- العراق
منذ سنتين

العزلة

بسم الله الرحمن الرحيم أود أن أسأل سماحتكم عن العزلة والخلوة الشرعية والاختلاء بالنفس ، والتأمل في قدرة الله ، عن فضلها وأثرها وكيفية أدائها بالشكل الصحيح ، وكيفية الخشوع المطلوب ؟ علماً بأنني فتاة لي من العمر 17 عاماً . . أفيدونا جزاكم الله خيراً وثبتنا الله وإياكم على الحق دائماً . .


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . . فقد حث القرآن الكريم على التفكر والتدبر في آيات الله ، وفي عجائب خلقه وصنعه ، في موارد كثيرة ، ومنها قوله تعالى : * ( . . كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * في الدنيا والآخرة ) * . . ( 1 ) . وقال : * ( وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً ) * [1] . وقال : * ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) * [2] . ووردت روايات تحث على التفكر والتدبر أيضاً ، منها : ما رواه الكليني رحمه الله ، عن أمير المؤمنين عليه السلام : « نبِّه بالفكر قلبك ، وجاف عن الليل جنبك ، واتق الله ربك » . . [3] . وعنه عليه السلام : « التفكر يدعو إلى البر والعمل به » . . [4] . وعن الإمام الصادق عليه السلام : « كان أكثر عبادة أبي ذر التفكر والاعتبار » . . [5] . وعن الإمام الرضا عليه السلام : « ليست العبادة كثرة الصيام والصلاة ، إنما العبادة كثرة التفكر في أمر الله » . . [6] . والروايات في ذلك كثيرة جداً [1] ، غير أنه لا بد من لفت النظر إلى أمرين : أحدهما : أن التفكر يفرض تزويد الفكر بأدوات ووسائل ومواد يتصرف فيها ، ويرتِّبها وفق معايير وضوابط ، ليصل من خلالها إلى نتائج جديدة ، لم يكن ليحصل عليها ، لولا هذا التصرف فيما توفر لديه من معلومات . . ثم ينتقل من هذه المرحلة إلى مرحلة الاعتبار ، الذي يتمثل في إفساح المجال لما حصل عليه من معارف من خلال ذلك التفكر والتدبر ، ليدخل إلى آفاق النفس ، ويثير فيها حالة من الانفعال الإيجابي ، المؤثر في إيجاد الحوافز للمبادرة إلى التحرز مما تفرض الحكمة التحرز منه ، والاندفاع لتهيئة الوسائل والأدوات التي تصله وتوصله إلى ما يتحتم عليه الاتصال به ، والوصول إليه . . ولا شك في أن الحصول على رضا الله سبحانه يأتي في المقام الأول في هذا السياق ، ولعل هذا هو ما يقصده المحقق الطوسي حين قال : « التفكر سير الباطن من المبادي إلى المقاصد » . . وهذا معناه . . أنه لا بد من تغذية الفكر بالمعارف الحقة ، والصحيحة ، بالاعتماد على هدي القرآن ، والاستفادة من مضامين الأحاديث الشريفة ، الواردة عن أهل بيت العصمة بما في ذلك مضامين الأدعية والزيارات المرسومة ، وخطب أمير المؤمنين عليه السلام ، وغير ذلك . . ولا يكون التفكر مجرد حالة صمت ، وإيحاء للنفس بالخوف والرهبة ، بل مبدأ التفكر هو التدبر في آيات الله ، والاطلاع على حقائق التكوين ، وأسرار التشريع ، وروائع الحِكَم التي زخرت بها المجاميع الحديثية عن أهل البيت عليهم السلام . . الثاني : قد ورد عنهم عليهم السلام النهي عن التفكر في ذات الباري جل وعلا . وقد عقد العلامة المجلسي في بحار الأنوار باباً لبيان هذا الأمر . . [1] . وقد روي أن رجلاً قال لأمير المؤمنين عليه السلام : هل تصف ربنا ، نزداد له حباً ، وبه معرفة ؟ فغضب ، وخطب الناس ، فقال فيما قال : « عليك يا عبد الله بما دلك عليه القرآن من صفته ، وتقدسك فيه الرسول من معرفته ، فائتم به ، واستضئ بنور هدايته ، فإنما هي نعمة وحكمة أوتيتها ، فخذ ما أوتيت ، وكن من الشاكرين . وما كلفك الشيطان علمه مما ليس عليك في الكتاب فرضه ، ولا في سنة الرسول ، وأئمة الهداة أثره ، فكل علمه إلى الله . ولا تقدر عليه عظمة الله على قدر عقلك ، فتكون من الهالكين » [1] . فأمير المؤمنين عليه السلام يأمرنا بأن نأخذ بما ورد في القرآن ، وعن الرسول صلى الله عليه وآله ، والأئمة الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وذلك يفرض علينا المبادرة إلى تعلم ذلك ، وفهمه . . وأن لا نجعل للشيطان علينا سبيلاً ، بالدخول في مداخل قد نضيع فيها ، حيث لا يكون لدينا نور هداية ، أو سبيل نجاة ، من أعلام الهدى ، وسفن وسُبُل النجاة . . والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين . .