- العراق
منذ 3 سنوات

الإمام لا يغسله إلا إمام ، وطي الأرض

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . سماحة آية الله المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي دامت إفاضاته . . في قراءتنا لكتاب « رسائل الشريف المرتضى » الجزء الثالث ، ينقل بأن له رأياً خاصاً في مسألة : أن « لا يغسل الإمام المعصوم إلا المعصوم » ، وكذلك مسألة الأمور الخارقة للعادة التي تجري على يد الأئمة « عليهم السلام » ، ومسألة تزويج أم كلثوم من عمر . . حيث استشهد أحد الأخوة بكلام الشريف المرتضى رضوان الله تعالى عليه وانفراده ببعض الآراء ، كتبرير لمخالفة السيد فضل الله وانفراده بآرائه . . فينقل عن كلام الشريف المرتضى في هذه المسألة : صفحة 155 : مسألة : من المتولي لغسل الإمام الماضي والصلاة عليه ؟ وهل ذلك موقوف على تولي الإمام بعده له أم يجوز أن يتولاه غيره ؟ الجواب : قد روت الشيعة الإمامية أن غسل الإمام والصلاة عليه موقوف على الإمام الذي يتولى الأمر من بعده ، وتعسفوا لها فيما ظاهره بخلاف ذلك ، وهذه الرواية المتضمنة لما ذكرناه واردة من طريق الآحاد التي لا يوجب علماً ولا يقطع بمثلها . وليس يمتنع من هذه الأخبار - إذا صحت - أن يراد بها الأكثر الأغلب ومع الإمكان والقدرة لأنَّا قد شاهدنا ما جرى على خلاف ذلك لأن موسى بن جعفر « عليهما السلام » توفي بمدينة السلام والإمام بعده علي بن موسى الرضا « عليهما السلام » بالمدينة وعلي بن موسى الرضا توفي بطوس والإمام بعده ابنه محمد بالمدينة . ولا يمكن أن يتولى من بالمدينة غسل من يتوفى بطوس أو بمدينة السلام . وقد تعسف بعض أصحابنا ، فقال : غير ممتنع أن ينقل الله تعالى الإمام من المكان الشاسع في أقرب الأوقات ويطوي له البعيد فيجوز أن ينتقل من المدينة إلى مدينة السلام وطوس في الوقت . والجواب عن هذا : أنا لا نمنع من إظهار المعجزات وخرق العادات للأئمة إلا أن خرق العادة إنما هو في إيجاد المقدور دون المستحيل ، والشخص لا يجوز أن يكون منتقلاً إلى الأماكن البعيدة إلا في أزمنة مخصوصة ، فأما أن ينتقل إلى البعيد من غير زمان محال وما بين المدينة وبغداد وطوس من المسافة لا يقطعها الجسم إلا في أزمان لا يمكن معها أن يتولى من هو بالمدينة غسل من هو ببغداد . فإن قيل : ألا انتقل كما ينتقل الطائر من البعيد في أقرب مدة . قلنا : ما ننكر اختلاف انتقال الأجسام بحسب الصور والهيئات فإن أردتم أن الإمام يجعل له جناح يطير به فهو غير منكر إلا أن الثقيل الكبير من الأجسام لا يكون طيرانه في الخفة مثل الصغير الجسم .. ولهذا لا يكون طيران الكركي وما شاكلها في عظم الأجسام كسرعة الطيور الخفاف فإذا كان الطائر الخفيف الجسم إنما لم يقطع في يوم واحد من المدينة إلى طوس فأجدر أن لا يتمكن من ذلك الإنسان إذا كان له جناح . ولا يمكن أن يقال : إن الله تعالى يعدم الإمام من هناك ويوجده في الحال الثانية هنا . لأن هذا مستحيل من وجه آخر لأن عدم بعض الأجسام لا يكون إلا بالضد الذي هو الفناء وفناء بعض الجواهر فناء لجميعها وليس يمكن أن يفنى جوهر مع بقاء جوهر آخر على ما دللنا عليه في كثير من كلامنا لا سيما في كتابي المعروف ب‌ ( الذخيرة ) . إلا أنه يمكن من ذهب من أصحابنا إلى ما حكيناه أن يقول نصرة لطريقته : ما الذي يمنع من أن ينقل الله تعالى الإمام من المدينة إلى طوس بالرياح العواصف التي لا نهاية لما يقدر الله تعالى عليه من فعلها وإن فيها [1] وما المنكر من أن يقول في هذه الريح التي تنقله ما يزيد معه على سرعة الطائر الخفيف المسرع فينتقل في أقرب الأوقات . والذي يبطل هذه التقديرات - لو صحت أو صح بعضها - أنَّا قد علمنا : أن الإمام لو انتقل من المدينة إلى بغداد أو طوس لغسل المتوفى والصلاة عليه لشوهد في موضع الغسل والصلاة لأنه جسم والجسم لا بد من أن يراه كل صحيح العين . ولو شهد لهم لعلمه وعرف حاله ونقل خبره ولم يخف على الحاضرين فكيف يجوز ذلك وقد نقل في التواريخ من تولى غسل هذين الإمامين والصلاة عليهما وسمي وعيِّن . وهذا يقتضي : أن الأمر على ما اخترناه . فما هي حقيقة آراء الشريف المرتضى رضوان الله تعالى عليه ؟ وما الأسباب وراءها ؟ ولكم جزيل الشكر والامتنان . .


