logo-img
السیاسات و الشروط
- العراق
منذ 4 سنوات

إسبال اليدين في الصلاة

بسم الله الرحمن الرحيم سماحة السيد ( الشريف ) جعفر مرتضى . . السلام عليكم ورحمة من الله وبركاته . . أنا من أتباع المذهب المالكي ، ونحن نسبل أيدينا في الصلاة ولكن من فترة عشر سنوات ، قالوا لنا : « إننا يجب أن نخالف الشيعة في هذه الطريقة » . . وأصدروا فتوى بوجوب التكتف لمخالفة يهود أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، أرجو المعذرة . . يعنون بذلك الشيعة ، فما هو الصحيح ؟ وهل أن التكفير هو بدعة من صنع عمر بن الخطاب كما سمعت من البعض ؟ وهل هناك دليل على ذلك ؟ ولكم الأجر والثواب . ..


بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله , والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . . فإن فقهاء المذاهب الأربعة اختلفوا في أمر التكتف في الصلاة ، وقد بيَّن ابن رشد ( الحفيد ) هذا الاختلاف وأسبابه ، فقال : « اختلف العلماء في وضع اليدين ، إحداهما على الأخرى في الصلاة ، فكره ذلك مالك في الفرض ، وأجازه في النفل . . وروى قوم : أن هذا الفعل من سنن الصلاة ، وهم الجمهور . . والسبب في اختلافهم : أنه قد جاءت آثار ثابتة ، نقلت فيها صفة صلاته عليه الصلاة والسلام ، ولم ينقل فيها : أنه كان يضع يده اليمنى على اليسرى . . وثبت أيضاً : أن الناس كانوا يؤمرون بذلك . وورد ذلك أيضاً من صفة صلاته عليه الصلاة والسلام في حديث أبي حميد . فرأى قوم : أن الآثار التي أثبتت ذلك اقتضت زيادة على الآثار التي لم تنقل فيها هذه الزيادة ، وأن الزيادة يجب أن يصار إليها . ورأى قوم : أن الأوجب المصير إلى الآثار التي ليس فيها هذه الزيادة ، لأنها أكثر ، ولكون هذه ليست مناسبة لأفعال الصلاة ، وإنما هي من باب الاستعانة الخ . . » [1] . 2 - إننا نلاحظ هنا : أن مالكاً ملتزم بالفتوى بما عليه أهل المدينة ، فلو كان التكتف من عملهم لالتزم به فتوى وعملاً . . مع العلم بأن المدينة كانت مهاجر رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، وموضع سكنى الصحابة ، وأبنائهم وأحفادهم ، ولم يمض بعد على وفاة رسول الله « صلى الله عليه وآله » سوى ما يزيد على القرن من الزمن بقليل ، فلو كان هناك تكتف لظهر في هذا البلد قبل أي بلد آخر . . 3 - إن كلام ابن رشد الآنف الذكر يعطي أيضاً : أنه قد كان ثمة أناس يأمرون الناس بالتكتف ، ويحملونهم عليه . وهذا معناه : أن التكتف لم يكن معروفاً في الصلاة ، وإنما هو من الأمور العارضة ، التي اقتضت إصدار الأوامر ، وحث الناس عليه . . كما أن نفس مخالفة مالك بن أنس وأتباعه في هذا الأمر ، يشير إلى أن هذا لم يكن في صلاة المسلمين ، إذ لو كان فيها ، فلماذا تركه هذا الفريق من الناس . . ولا يزال ملتزماً بتركه في صلاة الفرض إلى زماننا هذا ؟ ! بل هو من مميزات مذهبهم . . 4 - قيل : إن هذا الأمر قد استُحْدِثَ في الصلاة من زمن الخليفة الأول . وقيل - ولعله الأظهر - : إنه استحدث في زمن الخليفة الثاني ، فقد جاء في الأثر : أنه لما جيء بأسارى الفرس إلى عمر بن الخطاب كفَّروا أمامه ، فلما شاهدهم على تلك الهيئة استفسر عن العلة ، فأجيب بأنهم هكذا يصنعون أمام ملوكهم ، تعظيماً وإجلالاً ، فاستحسنه ، وأمر بصنعه في الصلاة ، لأنه تعالى أولى بالتعظيم . . [1] . ولكن فقهاءنا لا يستدلون بهذه الرواية على هذا الأمر ، وإنما يذكرونها في مصنفاتهم لأجل الاستئناس بها ، وليس للاستدلال . . وأما قولهم لكم قبل عشر سنوات ، بوجوب مخالفة الشيعة ، وإصدارهم فتوى بوجوب التكتف لمخالفة يهود أمة محمد . . فهو غريب وعجيب ، وذلك لأسباب كثيرة ، نذكر منها : 1 - إننا لم نفهم كيف يجوز مخالفة سنة رسول الله « صلى الله عليه وآله » إذا أخذت بعض الفرق المبتدعة بنظيرها . . فهل تغيَّر حكم الله تعالى بسبب هذه الموافقة ؟ ! أم أن الله تعالى قد أذن لهم بالعدول عن قول وفعل رسوله « صلى الله عليه وآله » ؟ ! أم على الله يفترون ؟ ! ولماذا اختص التغيير بهذا الحكم دون سواه ؟ ! لماذا لا يغير هؤلاء الناس حكم الصلاة والصيام والحج ، وكل حكم أخذت به الفرق الضالة بنظرهم ، فيتركون ذلك كله ؟ ! وإذا أردنا أن نستقصي الأحكام التي تأخذ بها الفرق التي لا يحبها هؤلاء الناس ، ونأخذ بخلافها ، فذلك يعني أن نتخلى عن معظم أحكام الدين إن لم يكن عن جميعها ، ولا سيما مع كثرة الفرق التي يحكم عليها هؤلاء بالضلال والانحراف ، وذلك يؤدي إلى الخروج من دين الإسلام إلى دين جديد يناقضه . . 3 - لماذا استفاق هؤلاء الناس على هذا الأمر قبل عشر سنوات فقط ، فإن الشيعة كانوا منذ مئات السنين وإلى يومنا هذا ، وسيبقون إلى يوم القيامة ملتزمين بإسبال اليدين . فلماذا لم يلاحظ ذلك الإمام مالك بن أنس نفسه ، ويحكم بلزوم مخالفة الشيعة في هذا الأمر ؟ ! وقد كان يعرف الشيعة معرفة تامة ، وقد أخذ هو نفسه عن الإمام جعفر الصادق « عليه السلام » وكان معاصراً له . . 4 - إننا نلاحظ : أن هذا الداء قد بدأ يستشري ويتسع . . وينذر بخطر أكيد ، لأن بناءه لم يقم على تقوى من الله تعالى ، بل قام على التعصب البغيض ، وعلى قصر نظر ، وقلة تدبر ، وعلى الاستخفاف بسنة رسول الله « صلى الله عليه وآله » . ومن نظائر هذا الأمر تلك الموارد التي أشار إليها العلامة السيد عبد الرزاق رحمه الله [1] ، فقد ذكر ما يلي : 1 - إن الشيخ إسماعيل البروسوي ذكر : أن السنة في الأصل التختم في اليمين ، ولما كان ذلك شعار أهل البدعة ، والظلمة ، صارت السنة : أن يجعل الخاتم في خنصر اليد اليسرى في زماننا [1] . 2 - وذكروا : أن السنة تسطيح القبور ، ولما صار شعار الرافضة كان الأولى مخالفتهم إلى التسنيم [2] . 3 - الصلاة على أهل البيت مستقلة قال الزمخشري : إنه مكروه ، لأنه يؤدي إلى الاتهام بالرفض . وقد قال « صلى الله عليه وآله » : « لا تقفن مواقف التهم » [3] . قال ابن حجر في فتح الباري - باب هل يصلى على غير النبي - : اختلف في السلام على غير الأنبياء ، بعد الاتفاق على مشروعيته في تحية الحي ، فقيل : يشرع مطلقاً ، وقيل : تبعاً ، ولا يفرد لواحد ، لكونه صار شعاراً للرافضة [4] . 4 - قال الزرقاني : كان بعض أهل العلم يرخي العذبة من قدام من الجانب الأيسر ، ولم أر ما يدل على تعيين الأيمن إلا في حديث ضعيف عند الطبراني ، ولما صار شعاراً للإمامية ينبغي تجنبه ، لترك التشبه بهم [1] . وعلى هذه فقس ما سواها . . والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين . .

2