بسم الله الرحمن الرحيم سماحة العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي حفظكم المولى . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .
نرجو منكم بيان الفرق بين الاستشهاد والانتحار ، وبيان الأدلة على جواز العمليات الاستشهادية ؟
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
فإن الله تعالى قد خلق هذا الإنسان في أحسن تقويم ، وسخر له ما في السماوات والأرض ، وعززه وكرمه ، فقال سبحانه : * ( لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ) * ( 1 ) ثم هو قد شرَّع له الكثير الكثير من الأحكام التي تدخل
في نطاق حفظ كيانه ووجوده , جسداً , وعقلاً , وروحاً , ومشاعرَ , وأحاسيسَ , وبيّن له كل ما يفيد في حفظ كرامته , وتأكيد قيمته ومكانته , وحرّم العدوان عليه أيّما تحريم , حتى لقد ورد في الأحاديث : لزوال الدنيا أهون على الله من دم سفك بغير حق [1] , بل هو منع حتى من التقطيب في وجهه , وحذّر حتى من مقاطعته في كلامه , فضلاً عمّا هو أشد وأبعد من ذلك . .
ثم إنه تعالى قد رسم له : أن أيّ تجاوز للحدود على الناس منوط بإجازته سبحانه ورضاه . . مبيّناً له مواضع هذا الرضا , وأنها هي الدفاع عن النفس , ودفع العدو المهاجم , ولكن بمقدار ما تفرضه ضرورات هذا الدفاع , فإذا كان هذا العدوان يندفع بالصيحة في وجه المتعدي , لم يجز التعدي عن ذلك إلى ضربه مثلاً . .
ثم جوّز له محاربة من يسعون في الأرض فساداً , ويهلكون الحرث والنسل , ولكن بالمقدار الذي يمنعهم ويردعهم عن ذلك , ويحفظ للحياة رونقها ، وبهجتها ، وسلامتها .
ثم جوّز القتال لدفع الظلم والاستضعاف عن الناس ، وتخليص المظلومين من أيدي جلاديهم وظالميهم , صوناً لكرامة الإنسان وحفظاً للحياة الإنسانية .
ثم , إن الجهاد دفاعاً عن النفس لا يحتاج إلى استصدار إذن من
الإمام عليه السلام ، بل الإذن فيه حاصل تلقائيّاً ، لأن فيه صيانة للنوع الإنساني , وحفظ الحياة لهم ، وإشاعة الأمن والسلام فيهم . .
وأمّا قتال الناس لأجل التسلّط عليهم , ولأجل الحصول على بعض المنافع الدنيوية ، فهو من أعظم الجرائم وأبشعها ، وأفظع الموبقات وأقبحها عند الله تعالى , وعند العقلاء .
وهو عمل فردي وأناني , يعبّر عن العجز , وعن ضيق الأفق , ويظهر سطحية النظرة , وخطل التفكير , واختلال التوازن , ويعبر عن نفس مريضة , يهيمن عليها الشعور بالخزي , والخيبة ، والاندحار القاتل واللئيم , وهو بتر وفناء ، وإعدام ، وشقاء لا سعادة معه , وفساد لا صلاح فيه . .
أما الاستشهاد في سبيل الله دفاعاً عن النفس ، والدين ، وعن المستضعفين , فما أجلّ فوائده , وأكثر بركاته وعوائده ، لأنها فوائد وعوائد تكون بحجم هذا السبيل الواسع والرحب , الذي هو بحجم الكون كله , والشامل للحياة كلها ، في الدنيا والآخرة على حد سواء .
نعم , إن شهادة الفرد في ساحات الدفاع عن النفس والشرف ، وعن الإنسان ، بقاء وخلود , وكشف وشهود , وهو أيضاً نماء وازدياد , وهبات وبركات للبشر كلهم , فإن بقية السيف أنمى عدداً ، من حيث إن هذه البقية تحفظ نفوس النوع البشري كله ، وتصونها من الهلاك , والبوار , وهي نتيجة سمو روحي ، ورؤية مستوعبة وشاملة , وانسجام حقيقي مع فلسفة الحياة , وانصهار تام مع أهدافها ومعانيها الكبرى ,
حيث يخلع الإنسان عن نفسه لباس الفردية ، والشخصانية ، والأنا ، ليصبح تعبيراً عن الحقيقة الإنسانية كلها , فيكون ضميرها الحي ، ووجدانها الرضي , الذي يعطيها معناها الأصيل , ليعمرها بإشراقته , ويثير فيها نبضات الحياة , في ظل رضا خالق الوجود وواجب البقاء والخلود . .
