( 40 سنة ) - العراق
منذ 3 سنوات

تفسير الايات

ما تفسير هذه الايات من سورة المؤمنون الاية 60 بسم الله الرحمان الرحيم(والذين يؤتون ما اتو وقلوبهم وجلة انهم الى ربهم راجعون اولائك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ولا نكلف نفسا لا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون) صدق الله العظيم


(والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ) الوجل الخوف، وقوله: " يؤتون ما آتوا " أي يعطون ما أعطوا من المال بالانفاق في سبيل الله وقيل: المراد بإيتاء ما آتوا إتيانهم بكل عمل صالح، وقوله: " وقلوبهم وجلة " حال من فاعل " يؤتون ". والمعنى والذين ينفقون ما أنفقوا أو يأتون بالاعمال الصالحة والحال أن قلوبهم خائفة من أنهم سيرجعون إلى ربهم أي إن الباعث لهم على الانفاق في سبيل الله أو على صالح العمل ذكرهم رجوعهم المحتوم إلى ربهم على وجل منه. وفي الآية دلالة على إيمانهم باليوم الاخر وإتيانهم بصالح العمل وعند ذلك تعينت صفاتهم أنهم الذين يؤمنون بالله وحده لا شريك له وبرسله وباليوم الآخر ويعملون الصالحات. ثم قال: " أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون " الظاهر أن اللام في " لها " بمعنى " إلى " و " لها " متعلق بسابقون، والمعنى أولئك الذين وصفناهم هم يسارعون في الخيرات من الأعمال وهم سابقون إليها أي يتسابقون فيها لان ذلك لازم كون كل منهم مريدا للسبق إليها. فقد بين في الآيات أن الخيرات هي الأعمال الصالحة المبتنية على الاعتقاد الحق الذي عند هؤلاء المؤمنين وهم يسارعون فيها وليست الخيرات ما عند أولئك الكفار وهم يعدونها بحسبانهم مسارعة من الله سبحانه لهم في الخيرات. قال في التفسير الكبير: وفيه يعني قوله: " أولئك يسارعون في الخيرات " وجهان: أحدهما: أن المراد راغبون في الطاعات أشد الرغبة فيبادرونها لئلا تفوت عن وقتها ولكيلا تفوتهم دون الاحترام. والثاني: أنهم يتعجلون في الدنيا أنواع النفع ووجوه الاكرام كما قال: " فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة " " وآتيناه في الدنيا أجره وإنه في الآخرة لمن الصالحين " لانهم إذا سورع لهم بها فقد سارعوا في نيلها وتعجلوها وهذا الوجه أحسن طباقا للآية المتقدمة لان فيه إثبات ما نفي عن الكفار للمؤمنين. انتهى. أقول: إن الذي نفي عن الكفار في الآية المتقدمة هو مسارعة الله للكفار في الخيرات والذي أثبت للمؤمنين في هذه الآية هو مسارعة المؤمنين في الخيرات، والذي وجهه في هذا الوجه أن مسارعتهم في الخيرات مسارعة من الله سبحانه بوجه فيبقى عليه أن يبين الوجه في وضع مسارعتهم في الآية موضع مسارعته تعالى وتبديلها منها، ووجهه بعضهم بأن تغيير الأسلوب للايماء إلى كمال استحقاقهم لنيل الخيرات بمحاسن أعمالهم، وهو كما ترى. والظاهر أن هذا التبديل إنما هو في قوله في الآية المتقدمة: " نسارع لهم في الخيرات " والمراد بيان أنهم يحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين خيرات يتسارعون إليها لكرامتهم وهم كافرون لكن لما كان ذلك بإعطاء من الله تعالى لا بقدرتهم عليها من أنفسهم نسبت المسارعة إليه تعالى ثم نفيت بالاستفهام الانكاري، وأثبت ما يقابله على الأصل للمؤمنين. فمحصل هذا النفي والاثبات أن المال والبنين ليست خيرات يتسارعون إليها ولا هم مسارعون إلى الخيرات بل الأعمال الصالحة وآثارها الحسنة هي الخيرات والمؤمنون هم المسارعون إلى الخيرات. قوله تعالى: " ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون " الذي يعطيه السياق أن في الآية ترغيبا وتحضيضا على ما ذكره من صفات المؤمنين ودفعا لما ربما ينصرف الناس بتوهمه عن التلبس بكرامتها من وجهين أحدهم أن التلبس بها أمر سهل في وسع النفوس وليس بذاك الصعب الشاق الذي يستوعره المترفون، والثاني أن الله لا يضيع عملهم الصالح ولا ينسى أجرهم الجزيل. فقوله: " ولا نكلف نفسا إلا وسعها " نفي للتكليف الحرجي الخارج عن وسع النفوس أما في الاعتقاد فإنه تعالى نصب حججا ظاهرة وآيات باهرة تدل على ما يريد الايمان به من حقائق المعارف وجهز الانسان بما من شأنه أن يدركها ويصدق بها وهو العقل ثم راعى حال العقول في اختلافها من جهة قوة الادراك وضعفه فأراد من كل ما يناسب مقدار تحمله وطوقه فلم يرد من العامة ما يريده من الخاصة ولم يسأل الأبرار عما سأل عنه المقربين ولا ساق المستضعفين بما ساق به المخلصين. وأما في العمل فإنما ندب الانسان منه إلى ما فيه خيره في حياته الفردية والاجتماعية الدنيوية وسعادته في حياته الأخروية، ومن المعلوم أن خير كل نوع من الأنواع ومنها الانسان إنما يكون فيما يتم به حياته وينتفع به في عيشته وهو مجهز بما يقوى على إتيانه وعمله، وما هذا شأنه لا يكون حرجيا خارجا عن الوسع والطاقة. فلا تكليف حرجيا في دين الله بمعنى الحكم الحرجي في تشريعه مبنيا على مصلحة حرجية، وبذلك أمتن الله سبحانه على عباده، وطيب نفوسهم ورغبهم إلى ما وصفه من حال المؤمنين. والآية " ولا نكلف نفسا إلا وسها " تدل على ذلك وزيادة فإنها تدل على نفي التكليف المبني على الحرج في أصل تشريعه كتشريع الرهبانية والتقرب بذبح الأولاد مثلا، ونفي التكليف الذي هو في نفسه غير حرجي لكن اتفق أن صار بعض مصاديقه حرجيا لخصوصية في المورد كالقيام في الصلاة للمريض الذي لا يستطيعه فالجميع منفي بالآية وإن كان الامتنان والترغيب المذكوران يتما بنفي القسم الأول. والدليل عليه في الآية تعلق نفي التكليف بقوله: " نفسا " وهو نكرة في سياق النفي يفيد العموم، وعليه فأي نفس مفروضة في أي حادثة لا تكلف إلا وسعها ولا يتعلق بها حكم حرجي سواء كان حرجيا من أصله أو صار حرجيا في خصوص المورد. وقد ظهر أن في الآية إمضاء لدرجات الاعتقاد بحسب مراتب العقول ورفعا للحرج سواء كان في أصل الحكم أو طارئا عليه.

2