بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
إن الخلاف الظاهر عملياً في موضوع الوضوء هو في أمرين :
أحدهما : طريقة غسل اليدين ، حيث يبدأ المسلمون الشيعة بغسلهما من المرفقين إلى أطراف الأصابع ، ولكن المسلمين السنة يبدأون بغسلهما من الأصابع إلى المرفقين . .
ويقول المسلمون السنة :
إن كلمة « إلى » في قوله تعالى : * ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ) * تدل على أن الغسل ينتهي عند المرافق .
ولكن المسلمين الشيعة قالوا :
إنه سبحانه ليس بصدد بيان كيفية الغسل ، بل هو بصدد تحديد المغسول ، فهو كقولك : إغسل رجليك إلى الركبتين ، فذلك لا يعني أنه يجب عليك أن تبدأ بالغسل من أسفل قدميك باتجاه الأعلى ، لكي ينتهي بالركبتين .
وقد رووا عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ما يثبت صحة هذا المعنى .
الأمر الثاني : موضوع غسل الرجلين ، حيث ذهب الشيعة إلى وجوب مسحهما ، وقال أهل السنة بوجوب الغسل ، غير أن أحمد بن
حنبل جوَّز مسحهما ، كما نقل عنه [1] ، ونقل عن بعض أهل الظاهر ، وجوب الغسل والمسح [2] .
واستدل المسلمون الشيعة بالإضافة إلى وجود روايات كثيرة رويت في مسند أحمد بن حنبل وغيره صرحت بالمسح . . بقوله تعالى : * ( وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) * فإنها معطوفة على ما قبلها ، من قبيل العطف على المحل ، لأن الباء في قوله : * ( بِرُءُوسِكُمْ ) * حرف جر زائد داخل على المفعول به ، جيء به لإفادة معنى التبعيض ، أي امسحوا بعض رؤوسكم .
وأيدوا ذلك أيضاً بأن كلمة « وَأَرْجُلَكُمْ » قد قرئت بالجر ، وهي قراءة ابن كثير ، وحمزة ، وأبي عمير ، وعاصم في رواية أبي بكر ، وقرأ نافع ، وابن عامر ، وعاصم في رواية حفص ، بالنصب .
وقد قيل : بل إن الجرَّ قد كان لأجل المجاورة ، فهو لفظي ، ليس له أثر في المعنى .
فأجيب : بأن الجر بالمجاورة إنما يجوز مع الأمن من اللبس والشبهة .
بل إن الكسر على الجوار معدود في دائرة اللحن والغلط الذي يُنزَه القرآن عنه .
كما أن الجر بالمجاورة لا يكون مع حرف العطف .
وقد صرح الفخر الرازي : بأنه بناء على قراءة الجر ، فالمسح هو المتعين ، وبناء على قراء النصب فكذلك ، لأن كلمة « وَأَرْجُلَكُمْ » إما أن تكون تابعة ل « امْسَحُوا » أو ل « اغْسِلُوا » ، ومن الواضح أنه إذا تنازع عاملان فالأقرب مقدم ، والأقرب هنا قوله تعالى : * ( وَامْسَحُوا ) * .
وهذا ما يؤكد على لزوم الأخذ بأخبار المسح ، التي رواها المسلمون السنة في كتبهم ، لأنها مؤيدة بالكتاب العزيز .
أما أخبار الغَسل ، فالاحتياط يقتضي اجتنابها ، لأنها مخالفة لظاهر الكتاب . .
وقال إبراهيم الحلبي في كتابه غنية المتملي في شرح منية المصلي : « الصحيح أن الأرجل معطوفة على « بِرُءُوسِكُمْ » في القراءتين ، ونصبها على المحل ، وجرها على اللفظ ، وذلك لامتناع العطف على المنصوب ، بكلمة « اغْسِلُوا » للفصل بين العاطف والمعطوف بجملة أجنبية ، والأصل أن لا يفصل بينهما بمفرد ، فضلاً عن الجملة .
ولم يسمع من الفصيح نحو ضربت زيداً ، ومررت بعمرو وبكراً ، بعطف بكر على زيد » .
ثم ذكر : أن الجر بالمجاورة في النعت وفي التأكيد ، وهو قليل في النعت .
ونفس هذا الكلام ذكره ابن حزم في المحلى ج 1 ص 207 أيضاً .
وأما أخبار غسل الرجلين ، فعمدتها خبر حمران مولى عثمان بن عفان ، وهو مخالف لظاهر الآية .
أما خبر عبد الله بن عمر وابن العاص ، المروي في الصحيحين وفيه : « فجعلنا نمسح على أرجلنا ، فنادى [ أي النبي صلى الله عليه
وآله ] ويل للأعقاب من النار » .
فهو يدل على شهرة المسح بين المسلمين . والنبي لم يعترض على المسح ، وإنما اعترض على قذارة أعقابهم ، ولعلها قذارات لا يصح الدخول في الصلاة معها . .
بل ذكر في بداية المجتهد : أنه صلى الله عليه وآله لم ينكر المسح ، بل أنكر تقصيرهم فيه ، وعدم تعميمه لتلك المواضع . .
وهناك مسائل خلافية أخرى في موضوع الوضوء مثل المسح على الخفين ، ومسح الأذنين وغير ذلك يطول الحديث فيها .
والحمد لله رب العالمين . .