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . . فلا يصح تبرير مخالفات السيد محمد حسين فضل الله بما ورد في كلام السيد الشريف المرتضى « رضوان الله تعالى عليه » ، وذلك : أولاً : لأن المخالفات التي صدرت من السيد محمد حسين فضل الله هي في صميم العقيدة ، وفي الأمور البديهية والضرورية منها ، مثل العصمة للأنبياء والأئمة « عليهم السلام » ، والشفاعة ، وسلامة القرآن من التحريف بالزيادة وسلامته من الغلط في النحو . . ونحو ذلك من أمور تواترت الأخبار فيها والنصوص عليها . أما مخالفات السيد الشريف المرتضى « رحمه الله » فهي في أمور فرعية وثانوية ، ولم يرد فيها إلا بضعة أخبار ، تدخل في نطاق أخبار الآحاد . . ثانياً : إن ما صدر عن السيد الشريف المرتضى « رحمه الله » هو مجرد هفوات في مسائل يسيرة وقليلة جداً ليست من أساسيات العقيدة كما قلنا . . ولكن مخالفات السيد محمد حسين فضل الله قد كثرت ، حتى أصبحت تعد بالمئات والألوف ، لا بالآحاد ولا بالعشرات ، وقد شملت مختلف جهات الدين ، والشريعة ، والعقيدة ، وقضايا الإيمان . فمخالفات بهذا الحجم وبهذه المواصفات ، إنما تعبر عن نهج يريد اقتحام المسلمات حسب ما صرح بها هو نفسه - كما ذكرناه في كتابنا : « خلفيات كتاب مأساة الزهراء « عليها السلام » » - ويريد ابتداع دين أو مذهب جديد تحت شعار التجديد ، واستبعاد الخرافات من عقائدنا . . ثالثاً : إن علماء الأمة ومراجعها قد اعترضوا على مقولات السيد محمد حسين فضل الله ، وأوضحوا له فسادها بالدليل . ولكنه أصر عليها ولم يتراجع عن أية مفردة منها . بل هو قد قابل العلماء باتهامهم بالتخلف ، وبقلة الدين ، وبأنهم عملاء للمخابرات ، أو واقعون تحت تأثيرها ، أو بأنهم كمثل الحمار يحمل أسفاراً ، أو بأنهم كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث ، أو تتركه يلهث . ولم نجد فيما بين أيدينا من مصادر : ما يدل على أن السيد المرتضى كان سيصر عليها ، لو أن أحداً أوضح له الحقيقة ، وبيَّنها له . . بل لعل هذه المخالفات لم تعرف عنه « رحمه الله » في زمانه أصلاً . . لا سيما مع عدم توفر وسائل النشر في زمانه « رحمه الله » . . رابعاً : بالنسبة لوجه عدم صحة كلام السيد المرتضى نقول : إننا نكتفي في بيان المقصود بما ذكره المرحوم العلامة الجليل السيد عبد الحسين شرف الدين « قدس سره » ، قال « رحمه الله » : « ولا يخفى ما فيه من الوهن والقصور ، فإن استبعاد مثل هذه الأشياء بالنسبة إليهم « عليهم السلام » ، مع ما صدر منهم من الكرامات الظاهرة ، والمعجزات الباهرة في غاية البعد . . وردُّ الأخبار التي تفردت الإمامية بها ، وكانت من خواصهم بمجرد الاعتبارات الواهية الضعيفة ، جرأة عظيمة . والاستبعاد بالنسبة إلى معجزاتهم وخوارق عاداتهم بعيد . وما أجاب به عما أورده لا طائل تحته ، لأن قوله : إن خرق العادة إنما هو إيجاد المقدور . . إن أراد به ما يتعلق به قدرة الإنسان ، فغير مسلَّم ، لأن ذلك ليس خرقاً للعادة . وإن أراد به ما يتعلق به قدرة الله تعالى - كما هو ظاهر - فمسلَّم ، ولا يكون حينئذٍ من المستحيل في شيء ، لأن قدرة الله تعالى تتعلق بكل مقدور ، وجميع المُحالات العادية مقدورة له تعالى ، فانتقال الجسم إلى المكان البعيد من هذا الباب . وقوله : إن الانتقال من غير زمان محال ؛ إلزام بما يلتزمونه ، فإنهم لا يدَّعون وقوع ذلك من دون زمان . ثم إنه « رحمه الله » ذكر لطريقة انتقال الإمام النائي ثلاثة وجوه ، وزيفها : الطيران ، وطريقة الإعدام والإيجاد ، وطريقة الرياح العواصف . . وأنت خبير بأنه بعد تسليم امتناع هذه الثلاثة : إن القائل بذلك لا يلتزم بشيء منها ، إذ الحصر فيها ممنوع ، بل إن الله قادر على كل شيء ، والعقول قاصرة عن الإحاطة بطرق قدرته تعالى . ثم إنه « رحمه الله » كأنه استشعر بضعف ما استدل به على الامتناع ، فالتجأ إلى دليل آخر ، وهو أنه لو وقع ذلك لعلمناه ، ولنقل إلينا ، ولشوهد الإمام حال الغسل ، والصلاة ، وما نقل المؤرخون على واحد بعينه . فيقال له « رحمه الله » : إنَّا قد علمنا ذلك بنقل الثقات . وقد شوهد الإمام في حال الغسل والصلاة أيضاً ، إلا أن المشاهدة لم تكن عامة لكل أحد ، لأن ذلك مقتضى التقية ، التي هي من ضروريات مذهب الإمامية ، بل إنما شاهده الخلَّص المأمونون ، كما نقل عن تغسيل الكاظم ، وتغسيل الرضا « عليهما السلام » ، فإن المسيب بن زهير هو الذي شاهد الرضا « عليه السلام » يغسل الكاظم ، ويحنطه . وقد كلمه الرضا « عليه السلام » . وأبا الصلت الهروي ، وهرثمة بن أعين كلاهما شاهد الجواد يغسل الرضا « عليهما السلام » ، كما روى الصدوق في العيون وغيره [1] . وأما المؤرخون ، فلا يذكرون إلا من غسله أو صلى عليه ظاهراً ، فالاستدلال بعدم المشاهدة ، وعدم ذكر المؤرخين ، لا وجه له . وانتقال الجسم من مكان بعيد في زمان قليل قد وقع كثيراً ، مثل انتقال جسم النبي « صلى الله عليه وآله » من مكة إلى بيت المقدس ، ثم منه إلى مكة في أقل الأزمنة . . ومثل عروجه بجسمه إلى السماوات ، إلى سدرة المنتهى ، حتى كان قاب قوسين أو أدنى مما نطق به القرآن ، فلا معنى للاستبعاد . وبالجملة ، فكلامه « رحمه الله » في هذا المقام من مثله عجيب . ولعل السائل كان أحد الخلفاء المعاصرين له ، فاتقاه « رحمه الله » . أو أن السائل كان من المخالفين ، وقصد الطعن على الشيعة ، فأجابه رداً لتشنيعه . أو أن هذه الأخبار آحاد ، وهي بمقتضى طريقته لا توجب علماً ولا عملاً » انتهى [1] .