فلا مجال بعد هذا للمقايسة بين الانتحار والاستشهاد في سبيل الله , فأين الثّرى من الثّريّا , وأين البقاء من الفناء , وأين الحياة من الموت .
النصوص الشرعية : اتجاهات ودلالات . .
وإذا أردنا أن نعود إلى النصوص الشرعية ودلالاتها , فسوف نجد أن نفس تشريع الجهاد , والقبول بمبدأ الاستشهاد ، يدل على أن الشارع قد قبل بمبدأ التضحية بالفرد في سبيل حفظ النوع , ولكنه عوّض هذا الفرد عن خسارته الدنيوية , بما هو أعظم وأهم , وأصلح , وأتم , حين منحه مقامات القرب , والرضا الإلهي ، وغمره بالهبات والعطايا في الحياة الآخرة ، حيث لحياته قوة ورسوخاً ، سواء من حيث شدّة الحضور فيها , أم من حيث امتداداتها في العالم الآخر , الذي هو الحياة الحقيقية * ( وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) * [1] .
العمليات الاستشهادية في الدليل الشرعي :
وإذا ألقينا نظرة على الناحية الفقهية في هذا الاتجاه ، فسنجد : النصوص الشرعية وفتاوى الفقهاء تؤكد على حرمة الانتحار ، وتتوعد فاعله بالعقوبة في الآخرة . .
وأما بالنسبة للعمليات الاستشهادية ، فإن الحديث فيها تارة يكون عن تعريض الإنسان نفسه للقتل في سبيل الله ، فهذا جائز بلا إشكال . وقد حكي عن الشهيد في بعض تصانيفه : قوله : إن من الإلقاءات الجائزة المستحسنة للأنفس إلى الهلكة فعل من يعرض نفسه للقتل في سبيل الله ، إذا رأى أن في قتله بسبب ذلك عزة الإسلام [1] .
وأما أن يتولى الإنسان قتل نفسه بنفسه في جهاده ضد الأعداء ، فهذا هو محل البحث بين الفقهاء . فقد يقال بجواز ذلك ، إذا كان فيه نكاية في العدو ، وموجباً لكسر شوكته ، وإلحاق للأذى الكبير به ، وذلك استناداً إلى قواعد التزاحم ، إذا كانت هذه النكاية أهم بنظر الشارع من قتل المؤمن . بلحاظ ما يترتب عليها ، من آثار عظيمة في حفظ النوع الإنساني ، أو حفظ الدين ، أو نحو ذلك .
ولعل هناك من يستشهد لصحة هذه المقولة بما لو تترس العدو بأسرى المسلمين ، وتوقف ردع العدو والنصر على قتلهم ، فقد أجاز الفقهاء الرمي بإتجاههم حتى مع العلم بإصابتهم ، إذا كان ما يترتب على ذلك من نصر أهم بنظر الشارع . ولكنهم يقولون : إن على الرامي ،
أن لا يقصد الأسرى بالرمي ، وإن علم أنه يصيبهم . .
فإذا أجاز الشارع ذلك لأجل ردع العدو ، وتسجيل النصر العظيم عليه ، جاز للمجاهد إذا تحققت النكاية بالعدو ، وتوقف عليه النصر ، أن يتولى قتل نفسه لينتج عنه قتل عدد كبير من الأعداء .
فاقتلوا أنفسكم :
وقد يستأنس لذلك أيضاً : بما قررته بعض الآيات القرآنية ، وهي التالية :
1 - الآيات القرآنية التي تضمنت إيجاب قتل النفس ليس بواسطة الإلقاء بها في مواقع الخطر ، وإنما بواسطة الإنسان نفسه ، وهو ما أوجبه الله على بني إسرائيل لاتخاذهم العجل ، حيث أمرهم بقتل أنفسهم عقوبة لهم .
قال تعالى : * ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) * [1] .
