الشهادة الثالثة في عهد رسول الله « صلى الله عليه وآله »
بسم الله الرحمن الرحيم السيد جعفر مرتضى العاملي . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .
لا تستغرب أنني أطلقت عليك لقب الحبيب فهو لفظ مصطلح عليه عندنا في حضرموت في اليمن ، ينادى به من يشتغل بالعلم والدعوة من آل البيت النبوي ، فالمودة والمحبة للنبي صلى الله عليه وسلم ، هي الدافع إلى هذا اللقب ، فإذا جئتم وزرتمونا في حضرموت ، ستجدون هذه المحبة في كثير من الناس .
أما عن سبب اتصالي بكم فيعود إلى عدة أسباب ، أولاً : أنا من المتشوقين على التعرف على الأشراف الذين ينتسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلذلك دخلت إلى شبكة البال التوك وهناك وجدت
ما قد فاجأني ألا وهو الكثير من السادة الأشراف وهم ينتسبون إلى عدة أئمة من أهل البيت رضوان الله عليهم أجمعين ، وخلال اشتراكي في النقاشات وخصوصاً عن الشيعة والعلوية والزيدية بما أنهم موجودون في بلادي ، وإذ بي أتعرف منذ يومين فقط بشخص على صفحة البال التوك ، غريب عجيب في طريقة مناقشته لأتباع المذهب الزيدي وأظهر على الشبكة أنهم يختلفون عن الشيعة ، وقد أفحم عدة مشتركين من أتباع المذهب الوهابي والزيدي كذلك ، وله اطلاع كبير في كتب الحديث ، وعجيب أنه من الأشراف ، وقد استغربت أكثر عندما عرفت أنه كان على مذهب أهل السنة والجماعة ولكنه اقتنع بمذهب الشيعة الاثني عشرية لذلك استبصر كما يدَّعي .
والذي دفعني إلى الاتصال بكم هذا المشترك الذي ناقشته أنا ومشترك آخر من المغرب ، وهذا المشترك من الأشراف الذين ينتسبون إلى الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، ولكن المشترك الذي يسمي نفسه « المتبصر » لم يظهر على الشبكة ، فقام المشترك المغربي بإعطائي عنوانكم هذا كي أسألكم عن مذهب الشيعة ، كما سمعت من هذا المشترك العجب العجاب الذي أثر في نفسي الكثير الكثير وهو يستشهد بكتابتك كثيراً أعني المتبصر ، إضافة إلى استشهاده بالأحاديث الكثيرة من كتب أهل السنة كما ذكرت لكم .
وقد ذكر المشترك « المتبصر » : أن مذهب الشيعة هو مذهب أهل البيت رضوان الله عليهم ، فإن كان كذلك فنحن الأشراف في كل
أنحاء المعمورة أولى بذلك الشرف ولكن عندي بعض الأسئلة أستأذنكم أن أسألها لكم ، وأرجو أن لا أكون قد سببت لكم الإزعاج لأنني أخذت العنوان من المشترك المغربي . .
السؤال هو : الشهادة الثالثة ، هل وصى بها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أم قد تم أضافتها فيما بعد ؟
والحمد لله رب العالمين .
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
فقد تلقيت رسالتكم بيد الشكر والامتنان ، سائلاً الله عز وجل أن يزيدكم من فضله ، ويفيض عليكم من بركاته ونعمه . وأن يسدد على طريق الخير والهدى خطاكم ، ويجعلنا وإياكم من المتمسكين بالعروة الوثقى ، وأهل بيت النبوة ، وأن ينيلنا الله شفاعتهم ، ويجمعنا وإياهم في جنات النعيم . . إنه ولي قدير .
أخي الكريم :
لقد لفت نظري في رسالتكم الميمونة العديد من الأمور التي أحببت الوقوف عندها قبل أن أجيب على أسئلتكم ، وأستطيع أن أذكرها على النحو التالي :
1 - قد فهمت من كلامكم أنكم طبقتم عبارة « آل البيت النبوي »
على أناس يشتغلون بالعلم ، والدعوة إلى آل البيت النبوي ، مع أن النبي الأكرم « صلى الله عليه وآله » قد عرَّفنا في حديث الكساء - الذي فسر آية التطهير - أن « أهل البيت النبوي » هم أناس مخصوصون ، وهم : ( علي ، وفاطمة ، والحسنان ) « عليهم السلام » ، ولم يدخل فيهم حتى العباس الذي هو أقرب الناس إليه نسباً من علي « عليه السلام » ، فإنه عمه وعلي ابن عمه .
كما أنه لم يدخل عبد الله ، والفضل ، وقثماً ، أبناء العباس ، ثم هو لم يرض بدخول أي من زوجاته فيهم ، كما هو معلوم . .
2 - لقد لاحظت أنكم لا تذكرون الآل حين تصلون على النبي « صلى الله عليه وآله » . . مع أنه « صلى الله عليه وآله » قد أمر بالصلاة الإبراهيمية [1] . بل لقد ورد عنه « صلى الله عليه وآله » أنه قال : « لا تصلوا علي الصلاة البتراء » [2] .
3 - وقد سررت كثيراً لإنتسابكم إلى أهل البيت الطيبين الطاهرين بنص القرآن الكريم ، فإن هذا الانتساب شرف عظيم ، وسبب لنيل الكثير من البركات ، والعنايات والألطاف الإلهية . .
