بسم الله الرحمن الرحيم سماحة السيد ( الشريف ) جعفر مرتضى . .
السلام عليكم ورحمة من الله وبركاته . .
أنا من أتباع المذهب المالكي ، ونحن نسبل أيدينا في الصلاة ولكن من فترة عشر سنوات ، قالوا لنا :
« إننا يجب أن نخالف الشيعة في هذه الطريقة » . .
وأصدروا فتوى بوجوب التكتف لمخالفة يهود أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، أرجو المعذرة . . يعنون بذلك الشيعة ، فما هو الصحيح ؟
وهل أن التكفير هو بدعة من صنع عمر بن الخطاب كما سمعت من البعض ؟ وهل هناك دليل على ذلك ؟
ولكم الأجر والثواب . ..
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله , والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
فإن فقهاء المذاهب الأربعة اختلفوا في أمر التكتف في الصلاة ، وقد بيَّن ابن رشد ( الحفيد ) هذا الاختلاف وأسبابه ، فقال :
« اختلف العلماء في وضع اليدين ، إحداهما على الأخرى في الصلاة ، فكره ذلك مالك في الفرض ، وأجازه في النفل . .
وروى قوم : أن هذا الفعل من سنن الصلاة ، وهم الجمهور . .
والسبب في اختلافهم : أنه قد جاءت آثار ثابتة ، نقلت فيها صفة صلاته عليه الصلاة والسلام ، ولم ينقل فيها : أنه كان يضع يده اليمنى على اليسرى . .
وثبت أيضاً : أن الناس كانوا يؤمرون بذلك .
وورد ذلك أيضاً من صفة صلاته عليه الصلاة والسلام في حديث أبي حميد .
فرأى قوم : أن الآثار التي أثبتت ذلك اقتضت زيادة على الآثار التي لم تنقل فيها هذه الزيادة ، وأن الزيادة يجب أن يصار إليها .
ورأى قوم : أن الأوجب المصير إلى الآثار التي ليس فيها هذه الزيادة ، لأنها أكثر ، ولكون هذه ليست مناسبة لأفعال الصلاة ، وإنما
هي من باب الاستعانة الخ . . » [1] .
2 - إننا نلاحظ هنا : أن مالكاً ملتزم بالفتوى بما عليه أهل المدينة ، فلو كان التكتف من عملهم لالتزم به فتوى وعملاً . . مع العلم بأن المدينة كانت مهاجر رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، وموضع سكنى الصحابة ، وأبنائهم وأحفادهم ، ولم يمض بعد على وفاة رسول الله « صلى الله عليه وآله » سوى ما يزيد على القرن من الزمن بقليل ، فلو كان هناك تكتف لظهر في هذا البلد قبل أي بلد آخر . .
3 - إن كلام ابن رشد الآنف الذكر يعطي أيضاً : أنه قد كان ثمة أناس يأمرون الناس بالتكتف ، ويحملونهم عليه .
وهذا معناه : أن التكتف لم يكن معروفاً في الصلاة ، وإنما هو من الأمور العارضة ، التي اقتضت إصدار الأوامر ، وحث الناس عليه . .
كما أن نفس مخالفة مالك بن أنس وأتباعه في هذا الأمر ، يشير إلى أن هذا لم يكن في صلاة المسلمين ، إذ لو كان فيها ، فلماذا تركه هذا الفريق من الناس . . ولا يزال ملتزماً بتركه في صلاة الفرض إلى زماننا هذا ؟ ! بل هو من مميزات مذهبهم . .
4 - قيل : إن هذا الأمر قد استُحْدِثَ في الصلاة من زمن الخليفة الأول .
وقيل - ولعله الأظهر - : إنه استحدث في زمن الخليفة الثاني ،
فقد جاء في الأثر : أنه لما جيء بأسارى الفرس إلى عمر بن الخطاب كفَّروا أمامه ، فلما شاهدهم على تلك الهيئة استفسر عن العلة ، فأجيب بأنهم هكذا يصنعون أمام ملوكهم ، تعظيماً وإجلالاً ، فاستحسنه ، وأمر بصنعه في الصلاة ، لأنه تعالى أولى بالتعظيم . . [1] .
