- العراق
منذ سنتين

سهو الإمام في حديث الإمام الرضا « عليه السلام »

بسم الله الرحمن الرحيم سماحة العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي حفظكم الله ورعاكم . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . في مطالعتي لكتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام . . وجدت هذه الرواية في باب علامات الإمام بالجزء الأول من المجلد ، فيها إثبات السهو والنسيان للإمام « عليه السلام » : وفي حديث آخر : أن الإمام مؤيد بروح القدس وبينه وبين الله عمود من نور يرى فيه أعمال العباد وكلما احتاج إليه لدلالة اطلع عليه ويبسطه فيعلم ويقبض عنه فلا يعلم والإمام يولد ويلد ويصح ويمرض ويأكل ويشرب ويبول ويتغوط وينكح وينام وينسى ويسهو ويفرح ويحزن ويضحك ويبكي ويحيى ويموت ويقبر ويزار ويحشر ويوقف ويعرض ويسأل ويثاب ويكرم ويشفع ودلالته في خصلتين في العلم واستجابة الدعوة وكل ما أخبر به من الحوادث التي تحدث قبل كونها فذلك بعهد معهود إليه من رسول الله « صلى الله عليه وآله » توارثه وعن آبائه عنه « عليه السلام » ويكون ذلك مما عهد إليه جبرئيل « عليه السلام » من علام الغيوب عز وجل وجميع الأئمة الأحد عشر بعد النبي « صلى الله عليه وآله » قتلوا منهم بالسيف وهو أمير المؤمنين والحسين « عليهما السلام » . فما هو شرح هذه العبارات , بالرغم من أن لها احتمالين . . وهل هي غير مسندة , أو أن لها أسناداً نفس أسناد الرواية التي سبقتها ؟ هل هناك روايات عن أهل البيت المعصومين عليهم السلام فيها نفي السهو والنسيان عن المعصوم عليه السلام ؟


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . . فقد قال الله عز وجل في كتابه الكريم : * ( وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلَا اُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً ، أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً ) * [1] . وقال : * ( وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً ) * [2] . وقال تبارك وتعالى : * ( وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً ، أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً ، أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأتِيَ بِاللهِ وَالمَلائِكَةِ قَبِيلاً ، أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً ) * [3] . فهذه الآيات الكريمة تعرفنا : أن ما كان يريده المشركون والجاحدون هو أن يعطوا للرسول هالة , وحالة تخرجه عن مستوى البشرية ، وتعطيه قدرات ، وصفات ، وميزات ليست للبشر . . فإذا كان البشر يأكلون ويمشون في الأسواق ، وإذا كانوا يولدون ، وإذا كانوا ينامون ، ويضحكون ويبكون ، ويفرحون ويحزنون ، ويتألمون ويموتون ويقبرون ، فإن النبي والإمام من سنخ آخر ، ومن عالم مختلف تماماً عن سنخ وعالم البشر . . وإذا صدَّق الناس مقولتهم هذه ، فإنه سيصبح من السهل تكذيب رسل الله تبارك وتعالى ، ورد دعوتهم ، وشل حركتهم . ولم يزل الله تبارك وتعالى ، وكذلك نبيه الكريم « صلى الله عليه وآله » والأئمة الطاهرون صلوات الله عليهم أجمعين يؤكدون على خطأ هذا الاعتقاد ، وعلى أنهم عليهم الصلاة والسلام بشر بكل ما لهذه الكلمة من معنى . وهذا الحديث الذي ذكرتموه آنفاً ، إنما يريد أن يؤكد هذه الحقيقة التي أكدت عليها الآيات الكريمة ، ويقرر نفس مضمونها ، فإن الإمام والنبي بشر مخلوقون لله تبارك وتعالى . . ولهم صفات البشر وحالاتهم وتقلباتهم ، إذ إن مقامهم الذي جعله الله تعالى لهم لا يخرجهم عن ذلك . . فهم في أنفسهم يسهون وينسون ، فإن اختاروا عصمة أنفسهم عن السهو والنسيان ، وبذلوا جهداً في هذا السبيل ، كان لهم ما أرادوه ، وإن اختاروا طريق التسويف والإهمال ، أو الإعراض فاتهم ذلك ، ولم يصلوا إلى شيء . بل إنهم حتى فيما يرتبط بهبات الله تعالى لهم ، ولطفه بهم في نطاق ما يكشف لهم بواسطة العمود النوري الذي يريهم أعمال الخلائق ، ويمنحهم العلوم والمعارف التي يريدونها ، فإن ذلك لا يخرجهم عن دائرة الهيمنة الإلهية ، والتصرف الربوبي ، فهو الذي يمنح النبي والوصي المعرفة ، وهو الذي يحجبها عنه ، وليس له أي خيار أو اختيار خارج دائرة الرضا الإلهي ، واللطف الرباني . والخلاصة : أن الرسول والإمام هما من البشر ، ولهما الصفات الثابتة لسائر الناس في أصل خلقتهم ، حسبما فصلته الرواية المذكورة في السؤال . ولكن هذه الصفات على نوعين : أحدهما : ما لا خيار ولا اختيار للإنسان فيه ، ككونه يولد ، ويجوع ، ويتألم ، ويفرح ، ويحزن الخ . . والآخر : ما له فيه الخيار ، ويمكنه أن يؤثر فيه من خلال إرادته وعمله . . مثل علمه وجهله ، وسهوه ونسيانه ، فإن بإمكانه أن يعلم ، ولا يجهل ، وأن يتذكر ولا ينسى ، وأن يلتفت ولا يسهو . . مع الإشارة إلى أن كون هذا القسم باختياره ؛ لا يخرجه عن إرادة الله سبحانه أيضاً . . فيمكن أن يحجب تعالى عنه ما يريد علمه . . وأن ينسيه ما يريد تذكره ، وأن يسهيه ، حتى حين يريد أن يكون متيقظاً ملتفتاً ، فإن إرادته تعالى تبقى هي الغالبة والمسيطرة ، وتبقى قدرة الإنسان وإرادته خاضعة لها . وتحت سيطرتها . وهذا بالذات هو ما ترمي إليه الرواية المباركة . . وليس فيها ما يوجب الإشكال ، ولا ضرورة للبحث في سندها . كما هو ظاهر . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .

1