- العراق
منذ سنتين

حديث النفس

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله أجمعين . إلى حضرة آية الله العظمى السيد العلامة جعفر العاملي حفظه الله وأدام ظله . . لدي سؤال لطالما حيرني كثيراً وأتعبني أكثر وهو يراودني لأكثر من سنتين . وكلما أحاول أن أمتنع عن التفكير به وأستغفر الله كثيراً لا أستطيع ذلك لذا أنا أطمع وأرجو من سماحتكم حفظكم الله وأدام ظلكم الإجابة على أسئلتي علماً أنني مصابة بمرض السرطان ( أبعدكم الله عنه وحفظكم الله من كل سوء ) وأنا غير مهتمة بهذا المرض بقدر اهتمامي بالإجابة على سؤالي وأخاف أن أموت ولا يغفر الله تعالى لي وقد قال الله تعالى : * ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) * [1] فكيف لا أسأل وأهل الذكر هم من أهل بيت نبينا محمد الطاهرين ‹ صلى الله عليه وآله › وحجج الله . فجزاكم الله ألف خير عنا يا أهل البيت الطاهرين ومشكلتي تبدأ عندما أقول ‹ لا إله إلا الله › أسمع صوت في داخلي يقول : إنه يوجد إله آخر لكنه لا يشارك الله في ملكه ( أي السبع سماوات والسبع أراضين ولا في خلقهما ولا في التدبير ولا في الأمر ) بل يكون لكل منهما كونه الخاص به المستقل عن الآخر ولكل منهما مخلوقاته الخاصة به . وعندما أقول له : ليس لله شبيه وذلك لقوله تعالى : * ( لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) * [2] . يقول لي : هذا صحيح ، ولكن هذا الكلام - أي عدم وجود كفوٍ لله فقط في الماضي لأن حرف ( لم ) إذا دخل على الفعل المضارع أحاله إلى ماضٍ فهل هذا الكلام صحيح ؟ وإذا كان كذلك فهل يقصد به الماضي القريب أم البعيد ؟ أم ممكن أن يقصد به الماضي والمضارع والمستقبل ؟ وهل لفظة ( كفواً ) تعني المماثلة والمساواة ؟ أم معناها فقط المساواة ؟ لأن المساواة هي غير المماثلة . فعندما نقول : لا يتساويان في القوة - مثلاً - فإننا لا ننفي نفياً قاطعاً وجود القوة في كليهما . بل نقول : إن أحدهما أقوى نسبياً من الآخر . وسؤالي الثاني : يتعلق بنفي افتراض إله آخر ، يفرض مستقلاً عن هذا العالم تماماً ( أي يكون لكل من الإلهين - مثلاً - كونه الخاص به أي يكون لله ملكه وهو السبع سماوات والسبع أراضين ويكون للإله الآخر ملك ليس بملك الله فلا يشتركان لا في الملك ولا في الخلق ولا في التدبير ) فقد وجدت في كتب قرأتها أن الإلهين إما أن يتماثلا في كل الجهات فلا يميَّز أحدهما عن الآخر فلا يتم التعدد وإما يتماثلا في بعض الجهات ويتباينا في بعض فيلزم التركيب فما معنى التركيب هنا ؟ وما معنى أن يتماثلا في بعض الجهات ؟ ماذا يقصد بالجهات ؟ وفي القول : أو يتباينا كلياً فيتناقضان في الأثر فيفسد بذلك العالم فكيف يختلفان في والأثر لكل واحد من هذين الإلهين عالمه الخاص به أي أنهما غير مشتركين في نفس العالم أو الكون فكيف يفسد العالم وهما غير مشتركين في نفس العالم وكيف يحدث التناقض هنا في الأثر ؟ - وأنا قرأت أيضا استحالة تركب واجب الوجود للزوم حاجة كل جزء إلى الآخر أو قل حاجة الكل إلى أجزائه وأن الذات الإلهية غير مركبة من أجزاء بالفعل والقوة ولكنني لم أفهم معنى هذا القول لذا أرجو من سماحتكم أن تبسطوا لي هذا المعنى بإعطاء مثل بسيط جداً لكي أفهمه . - وكذلك القول بأن الله هو الوجود المطلق فهل معنى ذلك أن وجود الله لا ينحصر فقط في السبع سماوات والسبع أراضين أي في الكون الذي خلقه فقط أي أن فكرة وجود إله آخر مع الله غير صحيحة لأنه بذلك سوف يستلزم أن يتداخل وجود الله مع وجود ذلك الإله الآخر . فبذلك لا يكون له شبيه من جنسه ولا في نوعه أزلاً أبداً . . أرجوك ، أرجوك ، يا سماحة السيد العظيم يا بن الأبرار الأشراف الطاهرين أن تجيبني على أسئلتي لأنني جداً محتاجة إلى إجابتكم لأنني لا أثق بأحد إلا بكم أهل البيت الطاهرين . . وفرِّحني بإجابتك فرَّحك الله في الدنيا والآخرة إن شاء الله تعالى . وأرجو من سماحتك أن تسامحني وتعذرني لأنني قد سببت لكم إزعاجاً وأنا آسفة جداً جداً على ذلك . . وجزاكم الله ألف خير . . إن شاء الله تعالى وجعلها في ميزان حسناتك إنه سميع مجيب . والسلام عليكم يا أهل البيت الطاهرين ورحمة الله عليكم وبركاته . .


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . . 1 - فإن كاتبة الرسالة ، قد بدأت كلامها في رسالتها ، باستخدام توصيف آية الله العظمى . وأحب أن أؤكد لكم على أنني مجرد عبد من عبيد الله ، نسأله تعالى أن يتفضل علي بعفوه ، وأن يسددني وإياكم لكل خير وصلاح ، ونجاح وفلاح في الدنيا والآخرة . 2 - إنني إذ أدعو الله عز وجل لمن كتب هذه الرسالة بالشفاء العاجل ، بحق الزهراء وأبيها ، وبعلها وبنيها ، صلوات وسلامه عليهم أجمعين . وأحب أن أؤكد على حقيقة أن أهل الذكر الذين أمرنا الله بالرجوع إليهم ، هم أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، الأئمة الطيبون الطاهرون ، حشرنا الله معهم ، وأنالنا بركات شفاعتهم ، بحقهم عليه ، وبحقه عليهم صلوات الله عليهم أجمعين . 3 - إن هذا الصوت الذي يأتي من الداخل ، هو من وسوسات الشيطان ، لزعزعة اليقين بالله . . فلا بد من إهمالها وصرف النفس عنها . وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام ، أنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : يا رسول الله هلكت . فقال له : أتاك الخبيث فقال لك من خلقك ؟ . فقلت : الله . فقال لك : الله من خلقه ؟ ! فقال : إي والذي بعثك بالحق لكان كذا . فقال رسول الله ‹ صلى الله عليه وآله › : ذاك والله محض الإيمان . وعن الإمام الصادق عليه السلام : ‹ إنما عنى بقوله : ذاك محض الإيمان › : خوفه من أن يكون قد هلك ، حيث عرض له ذلك في قلبه . 4 - إن وجود إله آخر مستقل لا يشارك الله في ملكه ، يقتضي أن يكون لكل إله مكان يختص به ، وجهة يكون فيها ، فكيف يكون إلهاً ، ويحتاج إلى مكان ، ويكون في جهة ، وأن يكون متناهياً ، وأن يكون له ما به الامتياز عن الإله الآخر . كل ذلك يتنافى مع كونه واجب الوجود بالذات ، أي أنه يتنافى مع ألوهيته وصفاته . 5 - أما قوله تعالى : * ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) * فإن النفي فيه وإن كان بواسطة ‹ لم › ، لكن النفي ليس لوقوع ذلك أو حدوثه لكي يقال : إنها إنما تنفي وقوع ذلك في الماضي ، بل النفي فيها مستند إلى حيثية كونه تعالى صمداً ، والصمدية على الإطلاق تعني الغنى والاستقلال بالذات ، فإن كل من عداه محتاج إليه . فالذي يحتاج إلى غيره في كل شيء كيف يكون كفؤاً لمن يحتاج إليه في كل شيء ، فعدم وجود الكفؤ له قد جاء ليبين استحالة ذلك ، بملاحظة حقيقة الألوهية من حيث كونه تعالى صمداً . يضاف إلى ذلك ، أن الله تعالى فوق الزمان والمكان ، وهو خالقهما ، فإذا ثبتت له صفة من الصفات ، فإنما تثبت له منسلخة عن معنى الزمان . 6 - والمراد بالكفؤ العدل . أي ليس له تعالى كفؤ يعدله في ذلك فيكون واجب الوجود ، ولا في فعله فيكون خالقاً مدبراً ، عالماً بكل شيء . . وقد قلنا : إن نفي الكفؤ هو لأجل استحالة ذلك ، من حيث كونه تعالى صمداً . 7 - إنهم قد صرحوا بأنه لم يقل أحد من الملِّيين ، ولا من غيرهم ، بتعدد واجب الوجود عز اسمه ، ولكنهم يقولون بتعدد الرب والمعبود ، والمدبر . وذلك لأن واجب الوجود هو عين الوجود الذي لا ماهية له ، ولا جزء عدمي فيه ، فهو صرف الوجود ، وصرف الشيء واحد لا تعدد فيه ، فإذا فرض تعدده وكان وجوب الوجود هو القاسم المشترك بين الآحاد فلا بد من وجود مائز بين الآحاد ، والمائز هو خصوصية داخلة في ذات كل واحد ، ولا توجد في غيره ، فيصير مركباً من واجب الوجود ، ومن الخصوصية ، وهذا ينافي صرافته ، فيلزم أن لا يكون هو واجب الوجود . وأما إذا فرض أن إلهين يشتركان في وجوب الوجود ، وفي العلية لكل شيء ، وفي جميع الحالات والخصوصيات ، والصفات التي يصح وصف الإله بها [1] ، فإن ذلك معناه : أنه لا تعدد في واجب الوجود ، إذ لا مائز بين وجودين ، بل هو واجب وجود واحد ، بكل ما لهذه الكلمة من معنى ، وإن فرض أنهما متباينين في كل شيء ، حتى في وجوب الوجود ، فإن دعوى تعدد واجب الوجود تكون باطلة ، لأن أحدهما ليس كذلك ، لأن المفروض أنه يباينه ، ويناقضه . 8 - وأما الحديث عن وجود عالمين منفصلين ، يدبر كل واحد منهما إله خاص به ، فقد ذكرنا جوابه في الفقرة رقم [ 4 ] ، حيث قلنا : إن هذا الفرض يستبطن المحدودية لكل إله ، وأنه عاجز عن التصرف في العالم الآخر ، ويستبطن احتياج كل منهما إلى ما يميزه عن الآخر ، فيصير مركباً من الوجود الواجب ، ومن خصوصية أخرى ، يكون بها امتيازه عن الإله الآخر . 9 - وأما التناقض في الأثر حين يكون هناك إلهان متباينان في كل شيء ، فالمقصود به تصرف الإلهين في عالم الوجود المحدث كله ، وليس ناظراً إلى فرض وجود عالمين مستقلين ، لأن هذا الفرض لا مجال لتوهمه عند أحد من الناس ، بل هم يتكلمون عن كل العوالم الموجودة . فإذا فرض وجود إله آخر متصرف في أي واحد منها ، فإن حجبه عن التصرف في غيره ينافي ألوهيته ، وتصرفه في كل شيء يستلزم بطلان القول بوجود إله آخر سواه . 10 - إن هناك أجزاء حقيقية ، وأجزاء مقدارية ، والأجزاء المقدارية هي أجزاء بالقوة ، ويقصد بها كون الموجود بحيث يمكن انقسامه إلى أجزاء بالفعل ، ولو في نظر العقل . ولو كان لواجب الوجود جزء مقداري ، فإما أن يكون - على فرض تحققه - بالفعل ممكناً ، فيلزم مغايرة حقيقة الجزء المقداري لحقيقة الكل . . وأما إن يكون - على فرض تحققه - واجباً فيلزم كون الأجزاء الواجبة موجودة بالقوة ، والوجود بالقوة ينافي وجوب وجودها . وفي كلا الحالين يلزم خروج الواجب عن كونه واجب الوجود . . والحاصل : أن واجب الوجود إذا اعتبر العقل له جنساً وفصلاً ، صار مركباً من أجزاء بالقوة ، ويلزم من ذلك أن يفقد خصوصيته كونه غير متناه ، وأن لا يكون واجب الوجود . 11 - وأما معنى أن الله هو الوجود المطلق ، فهو أنه تعالى الوجود التام ، الكامل ، اللا متناهي ، المستغني عن غيره ، ولا يشوبه عدم ولا نقص . . وما عداه ، فهو ناشئ عنه ، وصادر منه ، ولا قوام له إلا به . . 12 - وأخيراً فإننا ننصح الأخت الكريمة بأن تقتصر في مطالعاتها على ما ينفعها في دنياها وآخرتها ، وعلى ما يتناسب مع مستوى ثقافتها ، ومن خلال معلم ومرشد قدير ، وخبير . فقد ورد عنهم عليهم السلام ، ما معناه : العلم كثير فخذوا منه ما أهمكم . . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .