الفرقة الناجية عند الآملي : الصوفية . . أم الشيعة ؟
بسم الله الرحمن الرحيم سماحة السيد العلامة المحقق الجليل أسد بني هاشم جعفر مرتضى العاملي دامت بركاته ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . سيدنا الجليل ما رأيكم الشريف بكتاب ‹ جامع الأسرار › للسيد حيدر الآملي ؟ وهل للسيد حيدر الآملي ترجمة في مصادرنا ؟ والفكرة التي يطرحها عن الصوفية وأنهم باطناً يمثلون الفرقة الناجية وأن الشيعة هم الفرقة الناجية ظاهراً ومثل هذا الكلام ، أو أن الشيعة هم المؤمن وأن الصوفية هم المؤمن الممتحن ، فهل لهذا الكلام تحقيق بين علماء الطائفة الناجية ؟ ! سؤال آخر سيدنا , من المعروف أن علماء الطائفة يدرسون كتاب فصوص الحكم الذي يمتدحونه كثيراً ويذكرون بأنه صعب الفهم ، سيدنا فما معنى الفكرة التي يطرحها محي الدين بن عربي عن إيمان فرعون وتبرير قوله أنا ربكم الأعلى ؟ ؟ ولماذا يذكر صدر المتألهين بأن كلام محي الدين هنا يُشم منه رائحة التحقيق ؟ ؟ وما تعليق السيد الخميني قدس سره في شرحه على متن الفصوص على هذا الكلام ؟ ؟
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . . 1 - أما بالنسبة للسؤال الأول ، فإننا نقول : إن كتاب ‹ جامع الأسرار › وإن كان جيداً من بعض الجهات ، لكن من الواضح : أن فيه الكثير من الهنات والإشكالات . ويقول الشيخ آغا بزرك الطهراني : إنه قد حاول فيه الجمع بين المتضادات والمتعارضات من أقوال الصوفية ، وتوجيه كلماتهم بما ينطبق على الشريعة [1] . كما أنه قد سعى إلى إقناع الشيعة بأن التصوف الذي يؤمن به لا يتنافى مع تشيعه ؛ لأن الشيعة الحقيقية والمؤمن الممتحن هم الصوفية ، المخصوص بحمل الأسرار ، وهم أهل الباطن والطريقة ، وهم الفرقة الحقة من بين جميع فرق الصوفية الأخرى . . والشيعة الإمامية هم المؤمن غير الممتحن ، وهم أهل الظاهر والشريعة ، فالشيعي والصوفي اسمان متغايران يدلان على حقيقة واحدة ، وهي الشريعة المحمدية [2] . ورغم أنه يعتبر صوفية أهل السنة ليسوا هم الفرقة الحقة ، فإنه يعظم عدداً من علماء أهل السنة ، أو متصوفيهم ، أو يترحم عليهم ، مثل : الحسن البصري والفخر الرازي ، وابن عربي ، والغزالي ، والشبلي ، والجنيد ، والسري السفطي ، وبا يزيد البسطامي ، وشقيق البلخي ، ومعروف الكرخي ، وغيرهم . . فراجع كتابه المشار إليه [1] . يضاف إلى ما تقدم : أنه سجل في كتابه هذا مدائح لنفسه ، لا يصح صدورها من مثله . فقد قال : ‹ والله ، ثم والله ؛ لو صارت أطباق السماوات أوراقاً ، وأشجار الأرضيين أقلاماً ، والبحور السبعة مع المحيط مداداً ، والجن والإنس ، والملك كتاباً لا يمكنهم شرح عشر من عشير ما شاهدت من المعارف الإلهية ، والحقائق الربانية ، والموصوفة في الحديث القدسي : ‹ أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر › المذكورة في القرآن : * ( فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) * [2] ولا يتيسر لهم بيان جزء من أجزاء ما عرفتُ من الأسرار الجبروتية ، والغوامض الملكوتية ، المعبر عنها في القرآن بما لم يعلم › [3] . وقال عن نفسه وهو يتحدث عن حول تشنيع الشيعة على الصوفية ، وأنه يريد توضيح الأمر لهم ليزيل النفرة ويحصل الاطلاع : ‹ لأن الله تعالى ما أنعم بهذه النعمة من بينهم إلا علينا ، وما انكشف هذا الحجاب بخلافهم إلا عن أعيننا ، والحمد لله ، الذي فضلنا على كثير من عباده › [1] . وقال : ‹ وصرت كما صرت جامعاً بين الشريعة والحقيقة ، حاوياً بين الظاهر والباطن ، واصلاً إلى مقام الاستقامة والتمكين . . › [2] . هذا كله بالإضافة إلى العديد من الهنات التي تظهر منه هنا وهناك ، حيث يظهر منه أنه ليس لديه اعتراض على قول قائلهم : ‹ سبحاني ما أعظم شأني › [3] . ولا على قولهم : ‹ أنا الحق › [4] . أو ‹ أنا الله › . كما أنه لا يعترض على حديث خلق حواء من ضلع آدم الأيسر ، ولا على حديث : ‹ خلق الله آدم على صورته › [5] . وأمثال ذلك . هذا عدا ما ذكره في كتابه : ‹ نص النصوص في شرح الفصوص › ، فإنه قد تجاوز الحد فيه بما يقبح التعرض لتأويله ، والتماس العذر له فيه . ويكفي أن نذكر أنه اعتبر كتاب ‹ فصوص الحكم › لابن عربي أشرف الكتب الأرضية [1] ، ولم يستثن لا كتاب نهج البلاغة ، ولا غيره . . كما أنه قد تجاوز الحد في مدحه لنفسه في أكثر من موضع [2] . بل هو يقول : إنه قد ضاهى رسول لله ‹ صلى الله عليه وآله › أيضاً ، حيث قد صدر منه صلى الله عليه وآله كتابان أحدهما نازل وهو القرآن ، والثاني صادر ، وهو فصوص الحكم الذي أعطاه لابن عربي . وله هو كتابان : أحدهما : الفائض عليه ، وهو كتاب التأويلات للقرآن ، وهو كالفصوص بالنسبة لابن عربي ، وكالقرآن بالنسبة للنبي ‹ صلى الله عليه وآله › . الثاني : الكتاب الصادر منه ، وهو نص النصوص ، فإنه كالفصوص بالنسبة للنبي ، وكالفتوحات بالنسبة لابن عربي [3] . 2 - بالنسبة للسؤال عمن ترجمه من علمائنا نقول : قد ترجمه الشيخ آقا بزرك الطهراني في كتابه : طبقات أعلام الشيعة ( القرن الثامن ) ص 66 - 70 ، والقاضي التستري في مجالس المؤمنين ج 2 ص 51 - 54 ، وله ترجمة أيضاً في روضات الجنات ج 2 ص 377 - 380 ، وأعيان الشيعة ج 29 ص 25 - 33 ، والفوائد الرضوية ص 195 ، وريحانة الأدب ج 1 ص 30 وج 2 ص 498 ، وعن الأفندي في رياض العلماء . 3 - حول السؤال عن الفرقة الناجية ، نقول : إنه قد حدد مراده بالصوفية الناجية ، وأنهم هم المتصوفة من خصوص الفرقة الإمامية الاثني عشرية ؛ لأن الإمامية عنده على قسمين : قسم قائم بظاهر علوم الأئمة ، التي هي الشريعة والإسلام والإيمان ، وقسم قائم بباطن علومهم . فالشيعي والصوفي اسمان متغايران يدلان على حقيقة واحدة هي الشريعة المحمدية . . ثم قال : ‹ إن قيل : إن الصوفية على طريقة أهل السنة وأصولهم وقواعدهم ، فكيف جعلتهم شيعيين حقيقيين . أجيب عنه : بأن الصوفية ، وإن كانت فرقاً كثيرة ، مثل الشيعة ، لكن الفرق الحقة منها واحدة ، وهي الفرقة الموصوفة بهذه الأوصاف . أي بحمل أسرارهم على ما ينبغي ، والإيمان ‹ يعني بالأئمة عليهم السلام › ظاهراً وباطناً ، كما أن الشيعة ، وإن كان فرقاً كثيرة ، لكن الفرقة الحقة منها واحدة ، وهي الفرقة الإمامية › [1] . فاتضح أنه لا يقصد بالصوفية الناجية أياً من متصوفة أهل السنة على الإطلاق ، بل يقصد خصوص المتصوف الشيعي الإمامي الاثني عشري الملتزم بالشريعة ، فإن كان في كلامه هذا ما يستحق النقاش ، فإنما هو فيما يزعمه من أن الوصول إلى أسرارهم عليهم السلام يحتاج إلى لبس خرقة التصوف ، واتباع طرق الصوفية من أجل ذلك ، وادعاؤه أن الإلهام والكشف هو أحد طرق الوصول إلى الحقائق كما صرح به في كتبه [1] . ثم في زعمه أن فرقة الصوفية تنتهي إلى علي عليه السلام ، والأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين [2] . 4 - وأما بالنسبة لسؤالكم عن كتاب فصوص الحكم لابن عربي ، فأحسب أن ما ذكرناه في كتابنا ‹ ابن عربي سني متعصب › يكفي في الإجابة عن ذلك . . وأشرنا إلى عدم صحة ما قاله الشهيد مطهري حول صعوبة فهم ذلك الكتاب . ونكتفي هنا بالقول : إن الذين يعتنون بكتاب فصوص الحكم من أفراد الطائفة هم أفراد قليلون جداً . فلا يصح نسبة ذلك إلى عموم الشيعة . وأما بالنسبة لما قاله عن إيمان فرعون وغيره ، فهو من سقطاته الهائلة ، التي لن تجد التبرير المقبول والمعقول ، ولم تكن هي السقطة الوحيدة في كتب ابن عربي ، فقد ذكرنا الكثير مما يدخل في هذا السياق في كتابنا المشار إليه ، فيمكن للسائل الرجوع إليه ، وإلقاء نظرة عليه . وكلام صدر المتألهين مبني على تأويلات بعيدة كل البعد عن مساق كلام ابن عربي ، وهو محض افتراضات اقتراحية ، ليس لها ما يبررها سوى شدة حسن الظن بابن عربي . . وأما تعليق آية الله الخميني على كلام ابن عربي ، فيمكن للسائل أن يطلع عليه في الكتاب الذي أرشدنا هو نفسه إليه . . والسلام عليه وعلى جميع المؤمنين ورحمة الله وبركاته . .