- العراق
منذ 3 سنوات

هشام بن الحكم وشبهة التجسيم

بسم الله الرحمن الرحيم مولاي المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي حفظه الله . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . طرح أحدهم شبهة عن هشام بن الحكم رضوان الله عليه ، وهي شبهة التجسيم . . ولا أدري ما مصداق هذا النقل لأن المصادر ليست بين يدي . . فكتب ما نصه : ( كتاب الحكايات ص 77 ) : ولم يكن في سلفنا رحمهم الله من يدين بالتشبيه من طريق المعنى . وإنما خالف هشام وأصحابه جماعة أبي عبد الله ‹ عليه السلام › بقوله في الجسم فزعم أن الله تعالى جسم لا كالأجسام . وقد روي أنه رجع عن هذا القول بعد ذلك . وقد اختلفت الحكايات عنه ولم يصح منها إلا ما ذكرت . وأما الرد على هشام والقول بنفي التشبيه فهو أكثر من أن يحصى من الرواية عن آل محمد ‹ عليهم السلام › . أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه رحمه الله عن محمد بن يعقوب عن محمد بن أبي عبد الله عن محمد بن إسماعيل عن الحسين بن الحسن عن بكر بن صالح والحسن بن سعيد عن عبد الله بن المغيرة عن محمد بن زياد قال : سمعت يونس بن ظبيان يقول : دخلت على أبي عبد الله ‹ عليه السلام › فقلت له : إن هشام بن الحكم يقول في الله عز و جل قولاً عظيماً إلا أني أختصر لك منه أحرفاً يزعم أن الله سبحانه ‹ جسم لا كالأجسام › لأن الأشياء شيئان جسم وفعل الجسم فلا يجوز أن يكون الصانع بمعنى الفعل ويجب أن يكون بمعنى الفاعل . فقال أبو عبد الله ‹ عليه السلام › : يا ويحه أما علم أن الجسم محدود متناه محتمل للزيادة والنقصان وما احتمل ذلك كان مخلوقاً فلو كان تعالى جسماً لم يكن بين الخالق والمخلوق فرق . فهذا قول أبي عبد الله ‹ عليه السلام › وحجته على هشام فيما اعتل به هشام من المقال . ونعرِّج على ما قاله المحدث الخبير ، العلامة ابن الفتح محمد بن علي الكراجكي حيث يقول : ( كتاب كنز الفوائد ج 2 ص 40 ) : قلنا : أما هشام بن الحكم رحمة الله عليه فقد اشتهر عنه الخبر بأنه كان ينصر التجسيم ويقول : إن الله تعالى ‹ جسم لا كالأجسام › ولم يصح عنه ما قرفوه به من القول بأنه مماثل لها . ويدل على ذلك أنا رأينا خصومه يلزمونه على قوله بأن فاعل الأجسام جسم : أن يكون طويلاً عريضاً عميقاً فلو كان يرى أنه مماثل للأجسام لم يكن معنى لهذا الإلزام فأما مخالفتنا لهذا المقام فهو اتباع لما ثبت من الحق بواضح البرهان وانصراف عنه وأما موالاتنا هشاماً رحمه الله فهي لما شاع عنه و استفاض منه من تركه للقول بالجسم الذي كان ينصره ورجوعه عنه وإقراره بخطئه وتوبته منه وذلك حين قصد الإمام أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق ‹ عليه السلام › إلى المدينة فحجبه وقيل له إنه آلى أن لا يوصلك إليه ما دمت قائلاً بالجسم فقال والله ما قلت به إلا لأني ظننت أنه وفاق لقول إمامي فأما إذا أنكره علي فإنني تائب إلى الله منه فأوصله الإمام ‹ عليه السلام › إليه ودعا له بخير . وهنا ما ذكره ابن شهر آشوب المازندراني إذ يقول : ( كتاب متشابه القرآن ج 1 ص 66 ) وقيل للصادق ‹ عليه السلام › : إن هشاماً يزعم أن الله ‹ جسم لا كالأجسام › فقال : قاتله الله أما علم أن الجسم محدود أبرأ إلى الله من هذا القول . وقال أيضاً : وفي حديث يونس أما علم أن الجسم محدود متناه وأن المحدود المتناهي يحتمل الزيادة والنقصان وما احتمل الزيادة والنقصان كان مخلوقاً . وقال في الختام : وقال محمد بن الفرج البرجمي كتبت إلى أبي الحسن ‹ عليه السلام › أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم وهشام بن سالم في الصورة فكتب ‹ عليه السلام › دع عنك حيرة الحيران واستعذ بالله من الشيطان ليس القول ما قال الهشامان . قالوا فرجعا عن مقالهما . الآن ماذا تستخلص لي من كل هذه الإدعاءات على عظيم من عظمائكم ؟ ؟ انتهى . . أنتظر إجابتك على أحر من الجمر . . ما هو قولكم مولاي الكريم . حفظكم الله وأيدكم . .


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . . فإننا نشير في إجابتنا هذه إلى ما يلي : 1 - هشام بن الحكم رحمه الله كان من أعاظم رجالات هذه الطائفة ، وكانت له مكانة خاصة لدى الأئمة الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين . . وكان من الواضح : أن عقيدة التجسيم مرفوضة في مدرسة أهل البيت ‹ عليهم السلام › ، وقد عرف أهل البيت بالتنزيه ، وشاع ذلك عنهم وذاع ، وكلمات أمير المؤمنين ‹ عليه السلام › حول هذا الأمر شائعة وذائعة ، ومعروفة ومألوفة لدى الخاص والعام . . ولا يمكن أن يجهلها من هو مثل هشام رضوان الله تعالى عليه . . وهذا ما يدعونا إلى استبعاد صحة الرواية التي تقول : إنه رحمه الله قصد الإمام الصادق ‹ عليه السلام › إلى المدينة ، فحجبه ‹ عليه السلام › . وقيل له : إنه آلى أن لا يوصلك إليه ما دمت قائلاً بالجسم . فقال : والله ، ما قلت به إلا لأنني ظننت أنه وفاق لقول إمامي ، فأما إذا أنكره علي ، فإنني تائب إلى الله منه ، فأوصله الإمام إليه ، ودعا له بخير [1] . 2 - إن الذي نرجحه هنا أحد أمرين : أولهما : أن هشاماً كان في بادئ أمره جهمياً ، ولم يكن إمامياً ، فلعله كان يذهب إلى هذه المقولة قبل أن يقول بالإمامة . الثاني : أن يكون قد أورد ذلك على سبيل الإلزام في مقام الجدل ، ويدل على ذلك ما قاله الشهرستاني : ‹ وهذا هشام بن الحكم صاحب غور في الأصول ، لا يجوز أن يغفل عن إلزاماته على المعتزلة ، فإن الرجل وراء ما يلزمه على الخصم دون ما يظهره في التشبيه . وذلك أنه ألزم العلاف ، فقال له : إنك تقول : الباري عالم بعلم ، وعلمه ذاته ، فيشارك المحدثات في أنه عالم بعلم . ويباينها في أن علمه ذاته ، فيكون عالماً لا كالعالمين ، فلم لا تقول : هو جسم لا كالأجسام ، وصورة لا كالصور ، وله قدر لا كالأقدار ، إلى غير ذلك › [2] . ولعل هذا يفسر لنا قول السيد المرتضى ‹ رحمه الله › : ‹ أكثر أصحابنا يقولون : إنه أورد ذلك على سبيل المعارضة للمعتزلة › [3] . 3 - يضاف إلى ذلك : أن هشاماً رضوان الله تعالى عليه كان محسوداً من قبل أقرانه فقد روي عن الإمام الرضا ‹ عليه السلام › ، أنه قال عن هشام : ‹ كان عبداً ناصحاً ، وأوذي من قبل أصحابه حسداً منهم له › [1] وأوذي أيضاً وحسد من قبل خصومه على قدراته الفائقة ، وعلى إلزاماته التي لم يجدوا عنها محيصاً . . وكانوا منه في ضيق شديد ، وتعب أكيد . . كما أن سياسة الحكام تجاهه كانت تقضي بلزوم التخلص منه ، ولو بتشويه سمعته ، ونسبة الأكاذيب والمعايب والمقولات الباطلة إليه . بل إن التاريخ يذكر : أن الرشيد العباسي حين اطلع على بعض مناظرات هشام ، عض على شفتيه ، وقال : ‹ مثل هذا حي ، ويبقى ملكي ساعة واحدة ؟ ! والله ، للسان هذا أبلغ في قلوب الناس من مائة ألف سيف › [2] . 4 - قد يكون إظهار بعض المقولات على ألسنة بعض الكبار من أصحاب الأئمة ‹ عليهم السلام › ، ثم مناقشتها ، ثم تدخُّل الأئمة ‹ عليهم السلام › لبيان الحق فيها . داخلاً في جملة سياساتهم ‹ عليهم السلام › التي تهدف إلى الحفاظ على أولئك الأصحاب بتعمية السبل للتعرف على حقيقة ما يعتقدونه ، أو اعتماد ذلك كأسلوب يهدف إلى ترشيدهم من الناحية الفكرية والاعتقادية ، أو هو طريقة فريدة لإظهار زيف تلك المقولات التي كانت رائجة في ذلك العصر ، مثل : التجسيم ، والجبر الإلهي ، وغير ذلك . . ولعل ما روي من أن الإمام الكاظم ‹ عليه السلام › قال : ليس القول ما قاله الهشامان : أي هشام بن الحكم وهشام بن سالم الجواليقي يدخل في السياق الذي ذكرناه . 5 - قد ذكر المعتزلي : أن جماعة من الشيعة يقولون : إنه رحمه الله يقصد بقوله : جسم لا كالأجسام المعنى الذي ذكره يونس بن عبد الرحمن ، والسكاك ، وغيرهما من تلامذة هشام ، وهو : أنه تعالى شيء لا كالأشياء [1] . وممن قال بهذا من تلامذة هشام أيضاً ، علي بن منصور ، والفضل بن شاذان ، حيث كانوا يقولون : إنه تعالى جسم لا كالأجسام على معنى شيء لا كالأشياء ، أي أنه بخلاف العرض الذي يستحيل أن يتوهم منه فعل [2] . 6 - إن رواية يونس بن ظبيان الضعيفة سنداً التي يرويها كذاب وضاع ، حتى لو صحت ، فهي : أولاً : لم تحدد تاريخ صدور هذه الأقوال من هشام ، فلعلها صدرت عنه حينما كان لا يزال جهمياً ، وتوهم يونس أو غيره : أنه لا يزال ملتزماً بتلك المقولات . ثانياً : ليس في الرواية : أن هشاماً أقر بهذا الأمر ، بل هي بقيت مجرد تهمة ذكرت في غياب هشام ، وليس فيها أيضاً : أن الإمام ‹ عليه السلام › طالبه بها ، أو أبلغه قوله واعتراضه عليه فيما قال ، ولا سمع منه لا الإنكار أو الإقرار . . ولا طالبه بالمبررات التي دعته إلى ذلك . هذا ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .