- العراق
منذ سنتين

المعترضون على الصلح الحسني

بسم الله الرحمن الرحيم سماحة آية الله العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . ورد في بعض كتب التاريخ : أنه بعدما صالح الإمام الحسن صلوات الله عليه معاوية لعنه الله ، اعترض بعض أصحاب الإمام الحسن وقالوا عبارات لا تليق بمقامهم . فهل ثبتت نسبة هذه العبارات إلى أولئك الذين كان بعضهم من خلص أصحاب أمير المؤمنين صلوات الله عليه ؟ وفقكم الله وسدد خطاكم . .


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . . فقد روي : أنه قدم إليه ‹ عليه السلام › جمع من شيعته ، وقالوا له : يا مذل المؤمنين ، ويا مسود الوجوه [1] . وفي نص آخر : لامه بعضهم على الصلح [2] . وفي نص ثالث : أن أبا عامر سعيد بن النتل قال له : السلام عليك يا مذِّل المؤمنين [3] . وفي نص رابع : قال له رجل من أصحابه : يا مسوِّد وجوه المؤمنين [4] . وفي نص آخر قال له : ذللت رقابنا ، وجعلتنا معشر الشيعة عبيداً [5] . ونص خامس يقول : إن عدي بن حاتم قال : لوددت أني مت قبل ما رأيت . . إلى أن قال : وأعطينا الدنية من أنفسنا ، وقبلنا الخسيسة التي لم تلق بنا [6] . ونص سادس : صرح باسم سفين بن الليل [1] ، أو سفيان بن ياليل ، أو ابن ليلى الخارجي [2] . ونص سابع : أن سليمان بن صرد قال له عليه السلام : السلام عليك يا مذل المؤمنين [3] . ونص ثامن : أن علي بن محمد بن بشير الهمداني قال له : السلام عليك يا مذل المؤمنين [4] . ونص تاسع : يقول : إن حجر بن عدي قال له : أما والله لوددت أنك مت في ذلك اليوم ومتنا معك ، ولم نر هذا اليوم ، فإنا رجعنا راغمين بما كرهنا ، ورجعوا مسرورين بما أحبوا . فقال له عليه السلام : يا حجر ، سمعت كلامك في مجلس معاوية ، وليس كل إنسان يحب ما تحب الخ . . [5] . ووفد عليه مالك بن ضمرة ، فأعنت له القول [1] . وأما بالنسبة لثبوت هذه العبارات ، فنقول : لا شك في أنه قد كان هناك من تجرأ على مقام الإمام ‹ عليه السلام › ، ولكننا لا نستطيع أن نؤكد صحة نسبة ذلك لكل شخص بخصوصه ، لا سيما وأن أكثر هذه النقولات قد وردت في كتب تاريخية ، فيها الغث والسمين ، والصحيح والسقيم ، مع ملاحظة : أنه لا ريب في أن هناك من يتعمد نسبة بعض القضايا إلى الخلَّص من أصحابه عليه السلام ، وذلك في نطاق مشروعهم الخياني لله ، ولرسوله ، ولأئمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، المتمثل في إظهار ضعف الإمام عليه السلام ، وتشويه الصورة الناصعة للأخيار من أصحابه ، وتأييد نهج الأمويين وسياساتهم . . وإذا فرض صحة صدور ذلك من أحد الأصفياء والخلَّص من أصحابه عليه السلام ، فإن ذلك مرفوض منه ، مردود عليه ، لأن الواجب عليه وعلى كل أحد ، هو التسليم للنبي وللإمام ، وفقاً للأمر الإلهي بذلك : * ( وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) * [2] . كما أن هذه التصرفات الرعناء ، تدلل على عمق البلاء الذي واجهه أئمتنا عليهم السلام ، وهم يتعاملون مع مجتمع ، لا يدرك حتى بعض الخيار ، والنخبة والطليعة الإيمانية فيه ما يجب عليهم ، أو لا يلتزمون به ، أو تظهر من بعضهم الهنات ، والسقطات ، في أحرج الأوقات ، وأشد الأمور حساسية وخطورة . فلا يكونون على مستوى الحدث ، ولا يثقون بحسن تدبير ، وبصوابية موقف إمامهم المعصوم ، رغم أنهم يرون بأم أعينهم حقيقة ما يجري وما يحدث . مع أن الإمام ‹ عليه السلام › كان يشرح لهم ما أبهم عليهم ، تلويحاً تارة ، وتصريحاً أخرى . . وقد لاحظنا أن الكثيرين ممن وردت أسماؤهم في لائحة المعترضين لم يكونوا خالصي الولاء له عليه السلام ، بل كان بعضهم من الخوارج والأعداء ، ومنهم من لم يكن من الأحباب ، ولا من الأصدقاء . . وفي جميع الأحوال نقول : إن أمثال هذه المواقف والحركات ، مما لا يتوقع صدوره من راسخي القدم في الولاء ، ولا من العارفين بحق الإمام ‹ عليه السلام › ، وبمقام الإمامة . ولعل الله قد لطف ببعضهم ، وبلَّغهم ذلك المقام ، بعد أن صحت توبتهم ، وعظمت ندامتهم ، وطالت حسرتهم على ما فرط منهم في حق إمامهم المعصوم عليه السلام . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .