بسم الله الرحمن الرحيم سماحة العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
قال السيوري في شرحه على شرح الباب الحادي عشر ص 22 بعد أن ذكر موضوع التقليد في الأصول :
أقول : لما وجبت المعارف المذكورة بالدليل السابق اقتضى ذلك وجوبها على كل مسلم ، أي مقر بالشهادتين ، ليصير بالمعرفة مؤمناً لقوله تعالى : * ( قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ) * ، نفى عنهم الإيمان مع كونهم مقرين بالإلهية والرسالة لعدم كون ذلك بالنظر والاستدلال ، وحيث إن الثواب مشروط بالإيمان كان الجاهل بهذه المعارف مستحقاً للعقاب الدائم ، لأن كل من لا يستحق الثواب أصلاً مع اتصافه بشرائط التكليف ، فهو مستحق للعقاب بالإجماع .
فما هو قولكم في موضوع عقائد العامة من الناس في أصول الدين ، حيث إنهم يأخذون الأمور بدون الالتفات إلى موضوع أنهم
مقلدون أصلاً ، وأنه لا يجوز التقليد فيها ؟ !
وإن كان الاعتقاد بالأصول يحتاج إلى إعمال نظر فهل يكفي قول الناس نحن نؤمن بما آمن به محمد وآل محمد ، أليس هذا من التقليد ؟ ! .
وهل الاطمينان يعتبر طريقاً ثالثاً في الاعتقاد بأصول الدين ، وهل هو مقبول .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
أولاً : يمكن المناقشة في استدلال الفاضل المقداد السيوري « رحمه الله » بالآية المباركة : * ( قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا . . ) * [1] . بأن معنى الآية لا ينحصر بما ذكر .
بل الظاهر هو : أنها ناظرة إلى نحو آخر ؛ لأن الدلائل والمعجزات ، والآيات البينات ، وإن كانت قد ظهرت لكثير من هؤلاء الأعراب ، ولكثير من أهل مكة الذين أظهروا الإسلام يوم الفتح ، إلا أنهم إنما فعلوا ذلك خوفاً أو طمعاً ، ولكنهم لم يعقدوا قلوبهم على ما أظهروه عناداً منهم وكيداً . ..
ومن الواضح : أنه إذا لم تذعن قلوبهم لما أقرت به عقولهم ، وأسروا الكفر ، وأظهروا الإقرار اللساني بالإسلام ، فيصح أن يقال لهم : * ( لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا . . ) * .
فمشركو مكة ، قد حشدوا ضد الإسلام ، وكابروا واستكبروا برهة من الزمان ، رغم أنهم كانوا يرون الآيات البينات ، والدلائل الباهرات ، والكرامات والمعجزات على صدق النبي « صلى الله عليه وآله » ، وعلى بطلان عبادة الأصنام ، ثم لما جاءهم ما لا قبل لهم به أظهروا الإسلام ، وأبطنوا الكفر ، وصار « صلى الله عليه وآله » يتألفهم على الإسلام .
ثانياً : إن الاعتقادات إن كانت من الأصول ، التي تطلب على كل حال . مثل التوحيد ، والنبوة ، والعدل الخ . .
فالمشهور أنها تحتاج إلى نظر واستدلال ، ولا يكفي التقليد فيها .
وهناك من يقول : إن ذلك لا دليل عليه ، بل المطلوب هو اليقين والاعتقاد بها حتى لو حصل ذلك من التقليد كما هو الحال بالنسبة لكثير من الناس . . إذ لو لم يكن ذلك يكفي للزم الحكم بكفر أكثر أهل البوادي ، وكثير من غيرهم . .
وفي جميع الأحوال نقول : ليس المطلوب هو الأدلة التفصيلية ، بل يكفي في الاستدلال على وجود الله تعالى ، ما هو من قبيل قولهم : الأثر يدل على المؤثر .
أو كما في قول آخر : البعرة تدل على البعير ، وأثر الأقدام يدل على المسير ، أفسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، أفلا تدلان على
اللطيف الخبير ؟ !
وكذلك الحال : بالنسبة لاستدلال تلك المرأة على وجود الله بالمغزل الذي كانت تحركه بيدها . فإن الكون يحتاج إلى من يحركه ، كما تحرك هي مغزلها بيدها .
هذا ويكفي العلم بإخبار النبي « صلى الله عليه وآله » لإثبات المعاد والجنة والنار ، وكذلك الحال بالنسبة لإثبات الإمامة . .
وأما سائر الاعتقادات التي ليست من الأصول ، من قبيل الاعتقاد بالشفاعة ، وبحساب القبر ، وبكثير من التفاصيل وغيرها ، فيكفي فيها التقليد أو الاعتقاد الإجمالي ، إن لم تكن من بديهيات الإسلام وضرورياته ، كأن يقول الإنسان : أؤمن بما آمن به محمد وآل محمد ، وقد دلت بعض الروايات على ذلك .
وقد جرت عادة الشيعة على عرض دينهم على أئمتهم ، فقد :
1 - عرض عبد العظيم الحسني دينه على الإمام الهادي « عليه السلام » [1] .
2 - وعرض ابن أبي يعفور دينه على الإمام الصادق « عليه السلام » [2] .
3 - وعرض إبراهيم المخارقي دينه على الإمام الصادق « عليه السلام » [1] .
4 - وكذلك عمرو بن حريث [2] .
5 - وخالد بن حريث [3] .
6 - ويوسف [4] ، وقد احتمل الحائري كونه يوسف بن إبراهيم ، أبا داود [5] .
7 - والحسن بن زياد العطار [6] .
ونعود لتوضيح ما تقدم على النحو التالي :
اختلفوا في جواز التقليد في أصول الدين ، والمشهور المعروف من مذهب الأصحاب هو عدم الجواز .
وقال المحقق الطوسي بالجواز .
وذهب بعضهم إلى حرمة كما ذكره المحقق [7] .
وفصَّل بعضهم بين ما إذا كان عدم الاستدلال والبحث يوجب الضلال ، فيحرم التقليد ويجب الاستدلال ، وما إذا كان البحث والنظر يوجب الضلال ، فيجب التقليد .
وذهب الشيخ الأنصاري ، وصاحب القوانين : إلى أن المطلوب هو اليقين ، حتى وإن حصل من التقليد .
ومحل الكلام هنا : إنما هو في أصول الدين التي لا يعذر أحد بجهلها ، وهي التي يتوقف عليها الدين نفسه .
أما سائر المعارف الاعتقادية ، فيجوز التقليد فيها ، بمعنى أنه يكفي أن تؤخذ من العالم الخبير والمأمون فيها ، لمن لا يتمكن من تحصيل العلم بها أو لا يلتفت إلى لزوم ذلك .
غير أننا نقول : إنه لا دليل من العقل ولا من النصوص الشرعية يدل على لزوم الاستدلال ، أو يجعله شرطاً لتحقق الإيمان وقبول الأعمال ، والقول بلزوم ذلك يؤدي إلى تكفير أكثر الناس ، لأن غالب سكان البوادي ، وخصوصاً النساء منهم ، وكثير من غيرهم ، لا يقدرون على إثبات عقائدهم ، كالتوحيد ، والنبوة ، ومباحثهما ، بالدليل والبرهان .
إلا أن يقال : إن ذلك لا يعفيهم من النظر والاستدلال . . فيجب عليهم ذلك ، ولكن دليل كل إنسان بحسبه ، فدليل الفيلسوف أعمق وأدق من دليل الإنسان العادي المثقف ، ودليل هذا المثقف أرقى من دليل المرأة الساذجة العادية ، والأعرابي الجاهل .
إذ يكتفى من أمثال هؤلاء ، ولو بمثل الاستدلال بتحريك المغزل
بيد المرأة للتدليل على لزوم وجود راع لهذا الكون المتقلب والمتحرك حسب ما أسلفنا .
وأما بالنسبة لتقليد عوام أهل الكتاب لأحبارهم ورهبانهم ، وكذلك العوام من سائر الملل والنحل ، فإن كان ذلك لقصور منهم ، فذلك يوجب معذوريتهم في ما هم فيه ، لأن الذي يعاقب ليس هو مطلق الجاهل ، بل هو الجاهل المتمرد المعاند ، أو المقصر واللامبالي بالحق .
لكن ذلك إنما هو في غير مسألة وجود الصانع ، إذ قد دلت الأحاديث على أن الله تعالى قد هيأ للبشر سبيل معرفته تعالى . فلا يمكن أن يدَّعي أحد أنه لا يدرك وجود الله تعالى .
والحديث الذي يقول : كل مولود يولد على الفطرة ، إلا أن أبويه يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه [1] ناظر إلى ذلك .
وأما آيات ذم التقليد للآباء . . فهي ناظرة إلى أولئك الذين يقدرون على النظر والاستدلال ، وقد جاءتهم الآيات والبينات الموجبة لقطع عذرهم ، ثم يصرون على الأخذ بما عليه آباؤهم ، فإنهم حتى لو كانوا غافلين ، وأوجب لهم تقليدهم لآبائهم اليقين ، لكنهم بعد بعثة الأنبياء « عليهم السلام » ، ورؤيتهم معجزاتهم . قد زال يقينهم ، وأصبح تمسكهم بما عليه الآباء ناشئاً عن التعصب والعناد والمكابرة . فلذلك ذمهم الله تعالى ، وقبح فعلهم هذا .
وأما الحديث عن الاطمئنان ، فهو كلام غير دقيق ، ويعلم وهنه بالمراجعة إلى الكتب الكلامية .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .