- العراق
منذ سنتين

نزهونا عن الربوبية

بسم الله الرحمن الرحيم نبارك لكم ذكرى ولادة مولانا أمير المؤمنين « عليه السلام » . . اعتقادنا في أهل البيت « عليهم السلام » هو أن لهم الولاية المطلقة على الكون من عند الله وبإذنه ، وأنه خلق الخلق من أجلهم فهم العلة الغائية ، واعتقادنا أنه لا فرق بينهم وبينه إلا أنهم عباده وخلقه كما ورد في دعاء رجب : « لا فرق بينك وبينها إلا أنهم عبادك وخلقك » مصباح المتهجد ص 803 . واعتقادنا فيهم أن لهم جميع المقامات السامية والدرجات الرفيعة لا يلحقهم لاحق ولا يسبقهم سابق ، ولا ننزههم إلا عن الربوبية ونقول فيهم ما شئنا ، ومع ذلك فلا نصل إلى مكنون مقاماتهم . ونعتقد أن حسابنا هو على أهل البيت « عليهم السلام » ، فكما كانت الريح تجري بأمر ملك من الملائكة بإذن الله فكذلك حساب الناس يقوم به أهل البيت « عليهم السلام » بإذنه تعالى ، وأن مفاتيح الجنة والنار تسلّم لأمير المؤمنين « عليه السلام » كما ورد في عدة روايات وأنه يُدخل الجنة من أحبه بشفاعته ويُدخل النار من أبغضه ونصب له العداء . فكل المقامات لهم « عليهم السلام » وننزههم عن الربوبية ليس إلا ، لأن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير ، فخلق خلقاً لهم القدرة على كل شيء بإذنه تعالى . واعتقادنا أن إبراز فضائل ومقامات أهل البيت لا يعني انتقاصاً في العلي الأعلى سبحانه وتعالى ، بل لا يعرف الجبار جل وعلا إلا من خلالهم ومن بابهم ، لأن من عرفهم فقد عرفه وأيقن به ، فلا طريق لذلك إلا عن طريقهم ووسيلتهم ، فهم سفن النجاة وأن من وحّد الله قِبَلِ عنهم ومن تخلف عنهم غرق وهوى . كما نفسّر ما ورد من خطب باهرة لأمير المؤمنين « عليه السلام » من أنه السميع والبصير وأنه محيي الموتى وأنه . . وأنه . . بما فسّره مولانا الصادق « عليه السلام » في الرواية التي أوردها الحافظ البرسي في مشارق أنوار اليقين ، فراجع . ونتمثل بقول الشاعر الذي اشتق معاني أبياته من روايات أهل بيت العصمة والطهارة « عليهم السلام » ، وبيّن هذا الشاعر مقاماتهم التي حباهم بها العلي الأعلى جل وعلا ، وبإذنه سبحانه وتعالى : < شعر > أبا حسن أنت زوج البتول * وجنب الإله ونفس الرسول وبدر الكمال وشمس العقول * ومملوك رب وأنت الملك إليك تصير جميع الأمور * وأنت العليم بذات الصدور < / شعر > < شعر > وأنت المبعثر ما في القبور * وحكم القيامة بالنص لك وأنت السميع وأنت البصير * وأنت على كل شيء قدير ولولاك ما كان نجم يسير * ولا دار لولا وِلاك الفلك وأنت بكل البرايا عليم * وأنت المكلِّم أهل الرقيم ولولاك ما كان موسى الكليم * كليماً فسبحان من كوّنك أبا حسن يا مدير الوجود * وكهف الطريد ومأوى الوفود ومُسقي محبيك يوم الورود * ومنكر في البعث من أنكرك < / شعر > إلى آخر أبياته رحمه الله . فلهم المقامات السامية وذلك كما ورد عنهم ولا نوصلهم لحد الألوهية والربوبية فهم عبيد الله وخلقه ولا نشرك بعبادته أحداً ، إنما نعبده بما هو أراد لا كما نريد ، فلا نتقرب للأصنام بل نتقرب لما يريده جل وعلا وهم أهل البيت « عليهم السلام » ، ولا يخفى عليكم أن هذه الأمور قد وردت في رواياتهم « عليهم السلام » لا سيما الزيارة الجامعة الكبيرة ، فما رأيكم في هذه العقيدة ؟


