وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ابنتي الكريمة، ما تصفينه قد يجتمع فيه جانب طبيعي وآخر روحي.
والنعاس وكثرة التثاؤب والدمع والصداع عند التلاوة كثيراً ما يرتبطان بوقت القراءة وهيئتها؛ فالقراءة على السرير، أو آخر اليوم مع قلة النوم، أو بعد النظر الطويل إلى الشاشات، أو مع جفاف بسيط وإجهاد للعين، كلها تزيد هذه الأعراض.
ومع ذلك فهناك أيضاً عامل معنوي يتمثّل في وساوس التثبيط والكسل تصدّ العبد عند الإقبال على القرآن، فينشأ إحساس داخلي يدعو إلى قطع القراءة.
والخوف عند الاستماع ليلاً عبر السماعات قد يتغذّى من الظلام والعزلة الصوتية فيزداد التوتّر.
والحل يكون بتعديل الأسباب الظاهرة مع الاستعانة بالله على دفع الخفيّة.
ابنتي، اجعلي تلاوتك في وقت تكونين فيه يقِظة ونشيطة، والأفضل أول النهار بعد الفجر أو بعد استراحة قصيرة نهاراً، على وضوء وفي مكان مضيء مع جلوس مستقيم بعيداً عن السرير.
وابدئي بالتعوّذ قائلة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، كما أمر الله تعالى: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم (النحل: 98). واستعيني بمصحف ورقي إن أمكن، واقرئي بصوت مسموع هادئ.
وقسّمي وردك إلى فترات قصيرة ثابتة؛ خمس إلى عشر دقائق تكفي للبداية، ثم راحة يسيرة تعودين بعدها.
وإن جاء التثاؤب أو فتور مفاجئ فغيّري وضعك، رطّبي وجهك بقليل من الماء، واشربي جرعة ماء، وقولي لنفسك: آية واحدة فقط ثم أخرى؛ تجزئة الهدف تُضعف الوسواس. اختاري سوراً محبّبة يسيرة، وثبّتي مقداراً صغيراً يومياً ولو بضع آيات مع المحافظة، ولا تجبري نفسك على القراءة حين يغلب النعاس حتى لا يرتبط القرآن في ذهنك بوقت النوم.
وفي شأن الاستماع ليلاً، إن كان يزيد الخوف فخفّفي الظلام، واتركي سماعات الأذن، وشغّلي التلاوة بصوت منخفض في الغرفة، أو اجعلي الاستماع في النهار، واكتفي قبل النوم بأذكار يسيرة كآية الكرسي وسور الإخلاص والجحد والمعوّذتين، ثم أطفئي الهاتف قبل النوم بقليل واذكري الله بهدوء.
أما صلاة الليل، فعودتك إليها تكون بالتدرّج بلا قسوة على النفس.
ولو خشيتِ عدم القيام آخر الليل فصلي ما تيسّر قبل النوم، وإن فاتتك فقضاؤها نهاراً حسن.
ويمكنك الاكتفاء في بعض الليالي بركعتي الشفع والوتر، بل حتى ركعة الوتر وحدها نافعة، ثم زيدي شيئاً فشيئاً حتى تستقيم العادة.
ابنتي، ساعدي نفسك بتنظيم النوم، والتخفيف من الطعام المتأخر، ووضع منبّه مناسب، وأخذ قيلولة خفيفة عند الحاجة.
واعلمي أن صلاة الليل نافلة، فالتقصير فيها لا يوجب الإثم، إنما المطلوب المثابرة الهادئة على قدر الاستطاعة. علماً ان صلاة الليل عند سماحته (دام ظله) يبدأ وقتها من أول الليل، وليس من منتصف الليل.
وإذا بقي الصداع والدمع الشديد والتعب يتكرر حتى في أوقات النشاط، فاحرصي أيضاً على فحص النظر، وتنظيم النوم، وشرب الماء، ومراجعة طبيب عند الحاجة للاطمئنان على أمور بسيطة كفقر الدم أو إجهاد العين، لتزول الأسباب البدنية المعيقة.
أسأل الله أن يجعل القرآن ربيع قلبك ونور صدرك، وأن يرزقك لذة التلاوة ودوام التوفيق لقيام الليل.