إلا أن يقال :
أولاً : إن هذه قضية في واقعة ، ولا يمكن تسريتها إلى سائر الوقائع ، إلا بضرب من التمحل غير المقبول . إذ لعل توبة
من يتخذ العجل تحتاج إلى ذلك . .
ثانياً : إن الآية لم تحدد كيفية قتل النفس المطلوبة منهم ، وقد ذكرت الروايات أن المراد هو أن يقتل بعضهم بعضاً . .
2 - هناك آية أخرى تقول : * ( وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً ، وَإِذاً لأتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيماً ، وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً ) * [1] .
ونقول :
أولاً : إن هذه الآية ، وإن كانت تتحدث عن أصحاب رسول الله ‹ صلى الله عليه وآله › ولكن لا مجال للاعتماد عليها أيضاً لإثبات جواز قتل النفس فعلاً ، لأنها لم تطلب منهم أن يفعلوا ذلك ، بل هي قد ذكرت قضية تقديرية تعليقية ، تفيد أنهم يعصون الأوامر التي توجه إليهم ، حتى لو كان الآمر هو الله المالك لأنفسهم حين يأمرهم بقتل أنفسهم .
نعم . . هي تشعر بإمكانية تشريع كهذا ، وأنه ليس من الممتنعات في مرحلة التصور العقلي ، وإن كان ممتنعاً في مرحلة الوقوع . إما لعدم المقتضي ، أو لوجود المانع .
ثانياً : لعل المراد هو أن يتولى بعضهم قتل البعض الآخر أيضاً .
3 - وتبقى هنا آية تقول : * ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأكُلُوا
أمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ، وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً ) * [1] .
فإن هذه الآية قد دلت على أن المنهي عنه هو قتل النفس عدواناً وظلماً ، لا مطلقاً ، فإذا ارتفع العدوان ، وكان المطلوب للشارع هو النكاية في العدو ، فإن قتل النفس لا يكون مورداً للنهي .
إلا أن يقال : إن الآية لم تحدد الفرق بين ما هو عدواني ، وبين غيره ، فلعل تولي الإنسان قتل نفسه داخل في العدواني والظلم الممنوع عنه ، وأن الذي لا يعد عدواناً وظلماً هو خصوص ما كان بيد العدو في ساحات الجهاد فيما لو علم أن عدوه سوف يقتله .
ذبح إسماعيل :
وهناك مورد آخر فريد وهام جداً ، سجله القرآن الكريم لنا ، وهو قضية ذبح إبراهيم لولده إسماعيل ‹ عليهما السلام › . .
حيث إن إسماعيل ليس لم يمانع في إجراء هذا الأمر ، بل هو قد سلَّم نفسه مختاراً لذابحه . .
قال تعالى : * ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ
سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) * [1] .
وهو قتل بيد الوالد الحبيب ، وليس بيد العدو المحارب ، وهو وإن كان بيد الغير ، لا بيد نفس المقتول ، ولكن المقتول نفسه هو الذي طلبه بقوله : ‹ إفعل › .
وهناك تفاصيل وخصوصيات أخرى في هذه القضية ألمحنا إليها في كتابنا : ‹ مقالات ودراسات › ، فيمكن الرجوع إليه للاطلاع عليها . .
ولكن هذه القضية تبقى قضية لا مجال للقياس عليها ، لأنها تدبير إلهي ، يراد منه الامتحان للأنبياء ‹ عليهم السلام › ، ويحتمل أن يكون للمورد هنا خصوصية تمنع من تسرية حكمه إلى غيره .
قصة هارون المكي :
وقد روي أن الإمام الصادق ‹ عليه السلام › مر هارون المكي بالدخول في التنور المسجور بالنار ، حتى صار كالجمرة . فدخل إليه ، وجلس فيه ، دون تردد ، ودون سؤال عن السبب . . فكان أن جعل الله النار عليه برداً وسلاماً [2] .
ولعل هذه القضية أقرب النصوص - التي عثرنا عليها - دلالة على ما نحن بصدده فالإمام ‹ عليه السلام › يأمر هارون المكي بفعلٍ
من شأنه أن يؤدي به إلى القتل ، وهارون يطيع أمره ، وليس في البين عدو مهاجم ، ولا فاعل مختار آخر . .
ولكن هذه القضية قد جاءت لتظهر معجزة لإمام ، ولم تأت في سياق جهاد العدو ، فالاستناد إليها يبقى بحاجة إلى محفزات ، ومؤيدات . .
قتل النفس في الحديث والتاريخ :
هذا . . ونجد في التاريخ الإسلامي موارد كثيرة أقدم فيها أناس على خوض اللجج ، وبذل المهج ، وهم يعلمون علم اليقين بأن مصيرهم هو القتل والموت المحتم . ولو لأجل أن المعصوم ‹ عليه السلام › أخبرهم بذلك . مع استمرار رضا المعصوم بمواقفهم ، واعتبارهم شهداء عظاماً ، ومؤمنين كراماً .
ونذكر من هذه الموارد ما يلي :
1 - قصة زيد بن علي ‹ رحمه الله › ، الذي ضاق صدره ولم يعد يستطيع تحمل ما يراه من موبقات وجرائم يرتكبها الحكم الأموي بحق الإسلام ، ورموزه ، وشعائره ، وبحق المسلمين . فأخبره الإمام الصادق ‹ عليه السلام › : بأنه إن خرج عليهم ، فسوف يقتل ويصلب ، فرضي ‹ رحمه الله › بذلك ، وأطلق حركته الجهادية . وكان الشهيد المصلوب في كناسة الكوفة ‹ رحمه الله › . . [1] .
2 - ما جرى في حرب الجمل حيث أخذ أمير المؤمنين ‹ عليه السلام › مصحفاً وطاف في أصحابه ، وقال : من يأخذ هذا المصحف ، يدعوهم إلى ما فيه ، وهو مقتول .
فطلبه فتى من أهل الكوفة ، فأعرض ‹ عليه السلام › عنه .
ثم قال : من يأخذ هذا المصحف يدعوهم إلى ما فيه ، وهو مقتول .
فقال الفتى : أنا .
فدفعه إليه ، فدعاهم ، فقطعوا يده اليمنى ، فأخذه باليسرى ، فقطعوا يده اليسرى ، فأخذه بصدره ، والدماء تسيل على قبائه ، فقتل رضي الله تعالى عنه ، فقال علي ‹ عليه السلام › : الآن حلَّ قتالهم . . [1] .
3 - وقد يستشهد لهذا أيضاً بما جرى لآل ياسر ، حيث كان المشركون يعذبونهم ، وكان النبي صلى الله عليه وآله يحثهم على الصبر على العذاب ، ويقول لهم : ‹ صبراً آل ياسر ، فإن موعدكم الجنة › [2] .
فصبروا رضوان الله تعالى عليهم حتى نالوا درجة الشهادة ، ولعلهم كانوا على يقين بأن صبرهم هذا سوف يؤدي بهم إلى هذه النتيجة . والنبي عليه السلام قد أمرهم بالتحمل إلى أن ينالوا هذه الدرجة الرفيعة .
4 - إن الإمام الصادق عليه السلام قد أخبر يحيى بن زيد : بأنه يقتل ، ويصلب ، وهكذا كان [1] .
5 - قال الصادق عليه السلام أيضاً للمعلى بن خنيس إنك مقتول فاستعد [2] .
6 - وقد أخبر الإمام الصادق عليه السلام أيضاً الحسين بن علي ، صاحب فخ بأنه مقتول ، وقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله .
وقد أقدم الحسين على هذا الأمر ، طائعاً مختاراً ، كما أقدم عليه يحيى وزيد وغيرهما ، مع علمهم بذلك [3] .
7 - أخبر الإمام الحسين عليه السلام أصحابه يوم أصيبوا فقال : أشهد أنه قد أذن في قتلكم ، فاتقوا الله ، واصبروا [4] .
وذكر لهم : أن جده صلى الله عليه وآله قد أخبره : أنه سيقتل بالمكان الفلاني مع أصحابه . . وأن أصحابه عليه السلام لا يجدون ألم مس الحديد ، وتلا : * ( يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) * [1] .
ولما كانت الليلة التي قتل الإمام الحسين عليه السلام في صبيحتها قال لأصحابه : ‹ أنتم في حلٍّ ، فإنكم إن أصبحتم معي قتلتم كلكم › .
فقالوا : لا نخذلك ، ولا نختار العيش بعدك .