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . . فإن ملاحظة فقرات هذه الرسالة تعطي : أن كاتبها قد اعتمد بصورة ظاهرة على الرواية التي تقول : نزهونا عن الربوبية ( أو اجعلونا مخلوقين ، أو اجعلوا لنا رباً نؤوب إليه ) وقولوا فينا ما شئتم . . ونلاحظ على هذا الاتجاه ما يلي : 1 - إن هذه الرواية ليس لها - فيما اطلعنا عليه من نصوص وأسانيد - سند يصح الاعتماد عليه . . فراجع نصوصها في بصائر الدرجات والبحار وغيرهما . . 2 - إننا لا ننكر : أن من الممكن أن يعطي الله تعالى الأئمة « عليهم السلام » صلاحيات ، ومناصب وتصرفات ، حتى ما هو مثل الخلق والرزق ، لكن الكلام في حدوث ذلك بالفعل . . فإن رواية : « قولوا فينا ما شئتم » لا تكفي لإثبات ذلك ، لأنها واردة لبيان أنهم « عليهم السلام » حاملون لمراتب الفضل والكمال ، واصلون لمواضع القرب والزلفى من الله تعالى . وتدل على أن ميزاتهم وصفاتهم في أنفسهم ، ليست هي صفات الألوهية والربوبية . . ولكن هذا لا يلازم أن يكون الله تعالى قد أوكل إليهم فعلاً أمر الخلق والرزق ، أو الإماتة والإحياء ، وما إلى ذلك ، بل يحتاج ذلك إلى أدلة أخرى تثبت حصوله ، فإن النبوة مثلاً منصب تشريف ، ومهمة وتكليف ، لكن ذلك لا يعني أن كل من له ميزة في الفضل لا بد أن يعطى مقام النبوة ، ولذلك لم تكن الزهراء « عليها السلام » من الأنبياء ، وكذلك علي وباقي الأئمة الأطهار « عليهم السلام » ، مع أنهم أفضل من جميع الأنبياء « عليهم السلام » إلا النبي الأعظم « صلى الله عليه وآله » . وبعبارة أخرى : إذا كان المراد بنسبة « الخلق » إليهم : أن الله تعالى هو الذي يفيض الوجود حين إرادة المعصوم ، فتكون إرادة المعصوم واقعة في سلسلة المبادئ والعلل لتعلق الإرادة الإلهية بوجود المخلوق ، فلا إشكال في صحة ذلك ثبوتاً . إذ يمكن أن يكون الله قد عرفهم « عليهم السلام » بما يصلح هذا الكون ، فإذا أرادوا شيئاً ، فإنما يريدونه حين حدوث هذا الصلاح ، وهو نفس الوقت الذي لا بد أن تتعلق به إرادة الله تعالى . . بل ربما تكون إرادتهم له من أسباب صيرورته ذا مصلحة ، وأهلاً لتعلق إرادته تعالى به . لكن المهم هو : أن يدل الدليل على حصول ذلك بالفعل . وحديث : « قولوا فينا ما شئتم » لا يكفي لإثبات هذا الأمر ، فإن كان لديكم دليل آخر تام الدلالة والسند فيرجى أن تتحفونا به ، ونكون لكم من الشاكرين . وأما إن كان المقصود هو : أن لا يبقى لله تعالى أي دور في عالم التكوين . أو كان المقصود : أن إرادتهم تكفي للخلق ، والرزق ، وغير ذلك . ولا حاجة لتدخل الإرادة الإلهية ، فهو باطل ومردود بكلا قسميه كما هو ظاهر . 