ولكن فقهاءنا لا يستدلون بهذه الرواية على هذا الأمر ، وإنما يذكرونها في مصنفاتهم لأجل الاستئناس بها ، وليس للاستدلال . .
وأما قولهم لكم قبل عشر سنوات ، بوجوب مخالفة الشيعة ، وإصدارهم فتوى بوجوب التكتف لمخالفة يهود أمة محمد . . فهو غريب وعجيب ، وذلك لأسباب كثيرة ، نذكر منها :
1 - إننا لم نفهم كيف يجوز مخالفة سنة رسول الله « صلى الله عليه وآله » إذا أخذت بعض الفرق المبتدعة بنظيرها . . فهل تغيَّر حكم الله تعالى بسبب هذه الموافقة ؟ !
أم أن الله تعالى قد أذن لهم بالعدول عن قول وفعل رسوله « صلى الله عليه وآله » ؟ ! أم على الله يفترون ؟ ! ولماذا اختص التغيير بهذا الحكم دون سواه ؟ !
لماذا لا يغير هؤلاء الناس حكم الصلاة والصيام والحج ، وكل حكم أخذت به الفرق الضالة بنظرهم ، فيتركون ذلك كله ؟ !
وإذا أردنا أن نستقصي الأحكام التي تأخذ بها الفرق التي لا
يحبها هؤلاء الناس ، ونأخذ بخلافها ، فذلك يعني أن نتخلى عن معظم أحكام الدين إن لم يكن عن جميعها ، ولا سيما مع كثرة الفرق التي يحكم عليها هؤلاء بالضلال والانحراف ، وذلك يؤدي إلى الخروج من دين الإسلام إلى دين جديد يناقضه . .
3 - لماذا استفاق هؤلاء الناس على هذا الأمر قبل عشر سنوات فقط ، فإن الشيعة كانوا منذ مئات السنين وإلى يومنا هذا ، وسيبقون إلى يوم القيامة ملتزمين بإسبال اليدين . فلماذا لم يلاحظ ذلك الإمام مالك بن أنس نفسه ، ويحكم بلزوم مخالفة الشيعة في هذا الأمر ؟ ! وقد كان يعرف الشيعة معرفة تامة ، وقد أخذ هو نفسه عن الإمام جعفر الصادق « عليه السلام » وكان معاصراً له . .
4 - إننا نلاحظ : أن هذا الداء قد بدأ يستشري ويتسع . . وينذر بخطر أكيد ، لأن بناءه لم يقم على تقوى من الله تعالى ، بل قام على التعصب البغيض ، وعلى قصر نظر ، وقلة تدبر ، وعلى الاستخفاف بسنة رسول الله « صلى الله عليه وآله » .
ومن نظائر هذا الأمر تلك الموارد التي أشار إليها العلامة السيد عبد الرزاق رحمه الله [1] ، فقد ذكر ما يلي :
1 - إن الشيخ إسماعيل البروسوي ذكر : أن السنة في الأصل التختم في اليمين ، ولما كان ذلك شعار أهل البدعة ، والظلمة ، صارت
السنة : أن يجعل الخاتم في خنصر اليد اليسرى في زماننا [1] .
2 - وذكروا : أن السنة تسطيح القبور ، ولما صار شعار الرافضة كان الأولى مخالفتهم إلى التسنيم [2] .
3 - الصلاة على أهل البيت مستقلة قال الزمخشري : إنه مكروه ، لأنه يؤدي إلى الاتهام بالرفض . وقد قال « صلى الله عليه وآله » : « لا تقفن مواقف التهم » [3] .
قال ابن حجر في فتح الباري - باب هل يصلى على غير النبي - : اختلف في السلام على غير الأنبياء ، بعد الاتفاق على مشروعيته في تحية الحي ، فقيل : يشرع مطلقاً ، وقيل : تبعاً ، ولا يفرد لواحد ، لكونه صار شعاراً للرافضة [4] .
4 - قال الزرقاني : كان بعض أهل العلم يرخي العذبة من قدام من الجانب الأيسر ، ولم أر ما يدل على تعيين الأيمن إلا في حديث
ضعيف عند الطبراني ، ولما صار شعاراً للإمامية ينبغي تجنبه ، لترك التشبه بهم [1] .
وعلى هذه فقس ما سواها . .
والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين . .