » .
إلا إذا كان المقصود هو : ذهاب تفاسير وبيانات للمعاني القرآنية ، لا ذهاب نفس الآيات القرآنية .
الدليل التاسع :
ما رواه الشيعة من أن أسماء الأئمة « عليهم السلام » قد كتبت في الكتب السماوية السابقة وقد حذفت ، والمفروض أنها لا توجد في هذا القرآن المتداول أيضاً ، فلا بد من أنها كانت موجودة ثم حذفت ، إذ إن ما جرى في الأمم السابقة ، لا بد أن يجري في هذه الأمة أيضاً . .
وقد عرفنا فيما سبق : بطلان أساس هذا الاستدلال ، وقلنا : إنه لا ملازمة بين التحريف اللفظي للكتب السابقة وبين التحريف اللفظي للقرآن ، إذ يكفي تحريف معانيه ، وحدوده .
الدليل العاشر :
روايات غير الشيعة ، وقليل من روايات وردت في كتب الشيعة أيضاً حول اختلاف القراءات ، والحديث المروي : أن القرآن قد نزل على سبعة أحرف . أشهر من أن يذكر .
ولكننا نقول : إن حديث نزول القرآن على سبعة أحرف لا يصح ، بل هو قد نزل على حرف واحد من عند الواحد ، كما روي عن أئمة
أهل البيت « عليهم السلام » . .
كما أن حديث اختلاف القراءات ، وإبدال بعض الكلمات بكلمات أخرى حديث ساقط ، لأن ذلك من شأنه أن يحدث الخلل بالنص القرآني ، وهو يجعل اختيارات القراء وحياً إلهياً ، ونصاً قرآنياً ، وهذا أمر غير صحيح .
مع ملاحظة : أن نقل هذه القراءات في مواردها الخاصة لا تقوم به حجة ، ولا يوجب علماً ، ولا عملاً . .
نعم . . يمكن قبول القراءة حسب اختلاف اللهجات ، وما عدا ذلك يدخل في دائرة التفسير والتأويل . . أو أنه مكذوب ، ومختلق . .
الدليل الحادي عشر :
روايات منسوبة إلى الشيعة تتحدث عن وقوع التحريف في القرآن غير أننا أثبتنا : أن المقصود بها هو تحريف المعنى ، لا اللفظ .
الدليل الثاني عشر :
روايات كثيرة ، ولها طرق عديدة قد تصل بمجموعها إلى الألف ، أو أكثر تتحدث عن آيات حرِّفت في بعض مواردها . .
ونقول :
أولاً : إن من يراجع هذه الروايات يجد : أن أكثرها يدخل في دائرة القراءات ، أو التفسير أو التأويل ، أو تدخل في دائرة القصور في القراءة لدى بعض الناس ، أو أنها ناشئة عن الخطأ في النسخ والكتابة لمصحف بعينه ، أو لعدم وجود النقط والشكل ، وما إلى ذلك . .
ثانياً : إن الألف رواية المشار إليها لا يصح الاستدلال بها من جهة أخرى أيضاً ، وهي أن أكثر من 320 رواية منها - رغم التكرار فيها ، وفي طرقها - تنتهي إلى السياري . الذي يقولون عنه : إنه فاسد المذهب ، منحرف ، غال ، وملعون على لسان الإمام الصادق « عليه السلام » ، وقد طعن به جميع الرجاليين الذين ذكروه . .
وأكثر من 600 رواية أو طريق من الألف هي عبارة عن مكررات ، والفرق بينها ، إما من جهة نقلها من كتاب آخر ، مع وحدة السند ، أو من اختلاف الطريق .
وما عدا هذين القسمين ، فإن أكثر من مائة حديث منها عبارة عن قراءات مختلفة ، أكثرها عن الطبرسي في مجمع البيان ، الذي يورد في الأكثر قراءات وأقوال غير الشيعة ، كقتادة ، ومجاهد ، والسدي ، وعكرمة ، وغيرهم .
ثالثاً : أضف إلى ما تقدم : أن قسماً من أخبار التحريف منقول عن علي بن أحمد الكوفي ، الذي وصفه علماء الرجال : بأنه كذاب ، فاسد المذهب .
وثمة قسم آخر منقول عن آخرين معروفين بالضعف ، وبالانحراف ، مثل :
يونس بن ظبيان ، الذي ضعَّفه النجاشي ، وقال عنه ابن الغضائري : « غال كذاب ، وضاع للحديث » .
ومُنَخّل بن جميل الكوفي ، الذي يقولون عنه : إنه غال ، منحرف ،
ضعيف ، فاسد الرواية .
ومحمد بن حسن بن جمهور ، وهو الآخر : غال فاسد المذهب ، ضعيف الحديث . .
وأمثال هؤلاء لا يصح الاعتماد على ما يروونه في أبسط المسائل الفرعية ، فكيف بما يروونه في هذه المسألة الخطيرة جداً ؟ ! والتي هي من أعظم المسائل ، وعليها يتوقف أمر الإيمان ، ومصير الإسلام . .
هذا . . ونحب أن نثير الانتباه إلى ضرورة دراسة الدواعي والأسباب التي دعت هؤلاء الغلاة ، وفاسدي المذهب للقيام بهذا الدور الهدام والخبيث . . الذي تقر به عيون الزنادقة ، ويبتهج له مردة اليهود وغيرهم من القوى الكافرة . .
ولسنا بحاجة إلى التذكير بأن الغلاة ليسوا من الشيعة ، ولم يزل الشيعة يتجنبونهم ، ويظهرون إدانة نهجهم ، ويعلنون للناس انحرافهم ، فلا يصح نسبة ترهاتهم وأباطيلهم وكيدهم الخفي إلى الشيعة .
ورحم الله علماءنا الأخيار وشهداء الإسلام الأبرار ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى ، محمد وآله الطاهرين . .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .