Hajji Jesus ( 30 سنة ) - كندا
منذ سنتين

ذبائح الكتابيين

سلام عليكم ما تفسير هذه الاية الكريم: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ هل يجوز ان ناكل من ذبائح اليهود والنصارى؟ شكرا


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته تناولت هذه الآية، التي جاءت مكملة للآيات السابقة، نوعا آخر من الغذاء الحلال، فبينت أن كل غذاء طاهر حلال، وإن غذاء أهل الكتاب حلال للمسلمين، وغذاء المسلمين حلال لأهل الكتاب، وحيث قالت الآية: اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم.... وتشتمل هذه الآية الكريمة على أمور نجلب الالتفات إليها، وهي: 1 - إن المراد بكلمة " اليوم " الواردة في هذه الآية هو يوم " عرفة " بناء على ما اعتقده بعض المفسرين، وقد ذهب مفسرون آخرون إلى أن المراد هو اليوم الذي تلا فتح خيبر - ولا يبعد - أن يكون هو نفس " يوم غدير خم " الذي تحقق فيه النصر الكامل للمسلمين على الكفار . 2 - لقد تناولت هذه الآية قضية تحليل الطيبات مع أنها كانت حلالا قبل نزول الآية والهدف من ذلك هو أن تكون هذه القضية مقدمة لبيان حكم " طعام أهل الكتاب ". 3 - ما هو المقصود ب‍ " طعام أهل الكتاب " الذي اعتبرته الآية حلالا على المسلمين؟ يعتقد أغلب مفسري علماء السنة أن " طعام أهل الكتاب " يشمل كل أنواع الطعام، سواء كان من لحوم الحيوانات المذبوحة بأيدي أهل الكتاب أنفسهم أو غير ذلك من الطعام، بينما تعتقد الأغلبية الساحقة من مفسري الشيعة وفقهائهم أن المقصود من " طعام أهل الكتاب " هو غير اللحوم المذبوحة بأيدي أهل الكتاب، إلا أن هناك القليل من علماء الشيعة - أيضا - ممن يقولون بصحة النظرية الأولى التي اتبعها أهل السنة. وتؤكد رأي غالبية الشيعة - في هذا المجال - الروايات العديدة الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام). فقد جاء في تفسير علي بن إبراهيم عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال في هذه الآية: " عني بطعامهم ها هنا الحبوب والفاكهة غير الذبائح التي يذبحون، فإنه لا يذكرون اسم الله عليها ". ووردت روايات عديدة أخرى في هذا المجال في الجزء السادس عشر من كتاب وسائل الشيعة في الباب 51 من أبواب الأطعمة والأشربة، في الصفحة 371. وبالإمعان في الآيات السابقة يتبين أن التفسير الثاني ذهبت إليه الأكثرية من مفسري الشيعة وفقهائهم (تفسير الطعام بغير الذبيحة) هو أقرب إلى الحقيقة من التفسير الأول. وذلك - كما أوضح الإمام الصادق (عليه السلام) في الرواية التي أوردناها أعلاه - لأن أهل الكتاب لا يراعون الشروط الإسلامية في ذبائحهم، فهم لا يذكرون اسم الله على الذبيحة، ولا يوجهونها صوب القبلة أثناء ذبحها، كما أنهم لا يلتزمون برعاية الشروط الأخرى - فهل يعقل أن تحرم الآية السابقة - وبصورة صريحة - لحم الحيوان المذبوح بهذه الطريقة، وتأتي آية أخرى بضدها لتحلله؟! وترد على الذهن في هذا المجال أسئلة نلخصها فيما يلي: 1 - لو كان المقصود بالطعام سائر الأغذية ما عدا لحوم ذبائح أهل الكتاب، فإن هذه الأغذية كانت حلالا من قبل، ولا فرق بين وجودها في أيدي أهل الكتاب أو غيرهم، فهل كان شراء الحبوب والغلات من أهل الكتاب قبل نزول هذه الآية شيئا مخالفا للشرع، في حين أن المسلمين كانوا دائما يتعاطون مع أهل الكتاب شراء وبيع هذه الأشياء؟! إذا توجهنا إلى نقطة أساسية في الآية الكريمة، يتوضح لنا بجلاء جواب هذا السؤال، فالآية الأخيرة - هذه - نزلت في زمن كان للإسلام فيه السلطة الكاملة على شبه الجزيرة العربية وقد أثبت الإسلام وجوده في كل الساحات والميادين على طول هذه الجزيرة وعرضها، بحيث أن أعداء الإسلام قد تملكهم اليأس التام لعجزهم عن دحر المسلمين، ولذلك اقتضت الضرورة - في مثل هذا