فقال صلوات الله عليه : إنكم تقتلون كلكم ، حتى لا يفلت منكم أحد . فكان كما قال [2] وثمة نصوص عديدة تشير إلى ذلك ، فراجعها في مصادرها [3] .
8 - قال حبيب بن مظاهر لبرير بن خضير حينما اعترض عليه برير ؛ لكونه رآه فرحاً : فأي موضع أحق من هذا بالسرور ، والله ، ما هو إلا أن تميل علينا هذه الطغام بسيوفهم ، فنعانق الحور العين [4] .
وخلاصة الأمر : أن أصحاب الإمام الحسين عليه السلام كانوا يعلمون بأن مصيرهم هو الموت المحتم ، ومع ذلك هم يصرون على موقفهم ، ولا يحاولون التخلص من مصيرهم هذا .
9 - وحينما أراد الإمام الحسين عليه السلام أن يصلي يوم عاشوراء ، تقدم سعيد بن عبد الله الحنفي أمام الحسين عليه السلام ، فإستهدف لهم يرمونه بالنبل ، فما أخذ الحسين عليه السلام يميناً وشمالاً إلا قام بين يديه ، فما زال يُرْمى حتى سقط إلى الأرض ، وهو يقول : ‹ اللهم العنهم لعن عادٍ وثمودٍ الخ . . › [1] .
10 - وهناك أيضاً قصة جعفر بن أبي طالب ‹ عليه السلام › في حرب مؤتة ، فإنه حين استقتل ، هاجم أعداءه الذين يصل عددهم إلى مائة ألف مقاتل وهو يعلم : أنه مقتول . فقطعت يداه ، ولم يحاول التخلص ولا التملص بل واجه المصير الذي اختاره بكل رضىً ، وكذلك فعل زيد بن حارثة ، ثم عبد الله بن رواحة ، وكان صلى الله عليه وآله يخبر الناس بما يجري ، وهو بالمدينة ، ولم تظهر منه ‹ صلى الله عليه وآله › أية بادرة تشير إلى لومه لهم على إقدامهم على ذلك الخطر المحقق [2] .
11 - ومن الأحداث الهامة في هذا المجال قضية مبيت علي عليه السلام على فراش النبي صلى الله عليه وآله ليلة الهجرة وقوله للنبي ‹ صلى الله عليه وآله › : أوَ تسلم بمبيتي هناك يا رسول الله ؟ !
قال : نعم ، فسجد لله شكراً . .
وقد أنزل الله سبحانه في هذه المناسبة قرآناً يتلى إلى يوم القيامة وهو قوله تعالى : * ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ) * [1] .
12 - قد سئل الإمام الباقر عليه السلام عن رجلين أخذا ، فقيل لهما : ابرءا من أمير المؤمنين ، فبرئ واحد منهما فخلي سبيله وأبى الآخر ، فقتل .
فقال الإمام عليه السلام : أمّا الذي برئ فرجل فقيه في دينه , وأما الذي لم يبرأ فرجل تعجل إلى الجنة [2] .
13 - وروى الكشي بسنده إلى يوسف بن عمران الميثمي , قال : سمعت ميثم الهرواني يقول : قال علي بن أبي طالب عليه السلام : يا ميثم ، كيف أنت إذا دعاك دعيّ بني أميّة عبيد الله بن زياد إلى البراءة منيّ ؟
فقلت : يا أمير المؤمنين , أنا والله لا أبرأ منك .
قال : إذن - والله - يقتلك ويصلبك .
قال : قلت : أصبر , فإن ذلك في الله قليل .
قال ‹ عليه السلام › : يا ميثم , فإذن تكون معي في درجتي [1] .
14 - وهناك حديث الرسولين الذين بعث بهما النبي صلى الله عليه وآله إلى مسيلمة الكذّاب فدعاهما إلى الاعتراف بنبوته لعنه الله ، فأبى أحدهما ، فقتله .
وقال الآخر : أنت ومحمد رسول الله ( على سبيل التورية حيث أثبت الرسولية لمحمد صلى الله عليه وآله فقط ) فأطلق سبيله .
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله , فقال : أما أحدهما فمضى على يقينه , وأما الآخر فأخذ بالرخصة الخ . . أو نحو ذلك [2] .