- العراق
منذ سنتين

هل يؤجر من يخطئ ؟

مولاي الفاضل العلامة المحقق الباحث السيد جعفر مرتضى العاملي حفظكم وأيدكم المولى عز وجل وأطال بعمركم وزادكم قوة وعزيمة بالدفاع عن المذهب الشريف . . مولاي هناك من يقول بأن القاعدة في استنباط الحكم تبنى على أساس أنه : من اجتهد وأخطأ فله حسنة ، وإن أصاب له حسنتان . . ولقد تناقشت مع أحد الإخوة أنه لو صحت هذه القاعدة لاستند إليها السنة باعتقادهم أن يزيد اللعين اجتهد بقتل مولاي الحسين وأخطأ ، فله - والعياذ بالله - حسنة . . فقالوا : الأمر ليس بهذا الشكل لأن العالم ممكن أن يسعى إلى استنباط حكم ، ويسهر عليه الليالي والأيام ، بعد توصله إلى الحكم ، يكون غير صائب ، فبهذا يكون له حسنة ، وإن أصاب فله حسنتان . فقلنا : العالم إذا سهر الليالي بحثاً عن حكم فسواء توصل إلى نتيجة أم لم يصل فبذل جهده فيه أجر ، لأن الله عز وجل يجازي بالجهد . ونذكر مثالاً على ذلك ، أن المؤمن يمكن أن يستغرق سنة في هداية إنسان آخر ولا يتمكن ، فهو مأجور على بذل جهده ، لأن الأجر بالجهد وليس فقط بالنتائج ، أما بالنسبة لاستنباط الأحكام الشرعية ، فعندنا كإمامية قاعدة وهي : من أفتى بغير علم فليتبوأ مقعده من النار . . مولاي . . الإخوة لم يقتنعوا مني ، على أساس أني من العوام ، ولا يحق لي أن أجزم بهذه المسائل ، فقررنا إحالة الموضوع لسماحتكم ، لكي تحسموا الخلاف ببحوثكم الغنية كما عودتمونا . . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . . إن مقولة من اجتهد فأخطأ فله أجر ، ومن أصاب فله أجران ، هي رواية رواها لنا أتباع مدرسة الخلفاء ، وأخذناها عنهم ، وصرنا نرددها من دون تثبت ، ثم إنهم بنفس هذه القاعدة ( ! ! ) برروا لنا قتال عائشة ومعاوية لعلي عليه السلام ، وثبت لهما الأجر الواحد بقتاله ، وبقتل عشرات الألوف من المؤمنين والمسلمين . بل قد ادعوا : أن عبد الرحمن بن ملجم قد اجتهد فأخطأ في قتل علي ، فهو مأجور أجراً واحداً على جريمته [1] وأبو الغادية قاتل عمار بن ياسر أيضاً قد اجتهد فأخطأ ، فهو مأجور أجراً واحداً على قتل عمار [2] . متى بدأت : اجتهد فأخطأ ؟ ! : وبعد : فإن أول من طرح مقولة الاجتهاد ، والخطأ في الاجتهاد ، لتبرير جرائم ارتكبها الآخرون هو - فيما نعلم - الخليفة الأول ، حينما طالبه الخليفة الثاني بإصرار بمعاقبة خالد بن الوليد لقتله الصحابي المعروف مالك بن نويرة ، حينما امتنع عن الاعتراف بشرعية الحكم الجديد ، وأصر على الالتزام بالوفاء للخليفة الذي أقصي عن موقعه ، ثم نزا على امرأة ذلك القتيل في الليلة التي قتله فيها بالذات ، فإن أبا بكر أطلق في هذه المناسبة بالذات كلمته المعروفة : « تأول فأخطأ » أو « اجتهد فأخطأ » [1] . ثم جاء من روى حديثاً يجعل لمن أصاب في اجتهاده أجرين ، وللمخطئ أجراً واحداً ، كما رواه عمرو بن العاص ، وأبو هريرة ، وعمر بن الخطاب [2] . وكانت هذه المقولة بمثابة « الأكسير » الذي يحول التراب إلى ذهب ، بل هي أعظم من الأكسير ، فقد بررت أفظع الجرائم وأبشعها ، حتى جريمة قتل الأبرياء في الجمل ، وصفين ، وقتل علي بن أبي طالب ، وعمار بن ياسر كما قدمنا ، ثم بررت جريمة لعن علي ( عليه السلام ) على ألوف المنابر ألف شهر ، ثم جريمة قتل الحسين ( عليه السلام ) وذبح أطفاله ، وسبي عقائل بيت الوحي وسوقهن من بلد إلى بلد . . إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه . . ومن أجل تتميم الفائدة وتعميمها ، فقد منح جيل من الناس بأكمله وسام الاجتهاد [1] ، يبرر له كل أخطائه ، مع أن فيهم مرتكب الزنى ، وشرب الخمر ، والقتل ، والسرقة ، وغير ذلك فضلاً عن الخروج على إمام زمانه ، ثم فيهم العالم والجاهل إلى درجة أنه لا يحسن أن يتوضأ ، أو أن يطلق امرأته . بل لقد قالوا : إن ما فعلوه كان بالاجتهاد والعمل به واجب ، ولا تفسيق بواجب [2] . بل قال البعض : يجوز للصحابة العمل بالرأي في موضع النص ، وهذا من الأمور الخاصة بهم دون غيرهم [3] . إلى أمور ومقولات كثيرة تحدثنا عنها في كتابنا « الصحيح من سيرة النبي « صلى الله عليه وآله » » في الجزء الأول منه ، فراجع . . المثوبة . . على الصواب والخطأ : وأخيراً . . نقول : إن هذه المقولة ، قد فرضت للمصيب أجرين ، وللمخطئ أجراً واحداً ، مع أن النصوص قد دلت على أن أفضل الأعمال أحمزها ، وقد يصرف المجتهد الكثير الكثير من الجهد والوقت في تتبع النصوص ، وتمحيص المسائل ، ثم تكون النتيجة خاطئة . . وقد لا يبذل عشر ذلك الجهد في مسألة يصيب فيها ، فهل يضيِّع الله له كل جهده الأول لمجرد صدفة ، هي أنه قد أخطأ الحكم الواقعي دون أن يعلم ! ! ثم تكسبه صدفة أخرى مثوبة وأجراً مضاعفاً لمجرد صدفة حصلت له ، وهي إصابته للواقع وهو غافل أيضاً عن ذلك ، وليس له في إصابته هذه ، وفي خطئه ذاك أي اختيار ، ولا مسؤولية ؟ ! ولماذا أضاع الله له كل ذلك الجهد الزائد الذي بذله ؟ ! مع أن الله يقول : * ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ) * [1] . . ويقول تعالى أيضاً : * ( أَنِّي لاَ أضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أنْثَى ) * [2] ؟ ! غفر الله لنا ولكم ، وحفظكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .