كيف نصلي على النبي وآله « صلى الله عليه وآله » ؟ !
بسم الله الرحمن الرحيم سماحة العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
هناك من يقول : إن الشيعة حينما يصلُّون على النبي « صلى الله عليه وآله » ، يقولون : « صلى الله عليه وآله » ، وهذا غلط ، والصحيح هو أن يقال : « صلى الله عليه وعلى آله » ، إذ لا بد من إعادة الجار في
العطف على الضمير .
فما هو تعليقكم على هذا القول ؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
فإن ما ذكرتموه في أمر الصلاة على النبي « صلى الله عليه وآله » غير صحيح ، فقد ورد في القرآن الكريم العطف على الضمير من دون إعادة الجار ، وذلك في عدة موارد ، نذكر منها :
1 - قوله تعالى : * ( . . وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ) * [1] ، بعد قوله : * ( وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ . . ) * ، أي : ولمن لستم له برازقين .
2 - قوله تعالى : * ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا
وَالآخِرَةِ وَأوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) * [1] .
فعطف كلمة : « المسجد » على الضمير في كلمة : « به » ، من دون أن يعيد الجار ، حيث لم يقل : « وكفر به ، وبالمسجد الحرام » .
وليس معطوفاً على كلمة « سَبِيلِ » ، لأنه صلة للمصدر : « وَصَدٌّ » .
وقد عطف على المصدر قوله : « وَكُفْرٌ » ، ولا يعطف على المصدر حتى تكمل معمولاته ، فلما عطف عليه كلمة : « كُفْرٌ » كان ذلك أمارة على أن كل ما يأتي بعد هذه الكلمة ليس من معمولاته ، فيتعين أن تكون كلمة : « المَسْجِدِ » معطوفة على الهاء في « بِهِ » .
إن قلت : لعله معمول لمصدر محذوف ، تقديره « وَصَدٌّ عَن المَسْجِدِ » .
فالجواب : أن المصدر لا يعمل محذوفاً .
وقد صرح أبو حيان أيضاً بأنه لا يجوز الفصل بين المصدر وصلته ، فلا يصح جعل كلمة المسجد معمولة للمصدر ، وهو كلمة : « صَدٌّ » .
3 - وقرأ حمزة : * ( وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ . . ) * [2] بجر كلمة « وَالأَرْحَامِ » عطفاً على الضمير ، ومن دون إعادة الجار وهي أيضاً قراءة ابن رزين ، وابن مسعود ، وابن عباس ، والقاسم ، وإبراهيم النخعي ، والأعمش ، والحسن البصري ، وقتادة ، ومجاهد ، ويحيى بن وثاب .
وقالوا : إن هذه القراءة مروية عن النبي « صلى الله عليه وآله » [1] .
بل في كلام بعضهم : أنها متواترة عنه « صلى الله عليه وآله » [2] . .
4 - وقد يستدل بقوله تعالى : * ( قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ) * [3] ، بعطف ما يتلى على الضمير في كلمة : « فيهن » .
5 - بل قد يستدل بقوله تعالى : * ( لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ) * [4] بعطف كلمة : « والمقيمين » على الكاف في « إليك » أو الكاف في « قبلك » .
وإن كنا نناقش في الآيتين الأخيرتين ، باعتبار أن قوله تعالى : * ( وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ) * لعله عطف على لفظ الجلالة . أي : أن الله يفتيكم ، والقرآن يفتيكم أيضاً .
كما أن قوله : « والمقيمين » منصوب بفعل محذوف وتقديره أخص .
هذا وقد قال أبو زرعة : « أنكروا أيضاً : أن الظاهر لا يعطف على المضمر المجرور إلا بإظهار الخافض ، وليس بمنكر . وإنما المنكر أن يعطف الظاهر على المضمر الذي لم يجر له ذكر ، فتقول : مررت به
وزيد . ليس هذا بحسن . فأما أن يتقدم للهاء ذكر فهو حسن ، وذلك ( عمرو مررت به وزيد ) ، فكذلك الهاء في قوله : * ( تَسَاءلُونَ بِهِ ) * وتقدم ذكرها * ( وَاتَّقُواْ اللهَ ) * » [1] .
6 - قد جوَّز الكوفيون ، ويونس ، وأبو الحسن ، والشلوبين عطف الظاهر على الضمير بدون إعادة الجار .
7 - وقال الشاعر ، وهو الأعشى ، أو عمرو بن معدي كرب ، أو خفاف بن ندبة :
< شعر > فاليوم قربت تهجونا ولا عجب * فاذهب فما بك والأيامِ من عجب < / شعر > بجر كلمة « الأيام » عطفاً على الكاف في كلمة « بك » .
8 - وقال الشاعر :
< شعر > لو كان لي وزهيرٍ ثالث وردت * من الحمام عدانا شر مورود < / شعر > بجر كلمة « زهيرٍ » عطفاً على الياء ، في كلمة « لي » .
9 - وقال آخر :
< شعر > إذا بنا بل أنيسانِ اتقت فئة * ظلت مؤمنة ممن تعاديها < / شعر > فعطف كلمة « أنيسانِ » على الضمير في قوله « بنا » ، والعاطف هو كلمة « بل » .
10 - وقال آخر :
< شعر > ابك آية بي أو مصدر * من حمر الحلة جاب جسور < / شعر > بجر كلمة « مصدرٍ » عطفاً على الياء في كلمة « بي » .
11 - وقال الشاعر :
< شعر > أكر على الكتيبة لا أبالي * أفيها كان حتفي أم سواها < / شعر > فكلمة « سواها » معطوفة على ضمير الغائب في كلمة « فيها » 12 - وقال آخر :
< شعر > إذا أوقدوا ناراً لحرب عدوهم * فقد خاب من يصلى بها وسعيرِها < / شعر > فكلمة « سعيرِها » معطوفة على الهاء في كلمة « بها » .
13 - وقال آخر :
< شعر > بنا أبداً لا غيرنا تدرك المنى * وتكشف غماء الخطوب الفوادح < / شعر > فكلمة « غيرنا » معطوفة على الضمير في كلمة « بنا » .
14 - وقال آخر :
< شعر > هلا سألت بذي الجماجم عنهم * وأبي نعيم ذي اللواء المحرق < / شعر > فكلمة « أبي نعيم » معطوفة على الضمير في كلمة « عنهم » .
15 - وقول الآخر :
< شعر > تعلق في مثل السواري سيوفنا * وما بينها والكعب غوط نفانف < / شعر > فكلمة « والكعب » مجرورة عطفاً على الضمير في كلمة « بينها » .
وبعد . . فلا مجال لحمل هذه الأشعار كلها على الضرورة ، ولا يصح رميها بالشذوذ ، وهي بهذه الكثرة .
وفي جميع الأحوال نقول : قال ابن مالك في ألفيته :
< شعر > وعود خافض لدى عطف على * ضمير خفض لازماً قد جعلا < / شعر >
< شعر > وليس عندي لازماً إذ قد أتى * في النظم والنثر الصحيح مثبتا < / شعر > على أن من الممكن القول : إنه إذا جاز الإبدال والتأكيد للضمير بالظاهر من غير إعادة الجار ، فلماذا لا يجوز العطف عليه من دون ذلك ؟ ! .
وما زعموه من أن الضمير كالتنوين . . فلا بد في العطف من إعادة الجار ؛ غير صحيح لأن هذا التعليل لو صح لاقتضى عدم جواز العطف عليه مطلقاً حتى مع إعادة الجار ، إذ لا يجوز العطف على التنوين ، بل ذلك يقتضي أن لا يجوز التوكيد ، ولا الإبدال منه .
ولو صح قولهم : إن الضمير بمنزلة التنوين للزم عدم صحة العطف على الضمير المنصوب أيضاً ، مع أنهم قد جوزوا أن يقال : رأيتك وزيداً ، فلماذا جاز العطف عليه في حال النصب ، إذا كان بمنزلة التنوين ؟ !
وآخر كلمة نقولها هنا هو : أن ما يزعمونه من محاذير وما يقدمونه من توجيهات للمنع لا يصلح لإثبات ذلك ، مع ورود ذلك في الآيات وغيرها مما ذكرناه . .
ولعل من يريد أن يضيف كلمة « على » إلى الصلاة على النبي وآله « صلى الله عليه وآله » ، يرمي إلى إفهام الآخرين بأن الصلاة التي على النبي « صلى الله عليه وآله » تختلف عن الصلاة التي على الآل . أما مع العطف بدونه ، فإن الصلاة عليهما تكون من سنخ واحد . . وهذا ما يريدون إبعاده عن مخيلة الناس العاديين . . فلجأوا إلى هذه الادعاءات الباطلة والمزاعم الفارغة والجاهلة . وهذا من الكيد الذي لا يخفى على ذي بصيرة .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .