- العراق
منذ سنتين

كيف نعيش عاشوراء ؟

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . يقول الإمام الصادق عليه السلام : ‹ كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء › . كيف نعيش عاشوراء في كل زمان وكل مكان ؟


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . . لم نجد كلمة: (كلُّ أرضٍ كربلاء وكلُّ يومٍ عاشوراء) في المصادرِ الحديثيةِ المرويّةِ التي نعرفها والتي بين أيدينا عن الإمام الصادق عليه السلام ولا عن غيره من المعصومينَ (عليهم السّلام). ولا يُعلمُ، على التحقيقِ، أوّلَ مَن أطلقَ هذهِ المقولةَ ولا تاريخَ ظهورِها على التحديدِ؛ فإنّها شاعَت على الألسنِ واشتهرَت في العقودِ الأخيرةِ مِن غيرِ نسبةٍ لشخصٍ مُعيّنٍ، إلّا أنّ بعضَ الأشعارِ تضمّنَت هذا المعنى.. ففي قصيدةٍ للعلّامةِ السيّدِ مهدي القزوينيّ قدّسَ سرّه (ت1300هـ): « أشاهدُ عاشوراءَ في كلّ ساعةٍ * وفي كلّ أرضٍ كربلاء ومشهدا » [ينظر: الأدباءُ مِن آلِ أبي طالب ج3 ص434]. وجاءَ في القصيدةِ الهمزيّةِ في مدحِ خيرِ البريّةِ للشاعرِ محمّدٍ بنِ سعيد البوصيريّ (ت696هـ): « كلُّ يومٍ وكلُّ أرضٍ لِكَربي * فيهِمُ كربلاءُ وعاشورا » [ينظر: أعيانُ الشيعة ج1 ص625]. فلعلّ هذهِ المقولةَ مأخوذةٌ عن قصيدةِ السيّدِ القزوينيّ أو الشاعرِ البوصيريّ أو غيرها.. نعم لا يخفى أن يكون لهذه المقولة معنى صحيح يمكن للمؤمن أن يعتبر المرادُ أنّ يومَ عاشوراء يومٌ رائدٌ، وقدوةٌ لكلّ الأزمانِ والأوقاتِ، وأنّ على الإنسانِ مُعايشةُ عاشوراء ودروسِها كلَّ يوم، ولا يقتصرُ في التأثّر بعاشوراء على يومِ العاشرِ مِن مُحرّم، وهكذا كانَ حالُ الأئمّةِ (عليهم السّلام) حيثُ وردَ مثلاً أنّ الصادقَ (عليهِ السلام) إذا ذُكِرَ جدّهُ في يومٍ ما ومصابهُ فلا يُرى ضاحكاً في ذلكَ اليوم، وكذلكَ جدُّه السجّادُ (عليهِ السلام)، حيثُ عاشَ كلَّ أيّامِه الشريفةِ وكأنّ كلَّ يومٍ يتجدّدُ لديهِ حدثُ يومِ عاشوراء، وكذلكَ المرادُ أنّ كربلاء قدوةٌ لكلِّ البقاعِ والأماكن، إنّها ملحمةُ مواجهةٍ معَ الجورِ والباطل، لا أن يقصرَ مبادئُ كربلاء على حينِ زيارةِ المؤمنِ لأرضِ كربلاء، وينسى ذلكَ عندَ رجوعِه إلى بلادهِ، فعاشوراءُ قدوةٌ، وإمامٌ لكلّ يوم، وكربلاءُ قدوةٌ ورائدةٌ لكلِّ بلدٍ في مواجهةِ الجورِ والعدوان » وقد أشارت جملة من روايات أهل البيت عليهم السلام لذلك، فعاشوراء مثّلت انعطافة حقيقية في الإسلام بل هي الإسلام كله ، وبتعبير آخر هي مدخل لفهم الإسلام في عقائده ، ومفاهيمه ، وسياساته ، ومعانيه ، ومراميه ، وشرائعه . . و . . و . . فإذا عاشها الإنسان بعقله ، وبفكره ، وبفطرته ، وبوجدانه ، وبعاطفته ، فإنه يكون قد عاش حقائق الإسلام وأحس بها بمختلف جهاتها ، وحالاتها لتكون المرآة التي تعكس حقيقة الإنسان الكامل ، بكل ما لها من أصالة ، وحياة وصفاء ، ونقاء يتجلى في عمق الفكر ، ويجسده بصافي الفطرة ، ويتمثل في صميم الوجدان ، وصادق العاطفة . وإذا رجع المرء إلى ما ورد في الروايات من أوامر وزواجر ، فإنه يجد فيها - صدق ما ذكرناه وخصوصاً نصوص الزيارات منها - ما يحتاج الإنسان إلى أن يعيشه كعقيدة ، ويتمثله طهراً في الوجدان ، وواقعية فيما هو سلوك وممارسة ، ويجد فيها مفاهيم وقيماً ، ومعاني تلامس الفطرة ، ثم فيها ما له مساس بالإرتباطات العاطفية وما يؤكد التلاقي والانسجام الروحي مع الحقيقة ، والسكينة النفسية إليها ، وفيها ، وفيها . . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

3