الظرف المناسب للمسلمين - أن ترفع القيود والحدود التي كانت مفروضة قبل هذا في مجال مخالطة المسلمين لغيرهم، حيث كانت هذه القيود تحول دون تزاور المسلمين مع الغير. لذلك نزلت هذه الآية الكريمة وأعلنت تخفيف قيود التعامل والمعاشرة مع أهل الكتاب، بعد أن ترسخت قواعد وأساس الحكومة الإسلامية، ولم يعد هناك ما يخشى منه من جانب غير المسلمين، فسمحت الآية بالتزاور بين المسلمين وغيرهم، وأحلت طعام بعضهم لبعض كما أحلت التزواج فيها بينهم . جدير بالقول أن الذين لا يرون طهارة أهل الكتاب يشترطون أن يكون طعامهم خاليا من الرطوبة أو البلل، وإذا كان الطعام رطبا يشترط أن لا تكون أيادي أهل الكتاب قد مسته لكي يستطيع المسلمين تناول هذا الطعام، كما يرى هؤلاء عدم جواز تناول طعام أهل الكتاب إن لم تتوفر الشروط المذكورة فيه. إلا أن مجموعة أخرى من العلماء الذين يرون طهارة أهل الكتاب، لا يجدون بأسا في تناول الطعام مع أهل الكتاب والحلول ضيفا عليهم، شرط أن لا يكون طعامهم من لحوم ذبائحهم وأن يحصل اليقين من براءته من نجاسة عرضية (كأن يكون قد تنجس باختلاطه أو ملامسته للخمرة أو الجعة " ماء العشير "). وخلاصة القول: إن الآية - موضوع البحث - جاءت لترفع الحدود والقيود السابقة الخاصة بمعاشرة أهل الكتاب، والدليل على ذلك هو إشارة الآية لإباحة طعام المسلمين لأهل الكتاب، أي السماح للمسلمين باستضافتهم، كما تتطرق الآية بعد ذلك مباشرة إلى حكم التزاوج بين المسلمين وأهل الكتاب (أي الزواج بنساء أهل الكتاب). وبديهي أن النظام الذي يمتلك السيطرة الكاملة على أوضاع المجتمع، هو وحده القادر على إصدار مثل هذا الحكم لمصلحة أتباعه دون أن يساوره أي قلق بسبب الأعداء، وقد ظهرت هذه الحالة في الحقيقة في يوم غدير خم، أو في يوم عرفة في حجة الوداع كما اعتقده البعض، أو بعد فتح خيبر، مع أن يوم غدير خم هو الأقرب إلى هذا الموضوع. أورد صاحب تفسير المنار في كتابه إعتراضا آخر في تفسير هذه الآية، حيث يقول بأن كلمة " طعام " وردت في كثير من آيات القرآن بمعنى كل أنواع الطعام، وهي تشمل اللحوم أيضا، فكيف يمكن تقييد الآية بالحبوب والفواكه وأمثالها؟، ثم يقول بأنه طرح هذا الاعتراض في مجلس كان يضم جمعا من الشيعة فلم يجب أحد عليه. وباعتقادنا نحن أن جواب اعتراض صاحب كتاب المنار واضح، فنحن لا ننكر أن لفظة " طعام " تحمل مفهوما واسعا، إلا أن ما ورد في الآيات السابقة، كبيان أنواع اللحوم المحرمة - وبالأخص لحوم الحيوانات التي لم يذكر اسم الله عليها لدى ذبحها - إنما يخصص هذا المفهوم الواسع ويحدد كلمة " طعام " في الآية بغير اللحوم، ولا ينكر أحد أن كل عام أو مطلق قابل للتخصيص والتقييد، كما نعلم أن أهل الكتاب لا يلتزمون بذكر اسم الله على ذبائحهم، ناهيك على أنهم لا يراعون - أيضا - الشروط الواردة في السنة في مجال الذبح. وجاء في كتاب " كنز العرفان " حول تفسير هذه الآية اعتراض آخر خلاصته أن كلمة " طيبات " لها مفهوم واسع، وهي " عامة " بحسب الاصطلاح، بينما جملة وطعام الذين أوتوا الكتاب خاصة، وطبيعي أن ذكر الخاص بعد العام يجب أن يكون لسبب، ولكن السبب في هذا المجال غير واضح، ثم يرجو صاحب الكتاب من الله أن يحل له هذه المعضلة العلمية . إن جواب هذا الاعتراض يتضح أيضا مما قلناه سابقا بأن الآية إنما جاءت بعبارة أحل لكم الطيبات كمقدمة من أجل بيان رفع القيود في التقارب مع أهل الكتاب، فالحقيقة أن الآية تقول بأن كل شئ طيب هو حلال للمسلمين، وبناء على هذا فإن طعام أهل الكتاب (إذ كان طيبا وطاهرا) هو حلال أيضا للمسلمين - وأن الحدود والقيود التي كانت تقف حائلا دون تقارب المسلمين مع أهل الكتاب قد رفعت أو خففت في هذا اليوم بعد الانتصارات التي أحرزها المسلمون فيه، (فليمعن النظر في هذا).

3