ويكفي أن يكون من بركاته : هذا الحرص الظاهر منكم على معرفة الحق ، والبحث عن كل ما هو صلاح وفلاح ، والالتزام بخط
الإنصاف والموضوعية ، وعدم التعصب لغير الحق الذي يثبته الدليل .
4 - إن الشيعة يأخذون بكتاب الله تعالى ، وبما ثبت عن رسوله « صلى الله عليه وآله » ، وعن الأئمة الاثني عشر ، الذين أولهم علي وآخرهم المهدي صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين . . وذلك استناداً لحديث الثقلين ، وحديث « مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى » ، وحديث « الأئمة ( أو الخلفاء ) ( أو الأمراء ) من بعدي اثنا عشر أميراً كلهم من قريش » ، أو « يكون بعدي اثنا عشر أميراً ( خليفة ) ( إماماً ) كلهم من قريش » ، وغير ذلك من أحاديث كثيرة . . والأئمة الاثنا عشر : هم علي والأئمة الأحد عشر من ولده . .
وهذه الأحاديث مروية في كتب المسلمين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم .
أخي الكريم :
أما بالنسبة للشهادة الثالثة ، وهل وصى بها النبي « صلى الله عليه وآله » ؟ أم قد تم إضافتها فيما بعد ؟ ! . .
يرجى ملاحظة ما يلي :
1 - إذا ثبت أن أهل البيت « عليهم السلام » هم أحد الثقلين ، اللذين لن يضل من تمسك بهما ، وأنهم سفينة نوح و . . و . . فإن قولهم يكفي للكشف عن تشريع أي حكم ، ويكون العمل به مبرئاً للذمة ، فإذا أمرونا بشيء ، فإننا نعلم أن الله تعالى قد أمر به ، وأن رسوله
« صلى الله عليه وآله » قد وصى به ، وكذلك يقال في جانب النهي .
2 - إن الشيعة لا يعتقدون : بأن الشهادة الثالثة جزء من الأذان . ولا من الإقامة ، بل هي مما يجوز قوله فيهما رجاء للثواب والأجر أو بعنوان الاستحباب . فهي مثل قول المؤذن « صلى الله عليه وآله » بعد قوله : « أشهد أن محمداً رسول الله » ودليلهم على ذلك وجود روايات دلت على ذلك .
3 - اتضح مما تقدم : أنه على القول باستحباب هذه الفقرة ، تكون من قبيل مستحب في مستحب ، نظير كلمة « السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته » ، فإنها مستحبة في التسليم ، وليست واجبة .
فعدم ذكر الشهادة الثالثة في بعض الأزمنة ، لعله كان خوفاً واتقاء للأخطار الجسام التي كان يواجهها كل من ينتسب إلى علي « عليه السلام » ، أو يميل إليه ، أو يتهم بذلك . .
بل قد يقال : إن تركها لدرء تلك الأخطار يصبح واجباً . .
4 - إن هناك بعض الروايات التي صرحت بأنهم كانوا يذكرون الشهادة الثالثة في الأذان في عهد النبي « صلى الله عليه وآله » . . ولعل ذلك قد حصل بعد يوم الغدير ، الذي كان قبل استشهاده « صلى الله عليه وآله » بسبعين يوماً ، ولكن لمَّا أُخذت الخلافة من علي ، وضربت الزهراء « عليهما السلام » ، وأسقط جنينها ألغى الحكام الجدد هذه الشهادة من الأذان ، ولم يمكن إعادتها إليه بسبب الخوف من الحكام ، وحفاظاً على محبي علي « عليه السلام » ، ومعتقدي إمامته .
فإنه إذا كان يجري على الزهراء « عليها السلام » هذا الذي ذكرناه وسواه ، كما أن علياً والحسن ، والحسين « عليهم السلام » يقتلون على النحو الذي يعرفه كل أحد . . فهل سيرحمون من يقول في أذانه : « أشهد أن علياً ولي الله » ، أو أنهم سيسمحون لهم بذلك ؟ ! أم أنهم سيغتنمون الفرصة للتنكيل بهم وإبادتهم ؟ !
5 - قد صرح عدد من العلماء مثل الصدوق ، والطوسي ، والحلي ، بأنهم قد ظنوا : بأن الروايات التي تذكر الشهادة الثالثة في الأذان تريد أن تثبت جزئيتها فيه ، فأعرضوا عن تلك الروايات ، وأهملوها ، لاعتقادهم ببطلان ذلك دعوى جزئيتها هذه .
مع أن ظنهم هذا قد لا يكون مصيباً ، فلعلها تريد أن تثبت مجرد جواز قولها فيه ، أو استحبابه ، لكن لا على سبيل الجزئية .
6 - جاء في بعض الروايات ما يمكن اعتباره مشيراً إلى جزئيتها أيضاً ، حيث ذكرت أن مجموع فصول الأذان والإقامة هو اثنان وأربعون حرفاً ، ولا يكون ذلك إلا بإضافة الشهادة الثالثة مرتين .
وعلى كل حال ، فإن الحديث في هذا الأمر طويل ، وفيه الكثير من الإيضاحات والتفاصيل ، فيمكنكم مراجعة كتابنا : « الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة » .
7 - إن ما يثير العجب حقاً هنا : أن نجد الذين يعترضون علينا في الشهادة الثالثة هم أهل السنة الذين حذفوا من الأذان ما ثبت أن الله شرعه ، وهو : « حي على خير العمل » .
وأدخلوا فيه ما ليس منه ، وهو الصلاة خير من النوم ، فلماذا ؟ وكيف يشنعون على الشيعة بهذا الأمر ؟ ! .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .