سورة العنكبوت، آية 45، صفحة 401
اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَ أَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ (وَ لَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ) وَ اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ
مالمقصود بذكر الله في الاية ، وهو أكبر من ماذا ؟
قوله تعالى : (ولذكر الله أكبر) قال الراغب في المفردات: الذكر تارة يقال ويراد به هيئة للنفس بها يمكن للانسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة وهو كالحفظ الا أن الحفظ يقال اعتبارا باحرازه والذكر يقال اعتبارا باستحضاره. وتارة يقال لحضور الشئ القلب أو القول ولذلك قيل: الذكر ذكران ذكر عن نسيان وذكر لا عن نسيان بل عن إدامة الحفظ، وكل قول يقال له ذكر. انتهى.
والظاهر أن الأصل في معناه هو المعنى الأول وتسمية اللفظ ذكرا انما هو لاشتماله على المعنى القلبي والذكر القلبي بالنسبة إلى اللفظي كالأثر المترتب على سببه والغاية المقصودة من الفعل.
والصلاة تسمى ذكرا لاشتمالها على الأذكار القولية من تهليل وتحميد وتنزيه وهي باعتبار آخر مصداق من مصاديق الذكر لأنها بمجموعها ممثل لعبودية العبد لله سبحانه كما قال: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) الجمعة: 9، وهي باعتبار آخر أمر يترتب عليه الذكر ترتب الغاية على ذي الغاية يشير إليه قوله تعالى: (وأقم الصلاة لذكرى) طه: 14.
والذكر الذي هو غاية مترتبة على الصلاة أعني الذكر القلبي بمعنى استحضار المذكور في ظرف الادراك بعد غيبته نسيانا أو إدامة استحضاره، أفضل عمل يتصور صدوره عن الانسان وأعلاه كعبا وأعظمه قدرا وأثرا فإنه السعادة الأخيرة التي هيئت للانسان ومفتاح كل خير.
ثم إن الظاهر من سياق قوله: (وأقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) أن قوله: (ولذكر الله أكبر) متصل به مبين لاثر آخر للصلاة وهو أكبر مما بين قبله، فيقع قوله: (ولذكر الله أكبر) موقع الاضراب والترقي ويكون المراد الذكر القلبي الذي يترتب على الصلاة ترتب الغاية على ذي الغاية فكأنه قيل: أقم الصلاة لتردعك عن الفحشاء والمنكر بل الذي تفيده من ذكر الله الحاصل بها أكبر من ذلك أي من النهى عن الفحشاء والمنكر لأنه أعظم ما يناله الانسان من الخير وهو مفتاح كل خير والنهى عن الفحشاء والمنكر بعض الخير.
ومن المحتمل أن يراد بالذكر ما تشتمل عليه الصلاة من الذكر أو نفس الصلاة والجملة أيضا واقعة موقع الاضراب، والمعنى: بل الذي تشتمل عليه الصلاة من ذكر الله أو نفس الصلاة التي هي ذكر الله أكبر من هذا الأثر الذي هو النهى عن الفحشاء والمنكر لان النهى أثر من آثارها الحسنة و (ذكر الله) على الاحتمالين جميعا من المصدر المضاف إلى مفعوله والمفضل عليه لقوله: (أكبر) هو النهى عن الفحشاء والمنكر.
ولهم في معنى الذكر وكون المضاف إليه فاعلا أو مفعولا للمصدر وكون المفضل عليه خاصا أو عاما أقوال أخر.
فقيل: معنى الآية: ذكر الله العبد أكبر من ذكر العبد لله تعالى وذلك أن الله تعالى يذكر من ذكره لقوله: (فاذكروني أذكركم) البقرة: 152، وقيل: المعنى:
ذكر الله تعالى العبد أكبر من الصلاة، وقيل: المعنى: لذكر الله العبد أكبر من كل شئ.
وقيل: المعنى: لذكر العبد لله في الصلاة أكبر من سائر أركان الصلاة، وقيل:
المعنى: لذكر العبد لله في الصلاة أكبر من ذكره خارج الصلاة، وقيل: المعنى: لذكر العبد لله أكبر من سائر أعماله، وقيل: المعنى: للصلاة أكبر من سائر الطاعات، وقيل: المعنى: لذكر العبد لله عند الفحشاء والمنكر وذكر نهيه عنهما أكبر من زجر الصلاة وردعها، وقيل: ان قوله: (أكبر) معرى من معنى التفضيل لا يحتاج إلى مفضل عليه كقوله: (ما عند الله خير من اللهو).
فهذه أقوال لهم متفرقة أغمضنا عن البحث عما فيها ايثارا للاختصار، والتدبر في الآية يكفي مؤنة البحث على أن التحكم في بعضها ظاهر لا يخفى.