3 - إن عدم إعطائهم الإذن بالإماتة أو الإحياء ، أو الرزق أو نحو ذلك لا ينقص من مقامهم ، فإن الإماتة وقبض الأرواح ، وإجراء الرياح ، وإزجاء السحاب ، وإنزال المطر ، ونحو ذلك قد أوكله الله تعالى إلى بعض ملائكته حسبما دلت عليه الروايات . مع أن الأئمة « عليهم السلام » أفضل من هؤلاء الملائكة بلا ريب . على أن إيكال الأمور إلى الملائكة لا ينسجم مع دعوى : أن الأمور كلها قد أوكلها الله إلى الأئمة « عليهم السلام » . . 4 - إن قيمة الأئمة « عليهم السلام » ذاتية فيهم ، وليست مكتسبة ، فهم مثل الجوهرة ، أو مثل الذهب الذي تكون قيمته كامنة في عمق ذاته وحقيقته ، ولا تنفك عنها بمرور الدهور والعصور . أما الورقة النقدية فقيمتها تنشأ من اعتبار العقلاء ، فهي خارجة عنها عارضة عليها . . وبذلك يتضح : أن ربط قيمة الإمام « عليه السلام » وفضله وعظمته ، ومقامه بالصلاحيات والتصرفات المعطاة له - حتى إنه لو خلا منها ، فقد قيمته وفضله - غير صحيح ، بل قد يمثِّل ذلك انتقاصاً من قدره ، وحطاً من مقامه « عليه السلام » . 5 - إن هناك روايات منعت من إطلاق صفة الخالق والرازق ، والرب على غير الله سبحانه . وفرضت التحاشي عن إطلاق هذه التعابير ، وهي لا تفسح المجال لوجوه التأويل المختلفة التي يمكن التماسها لمن يتفوه بها . وهي روايات كثيرة ، نذكر منها : ألف : ماجيلويه ، عن علي بن إبراهيم ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن ياسر الخادم قال : « قلت للرضا « عليه السلام » : ما تقول في التفويض ؟ فقال : إن الله تبارك وتعالى فوض إلى نبيه « صلى الله عليه وآله » أمر دينه فقال : * ( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) * فأما الخلق والرزق فلا . ثم قال « عليه السلام » : إن الله عز وجل * ( خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) * ، وهو عز وجل يقول : * ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) * » [1] . ب : أبو الحسن علي بن أحمد الدلال القمي ، قال : « اختلف جماعة من الشيعة في أن الله عز وجل فوض إلى الأئمة « عليهم السلام » أن يخلقوا ويرزقوا ؟ فقال قوم : هذا محال لا يجوز على الله عز وجل ، لأن الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله عز وجل . وقال آخرون : بل الله عز وجل أقدر الأئمة « عليهم السلام » على ذلك ، وفوض إليهم فخلقوا ورزقوا . وتنازعوا في ذلك تنازعاً شديداً . فقال قائل : ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمد بن عثمان ، فتسألونه عن ذلك ، ليوضح لكم الحق فيه ، فإنه الطريق إلى صاحب الأمر ؟ ! فرضيت الجماعة بأبي جعفر ، وسلمت وأجابت إلى قوله ، فكتبوا المسألة ، وأنفذوها إليه . فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته : إن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام ، وقسم الأرزاق ، لأنه ليس بجسم ، ولا حال في جسم ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، فأما الأئمة « عليهم السلام » فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق ، ويسألون فيرزق ، إيجاباً لمسألتهم ، وإعظاماً لحقهم » [1] . ج : وعن الإمام الصادق « عليه السلام » : « جاء رجل إلى رسول الله « صلى الله عليه وآله » فقال : السلام عليك يا ربي ، فقال : ما لك لعنك الله ؟ ! ربي وربك الله الخ » [2] . د : وهناك حديث دخول عشرة على أمير المؤمنين « عليه السلام » ، وقولهم له : إنك ربنا ، وأنت الذي خلقتنا أو أنت الذي رزقتنا ، ومنعه « عليه السلام » إياهم عن ذلك [3] . ه‌ : وفي الصحيح عن أبي بصير ، قال : قال لي أبو عبد الله « عليه السلام » : يا أبا محمد ، أبرأ ممن يزعم أنَّا أرباب ، قلت برئ الله منه الخ . . [4] . و : لعن الإمام الصادق « عليه السلام » من قال : إن الإمام هو الذي خلق ورزق [1] . ز : ومن دعاء الرضا « عليه السلام » : اللهم من زعم أنّا أرباب ، فنحن منه براء ، ومن زعم أن إلينا الخلق ، وإلينا الرزق ، فنحن براء منه ، كبراءة عيسى بن مريم من النصارى [2] . ح : وعن الإمام الرضا « عليه السلام » : في حديث : فمن ادَّعى للأنبياء ربوبية ، وادَّعى للأئمة ربوبية أو نبوة ، أو لغير الأئمة إمامة ، فنحن منه براء في الدنيا والآخرة [3] . وهناك أحاديث أخرى تشير إلى هذه المعاني . . ومن الواضح : أن ذلك لا يمنع من أن يجعلهم الله تعالى أسباباً للفيض ، والعطاء ، فيعطي تعالى بهم من يشاء ، ويمنع بهم من يشاء ، ويرزق بهم عباده ، ويحيي بهم بلاده ، وينزل بهم المطر ، ويمسك بهم السماء . وإن كان لا يصح إطلاق صفة الخالق والرازق ، والأرباب عليهم صلوات الله عليهم أجمعين . وبذلك كله يتضح خطأ تلك الأقوال وخطأ قائليها . 6 - وأما الخطب المروية عن أمير المؤمنين « عليه السلام » ، والتي أشير إليها في السؤال ، فإنما هي حجة إذا كانت متواترة ، أو صح سندها . وأيدها حكم العقل ، فيحكم بثبوت مضمونها ، ولا يكفي مجرد حكم العقل بالإمكان ، لإثبات الوقوع ، بالاستناد إلى روايات ضعيفة السند ، غير موثوقة الصدور . . 7 - وأما الشعر المذكور في الرسالة فلا يكفي لإثبات شيء من ذلك . . 8 - وأما أنا فأقول : أعتقد ما يعتقده علي بن أبي طالب « عليه السلام » ، وقد رضيت لنفسي ما رضيه « عليه السلام » لنفسه ، وإن كنت لا أعرف تفصيله ، ولا أتمكن من التمييز بين ما وقع من مضامين هذه الأخبار وما لم يقع . . 9 - وآخر كلمة نقولها في الحديث المروي عن الإمام الصادق « عليه السلام » لمالك الجهني : قولوا فينا ما شئتم واجعلونا عبيداً مخلوقين [1] . وعن علي « عليه السلام » في حديث الأربعمائة : قولوا : « إنا عبيد مربوبون ، وقولوا في فضلنا ما شئتم » [1] . وعن كامل التمار : « اجعل لنا رباً نؤوب إليه ، وقولوا فينا ما شئتم » [2] . وعن علي « عليه السلام » : « لا تتجاوزوا بنا العبودية ، ثم قولوا فينا ما شئتم ، ولن تبلغوا ، وإيَّاكم والغلو كغلو النصارى ، فإني بريء من الغالين » [3] . إن آخر كلمة نقولها هنا : شتان شتان ما بين مرتبة الربوبية ، ومرتبة العبودية أو المخلوقية . مع التأكيد على أن الحديث إنما هو عن تنزيههم عن صفات الربوبية ، أما صفات الألوهية فالأمر فيها مفروغ عن عدم جواز إثباتها لهم ، وإيجاب ذلك للكفر . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .

1