- العراق
منذ سنتين

الأربعة الحرم ، من هم ؟

بسم الله الرحمن الرحيم سماحة العلامة المحقق السيد مرتضى العاملي دامت بركاته . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . ورد في تفسير نور الثقلين للشيخ الحويزي قدس سره ، رواية شريفة عن الإمام الباقر عليه السلام ، في تأويل الآية 26 من سورة التوبة المباركة : * ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) * ( 1 ) . . حيث صرحت الرواية بأن الأربعة الحرم الذين هم الدين القيم يخرجون باسم واحد : علي أمير المؤمنين ، والإمام علي بن الحسين ، والإمام علي بن موسى ، والإمام علي بن محمد ، عليهم السلام . لماذا قيدت الرواية الشريفة الأربعة الحرم بالأئمة المسمين باسم علي دون سائر الأئمة عليهم السلام ؟ وما هي الوجوه المحتملة من هذا القيد ؟ دعائي لكم بالموفقية والسداد بحق سيدتي الزهراء صلى الله عليها . . وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين .


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . . فإننا بالنسبة للرواية التي سألتم عنها نقول : 1 - إن سندها ضعيف ، لا يصلح للاعتماد عليه ، لأن الشيخ الطوسي رواها في الغيبة صفحة 96 عن جابر من دون سند ، وهي عنه في نور الثقلين الجزء 2 صفحة 215 وفي البرهان للبحراني الجزء 2 صفحة 123 أيضاً . . وإن كنا نعتقد أن الضعف لا يعني كذب المضمون . . 2 - لقد صرحت الرواية : أن السائل قد سأل عن تأويل هذه الآية المباركة ، فأجابه الإمام عليه السلام بما ذكر ، ولم يسأل عن تفسير الآية . . ومن الواضح : أن التفسير إنما هو الكشف عن معاني الألفاظ ، سواء في ذلك المفردات في أنفسها ، أم بما لها من هيئآت تركيبية في ضمن السياق البياني العام ، فإن ذلك يجعلها قادرة على تحمل المعاني الأكثر سعة ، والأكثر غنى بالخصائص والمزايا . . أما التأويل ، فهو مأخوذ من الأوْل . . والكشف عما يؤول إليه الأمر ولو بملاحظة ملازمات خفية ، أو بعيدة ، لا يكون اللفظ قادراً على الكشف عنها ، يكون تأويلاً لا تفسيراً . . وليس بالضرورة أن يكون البشر قادرين على إدراك تلك الملازمات ، واكتشاف تلك الروابط الخفية التي تربط بين مدلولات الكلام الظاهرة ، وبين المعاني الأخرى التي تكون هي المآل والمرجع والنهاية . . ومن الواضح : أن العجز عن إدراك تلك الملازمات ينتج عجزاً عن إدراك المعنى الذي اعتبر تأويلاً . . ولعل هذا هو السر في أن القرآن يقول : * ( وَمَا يَعْلَمُ تَأوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ) * [1] . وقال تعالى : * ( بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأتِهِمْ تَأوِيلُهُ ) * [2] . ولأجل ذلك ، فإننا لا نجد أية غضاضة في الإعراب الصريح عن أننا غير قادرين على معرفة ما يدخل في دائرة التأويل ، ومنه ما ورد في سؤالكم الذي يقول : « لماذا قيدت الرواية الشريفة الأربعة الحرم بالأئمة المسمين باسم علي دون سائر الأئمة عليهم السلام » . . بل إن علم التأويل يحتاج إلى التعليم الإلهي ، وإنما يناله من نال درجة الاجتباء الإلهي ، قال تعالى : * ( وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأوِيلِ الأَحَادِيثِ ) * [3] . 3 - قد يقال : إن الرواية لم تقل : إن المسمين باسم علي هم الأربعة الحرم ، وذلك لأن قوله : أربعة منهم يخرجون باسم واحد ، كلام مستأنف لا ارتباط له بما قبله ، ولو كان مرتبطاً به ، لكان ينبغي أن يقول : والأربعة الحرم الذين « هم الدين القيم » ، وهم الذين يخرجون باسم واحد . . من دون حاجة إلى إعادة كلمة « أربعة منهم » . . والظاهر : أن قوله : الذين هم الدين القيم مرتبط بمجموع الأئمة ، كارتباط الفقرات التي قبله بهم جميعاً . . فهو يقول : هؤلاء الأئمة هم حجج الله على خلقه ، وأمناؤه على وحيه وعلمه ، وهم الأربعة الحرم ، الذين هم الدين القيم . ولأجل ذلك قال في آخر الرواية : « فالإقرار بهؤلاء هو الدين القيم » . . إذ ليس المقصود الإقرار بخصوص الأربعة الذين اسمهم « علي » بل المقصود الإقرار بجميع الأئمة عليهم السلام ، بقرينة قوله بعدها مباشرة : « . . * ( فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ) * [1] أي قولوا بهم جميعاً تهتدوا » . . وقد يقال أيضاً : لعل في الرواية اضطراباً وخللاً في نقل الكلام ، ولعل الصحيح هو : « والأربعة الحرم الذين هم الدين القيم ، أربعة منهم يخرجون باسم واحد : الخ . . » . 4 - ولكن هذا الذي ذكرناه إنما هو لو خلينا وهذه الرواية ولم ننظر في غيرها مما يفيد في إيضاح معناها . . مع أننا إذا راجعنا الرواية التي أوردها النعماني ، وهي قد تضمنت نفس هذا المعنى ، فإننا سوف نجد فيها ما يفيد في إيضاح المراد من رواية نور الثقلين . فقد ورد فيها : أن الله تعالى قد اشتق اسم علي عليه السلام من اسمه العلي ، وثلاثة من ولده عليه السلام اسمهم علي ، كما اشتق لرسول الله صلى الله عليه وآله اسماً من اسمه المحمود ، فصار لهذا الاسم المشتق من اسم الله عز وجل حرمة به . . [1] . فالسبب في تسمية هؤلاء الأربعة ب‌ « الأربعة الحرم » هو تسميتهم باسم « علي » الذي هو من أسماء الله تعالى ، وأسماء الله تعالى لها حرمة بين الأسماء ، كحرمة الشهور الأربعة في جملة شهور السنة . . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين . .