بسم الله الرحمن الرحيم سماحة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي حفظكم الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .
لدي سؤال : إن سمحتم لي مولاي الحبيب ، وهو قد ثبت بالدليل القاطع على أن آية النجوى نزلت في حق الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه دون سواه ، فكيف نوفق بين هذا وبين ما يقوله
المخالفون من أن أبا بكر وعمر وعثمان قد تصدقوا بأموالهم في سبيل الله من بداية الدعوة وحتى وفاة الرسول الأعظم صلوات الله عليه ، وهنا أتساءل :
هل هناك نصوص تخص تصدقهم ؟ . . وإذا كانت لديهم هذه الأموال فعلاً ، فَلِم لَمْ يتصدقوا بشيء ؟ أم أنهم كانوا بخلاء ؟ . .
كما وآمل من سماحتكم الإسهاب بخصوص حقيقة تصدق هؤلاء الثلاثة ، وهل هم من أهل الأموال فعلاً . . ؟ ؟
وما تقول فيما يقوله علماء السنة في سبب نزول آية النجوى ، فمثلاً في تفسير القرطبي ج 17 / 195 .
قال : قوله تعالى : * ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) * [1] .
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : * ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ ) * " ناجيتم " ساررتم .
قال ابن عباس : نزلت بسبب أن المسلمين كانوا يكثرون المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شقّوا عليه ؛ فأراد الله عز وجل أن يخفف عن نبيّه صلى الله عليه وسلم ، فلما قال ذلك
كفّ كثير من الناس . ثم وسّع الله عليهم بالآية التي بعدها .
وقال الحسن : نزلت بسبب أن قوماً من المسلمين كانوا يستخلون النبيّ صلى الله عليه وسلم ويناجونه ، فظن بهم قوم من المسلمين أنهم ينتقصونهم في النجوى ، فشقّ عليهم ذلك فأمرهم الله تعالى بالصدقة عند النجوى ليقطعهم عن استخلائه .
وقال زيد بن أسلم : نزلت بسبب أن المنافقين واليهود كانوا يناجون النبيّ صلى الله عليه وسلم ويقولون : إنه أُذن يسمع كل ما قيل له ، وكان لا يمنع أحداً مناجاته . فكان ذلك يشقّ على المسلمين ؛ لأن الشيطان كان يلقي في أنفسهم أنهم ناجَوْه بأن جموعاً اجتمعت لقتاله .
قال : فأنزل الله تبارك وتعالى : * ( يا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ ) * الآية [1] ، فلم ينتهوا فأنزل الله هذه الآية ، فانتهى أهل الباطل عن النجوى ؛ لأنهم لم يقدموا بين يدي نجواهم صدقة ، وشقّ ذلك على أهل الإيمان وامتنعوا من النجوى ؛ لضعف مقدرة كثير منهم عن الصدقة فخفف الله عنهم بما بعد الآية .
الثانية : قال ابن العربي : وفي هذا الخبر عن زيد ما يدل على أن الأحكام لا تترتب بحسب المصالح ، فإن الله تعالى قال : * ( ذَلِكَ خَيْرٌ
لَّكُمْ وَأَطْهَرُ ) * ثم نسخه مع كونه خيراً وأطهر . وهذا رَدٌّ على المعتزلة عظيم في التزام المصالح ، لكن راوي الحديث عن زيد هو ابنه عبد الرحمن ، وقد ضعفه العلماء .
والأمر في قوله تعالى : * ( ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ ) * نص متواتر في الرد ! على المعتزلة . والله أعلم .
الثالثة : روى الترمذي عن عليّ بن علقمة الأنماري عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال : لما نزلت * ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ) * [1] ( سألته ) قال لي النبيّ صلى الله عليه وسلم : " ما ترى ديناراً " ؟
قلت : لا يطيقونه .
قال : " فنصف دينار › .
قلت : لا يطيقونه .
قال : ‹ فكم › .
قلت : شعيرة .
قال : " إنك لزهيد " .
قال : فنزلت : * ( أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ) * الآية .
قال : فَبِي خفّف الله عن هذه الأمة .
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه ، ومعنى قوله : شعيرة يعني وزن شعيرة من ذهب .
قال ابن العربي : وهذا يدل على مسألتين حسنتين أصوليتين :
الأولى : نسخ العبادة قبل فعلها .
والثانية : النظر في المقدّرات بالقياس ؛ خلافاً لأبي حنيفة .
قلت : الظاهر أن النسخ إنما وقع بعد فعل الصدقة .
وقد روي عن مجاهد : أن أوّل من تصدّق في ذلك عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وناجى النبيّ صلى الله عليه وسلم . روي أنه تصدّق بخاتم .
وذكر القشيري وغيره عن عليّ بن أبي طالب أنه قال : " في كتاب الله آية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي ، وهي : * ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ) * كان لي دينار فبعته ، فكنت إذا ناجيت الرسول تصدّقت بدرهم حتى نفد ؛ فنسخت بالآية الأخرى * ( أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ) * .
وكذلك قال ابن عباس : نسخها الله بالآية التي بعدها .
وقال ابن عمر : لقد كانت لعليّ رضي الله عنه ثلاثة لو كانت لي واحدة منهن كانت أحبّ إليّ من حُمُر النَّعم : تزويجه فاطمة ، وإعطاؤه الراية يوم خيبر ، وآية النجوى . * ( ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ ) * أي من
إمساكها * ( وَأَطْهَرُ ) * لقلوبكم من المعاصي * ( فَإِن لَّمْ تَجِدُوا ) * يعني الفقراء * ( فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) * . ( انتهى من القرطبي ) .
أسأل الله العلي العظيم أن يحفظكم ويسدد خطاكم بحق النبي وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين . .
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
وأما بالنسبة : للسؤال عن آية النجوى ، وهي قوله تعالى : * ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ، أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) * [1] .
أولاً : إن ما جرى في قضية آية النجوى يثبت عدم صحة ما ذكروه ، من صدقات لأبي بكر ، وعمر ، وعثمان في بداية الإسلام . .
وذلك لأن الله تعالى قد صرح في الآية الآمرة لهم بالتصدق حين مناجاة الرسول ‹ صلى الله عليه وآله › ، بأنهم قد امتنعوا من ذلك ، فقال :
* ( أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا . . ) * .
أي أنهم قد بخلوا حتى بدرهم ، يكسبون مثوبة التصدق به ، ثم يحصلون على شرف مناجاة خاتم الأنبياء ، وسيد المرسلين ‹ صلى الله عليه وآله › . فهل نصدق بعد هذا ما يقال من إنفاقهم أموالهم في بداية الدعوة ؟ !
فأما أبو بكر ، فقد أثبتنا في مجال آخر : أنه لم يكن لديه شيء من تلك الأموال المدعاة [1] .
وأما عمر ، فلم نسمع أنه أنفق شيئاً من الأموال في بداية الدعوة ، ولا شيء يثبت أنه كان يملك أموالاً آنئذٍ .
وأما عثمان فحاله في بداية الدعوة حال عمر .
وأما دعواهم أنه قد جهز جيش العسرة إلى تبوك ، فقد أثبتنا بطلانها في مقام آخر [2] .
وعلى فرض أنهم كانت لهم أموال ، فإن ما جرى في قضية الأمر بالتصدق للتوصل إلى مناجاة الرسول ‹ صلى الله عليه وآله › ، يجعلنا نشك في صحة دعوى إنفاقهم شيئاً من المال في بداية الدعوة . .
ولو سلمنا أنهم أنفقوها آنئذٍ ، فإن قضية النجوى تجعلنا نشك في أن يكونوا قد قصدوا بذلك رضا الله تعالى .
فلو سلمنا أنهم قد قصدوا في بداية الدعوة رضا الله تعالى . فإن ما ظهر منهم في آية النجوى يشير إلى تبدل أحوالهم ، وحدوث خلل في طريقتهم ونهجهم ، وطروِّ الفساد على قصودهم ونواياهم . .
وآخر كلمة نقولها هنا : إننا لم نجد أية رواية تشير إلى تصدقهم ، ولو بحبة شعير ، في مناسبة آية النجوى ، بل نجد التصريح من علي ‹ عليه السلام › وغيره : بأنه لم يعمل بهذه الآية سواه .
ولو احتملنا : أنهم قد تصدقوا بشيء في هذه المناسبة ، فإن الله سبحانه قد أعرض عنه ، ولم يسجله لهم ، ولا أقام له وزناً .
واللافت هنا : أنه تعالى - وهو أكرم الأكرمين - قد قرر ولاية علي ‹ عليه السلام › على جميع الخلق ، في مناسبة تصدقه ‹ عليه السلام › بخاتم ، ولكن عمر بن الخطاب يتصدق بعشرات الخواتم ، رجاء أن تنزل فيه آية مثلها ، فلا ينزل فيه شيء ، الأمر الذي يثير أكثر من سؤال حول خلوص نواياه في جميع صدقاته تلك ، إذ إن الله لا يضيع عمل عامل ، من ذكر أو أنثى ، وإنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى . .
وهذا يوضح لنا كيف يثاب إنسان على زيارته للحسين ‹ عليه السلام › بحجة وعمرة ، ثم يثاب آخر بكل خطوة يخطوها إلى تلك الزيارة بثواب حجة وعمرة . وذلك تبعاً لخلوص نيته ، ومدى سمو روحه ، وصفاء نفسه من خلال تلك الزيارة .
وأما ما ذكرتموه عن القرطبي ، فإن آخر كلامه عن علي وابن
عباس ، ومجاهد ، وابن عمر ينقض ما أورده في أوله ، فإن الروايات التي ذكرها ، والتي تصرح بأن علياً ‹ عليه السلام › وحده هو الذي عمل بآية النجوى ، تدل على عدم صحة النصوص التي سبقتها ، وعلى أن ثمة سعياً للتلاعب في هذه القضية ، بهدف التخفيف من وهج وتأثير هذه الفضيلة العظيمة ، المنحصرة بعلي ‹ عليه السلام › . .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .