- العراق
منذ سنتين

فوارق بين الكلمات القرآنية

بسم الله الرحمن الرحيم سماحة العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي أدام المولى الجليل تأييده . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . الحمد لله رب العالمين , وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيد المرسلين , محمد وآله الطاهرين . سيدنا الجليل : عندما ترد الكلمات التالية في القرآن الكريم : 1 - يصنعون : * ( إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) * ( 1 ) . 2 - يعملون : * ( لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) * [1] , * ( وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) * [2] . 3 - يفعلون : * ( لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ) * [3] . . هل المعنى واحد ؟ ! أم أن تلك الكلمات لها دلالات أخرى ؟ بمعنى آخر , لو بدلنا كلمة : « يَعْمَلُونَ » في آية : * ( وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) * . . بكلمة « يَفْعَلُونَ » , أو قل بكلمة « يَصْنَعُونَ » , هل تحافظ الآية على مدلولها أم لا ؟ وما الفرق بين الصنع ، والعمل ، والفعل ، في القرآن الكريم ؟ وما الفرق أيضاً بين أن تأتي كلمات الصراط المستقيم « معرفة » أو « منكرة » في الآيات التالية ؟ * ( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) * ( 4 ) . لما لا ترد : « إلى الصراط المستقيم » . . * ( إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ، عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) * ( 5 ) . . لما لا ترد « على الصراط المستقيم » . . * ( اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ) * [1] . * ( وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) * [2] . * ( هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) * [3] . والكثير من الآيات المباركات التي تتحدث عن الصراط , ومعظم الآيات تأتي غير معرفة في كلتا الكلمتين , وفي بعض الآيات ينسب الحق تبارك وتعالى « الصِّرَاطَ » إلى ذاته ، وبصيغة أسماء الصفات مثل « صراط العزيز » , أو « صراط الحميد » , وفي آية أخرى ، يجمع العزيز والحميد في آخر الآية , ولقد لاحظت أيضاً أن كلمة « صراط » أتت في بعض الآيات منكرة ك - * ( فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ) * [4] أو * ( صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ) * [5] . كما لاحظت أن كلمة « صراط » لم تأت بصيغة الجمع خلاف كلمة « سبيل » , بل في بعض الآيات نسب الحق تعالى السبيل إلى نفسه ككلمة « سبيلي » فهل كلمة « سبيلي » هنا بمعنى صراطي أم أن لها معنى آخر ؟ مولانا الجليل , جزاكم الله عنا وعن شيعة أهل البيت عليهم السلام خير الجزاء , وحشرنا الله وإياكم مع موالينا وأئمتنا , إن الله سميع الدعاء , قريب مجيب . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . . < فهرس الموضوعات > الجواب على السؤال الأول : < / فهرس الموضوعات > الجواب على السؤال الأول : < فهرس الموضوعات > يفعلون - يعملون - يصنعون : < / فهرس الموضوعات > يفعلون - يعملون - يصنعون : بالنسبة للسؤال عن الفرق بين الكلمات التالية ، الواردة في الآيات القرآنية : يصنعون ، يعملون ، يفعلون . . نقول : قد ذكرت بعض كتب اللغة أن : الفعل : لفظ عام ، يقال لِما كان بإجادة وبدونها ، ولِما كان بعلم أو غير علم ، وقصد أو غير قصد ، ولِما كان من الإنسان والحيوان والجماد . . العمل : لا يقال إلا لما كان من الحيوان ، وبقصد وعلم . أما الصنع : فإنه من الإنسان دون سائر الحيوانات ، ولا يقال إلا لما كان بإجادة ، ولهذا يقال للحاذق المجيد ، والحاذقة المجيدة : صَنَعَ كبطل ، وصَنَاع كسلام . . والصنع يكون بلا فكر ، لشرف فاعله ، والفعل قد يكون بلا فكر لنقص فاعله ، والعمل لا يكون إلا بفكر لتوسط فاعله ، فالصنع أخص المعاني الثلاثة ، والفعل أعمها ، والعمل أوسطها . . فكل صنع عمل ، وليس كل عمل صنعاً ، وكل عمل فعل ، وليس كل فعل عملاً [1] . كما أن الصنع يطلق على الفعل الذي قصد به التوصل إلى أثره كالنجار يصنع الكراسي ، قال تعالى : * ( وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ) * . . [2] . وقال أبو هلال العسكري ما مفاده : إن الفعل هو إيجاد الشيء بعد أن كان مقدوراً ، سواء أكان عن سبب أم لا . ومن الأفعال ما يقع في علاج ، وتعب ، واحتيال . . أما العمل فهو إيجاد الأثر في الشيء ، يقال : فلان يعمل الطين خزفاً ، قال تعالى : * ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) * . . [3] ، أي ما تؤثرون . فيه بنحتكم إياه ، أو صوغكم له . . ولا يقال للفعل الواحد عمل ، وأصل العمل في اللغة الدؤوب وسميت الراحلة في اللغة ، يَعْمُلَة ، لأنها تدأب في السير . . والعمل لا يقتضي العلم بما يعمل له . فيسمى الذي يعمل عملاً لا يعرف فائدته عامل . وبعدما تقدم نقول : إن الظاهر هو أن هذه الخصوصيات قد لوحظت في الآيات ، فاختلفت التعابير فيما بينها ، بحسب كل معنى يراد بيانه . . 1 - فإن أريد الإشارة إلى أنهم إنما يأتون المنكر من موقع القدرة عليه ، والاختيار له ، وأنهم يأتونه بسبب وبدون سبب ، وأنهم قد ألفوه حتى أصبح من الأمور العادية التي يمارسونها من دون تكلف ، بل تصدر عنهم بعفوية ، ومن دون قصد والتفات في بعض الأحيان . . الأمر الذي يشير إلى مدى انسجامهم مع المنكر ، واستهتارهم بالمعروف ، وإلى مدى بعدهم عن الله تعالى ، وعن مواقع رضاه . . إنه إن أريد الإشارة إلى ذلك ، فإنه يختار للتعبير عن ذلك لفظ يفعلون . . 2 - إنه قد يكون المطلوب هو الإشارة إلى أن عدوانهم ليس بسبب غضب طغا على عقولهم ، فعطلها ، ولا لأجل منفعة شخصية دعتهم إليها شهوتهم ، ونفوسهم الأمارة ، فلما واجهوا من عارضهم في ذلك ، بادروا لإزالة معارضته بالعدوان عليه ، لتسهيل نيل مآربهم ، والحصول على شهواتهم ، فإن كان المطلوب هو الإشارة إلى ذلك ، فإن كلمة « يعملون » تكون هي الأنسب ، حيث تشير إلى أنهم قاصدون لنتائج أعمالهم ، وآثار عدوانهم ، تماماً كما يقصد العامل أن يجعل الطين خزفاً ، فهو قاصد بعمله أن يتوصل إلى خزفيته ، كما أن العامل في الذهب يريد أن يوجد صفة أو حالة بعينها ويجسدها فيه ، وهي صيرورته عقداً ، أو خاتماً ، أو ما إلى ذلك . ثم هي تشير إلى أن الوصول إلى ذلك الأثر قد كان نتيجة دأب وإصرار عملي وجهد ، فكلمة « يعملون » هي التي توحي بهذه المعاني ، ولا تقوم مقامها كلمتا يفعلون ولا يصنعون . . 3 - وأما حين يراد الإشارة إلى أن لهم مزيد عناية وقصد إلى إيجاد المنكر بكل مواصفاته ، وجامعاً لكل ميزاته . . وإلى أنهم يجيدونه أيما إجادة ، ويتقنونه مزيد إتقان . . وإلى أنهم يرون : أن هذا يجعل لهم امتيازاً وشرفاً على غيرهم . . ثم الإشارة أيضاً إلى أنهم يقصدون من هذه الإجادة الوصول إلى آثاره والحصول عليها . . وإلى أنه لا محل لتوهم الغفلة في حقهم ، بل الأمور واضحة لهم ، من حيث الدافع ، المرتبط بالأثر والنتيجة . . ففي هذا الحال يكون التعبير ب‌ « يصنعون » هو الأكثر ملاءمة لهذه المقاصد ، والأكثر وضوحاً في الدلالة عليها ، والإشارة إليها . . ولا تقوم كلمتا « يفعلون ويعملون » مقامه . وأما بالنسبة لتعريف كلمة الصراط ، وتنكيرها ، فنقول : إن التعريف للكلمة من شأنه أن يحصر مضمونها في نوع ، أو جنس ، أو فرد بعينه ، وأما تنكيرها ، فيطلقها من هذا القيد ، وكلمة صراط المنكرة ، تدل على فرد شائع في جنسه ، على سبيل البدل ، فإذا كان الكلام مع الكافرين الذين يرون أنه ليس للخلق غاية إلهية تحتاج إلى صراط مستقيم واحد يوصل إليها ، وهو الدين الذي شرعه الله سبحانه ، بل تتساوى لديهم جميع المناهج الاعتقادية ، والسلوكية ، ولا يعترفون بحتمية أي منهج أو طريق . . نعم ، إذا كان الكلام مع هؤلاء ، فإن هذا النوع من الخطاب يشير إليهم بوجود غاية لا بد أن ينتهي الخلق إليها ، وأن الطريق إلى تلك الغاية واحد ، وهو مستقيم ، لا مجال للاعوجاج ، ولا للتعدد فيه . . وذلك يستبطن إدانة إنكارهم للبعث ، والحساب ، والجنة ، والنار . . وإدانة واقع الاختلاف في الاعتقاد ، والمناهج والسبل ، وفي الأديان . . والتأكيد على أن الطريق الموصل إلى الله طريق وصراط واحد مستقيم ، لا يصح فيه الالتواء ، والاعوجاج ، لأن ذلك معناه الضلال عنه ، وعدم الوصول إليه . . وبعدما تقدم نقول : إن المثال التالي يوضح ، ما نرمي إليه . . وهو : أنه إذا كانت هناك غاية يراد الوصول إليها ، وبيننا وبينها جبال وأودية ، وغابات وصحاري ، ونبحث عن طريق موصل ، فنحن نجهل الطريق ، ونجهل مواصفاته التي توجب كونه موصلاً . . فهل يجب أن يكون مستقيماً ، أو يكفي مطلق الطريق ، حتى لو كان فيه التواء . . فيقال لنا : إن المستقيم فقط هو الموصل ، لأن أي التواء واعوجاج في الطريق يمثل انحرافاً عن الهدف ، وتضييعاً له . . وفيما نحن فيه نلاحظ : أن قوله * ( صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ) * [1] . . فيه إعلام بالحاجة إلى طريق موصل وإعلام بصفته ، وهو كونه مستقيماً . . فالتنوين إنما هو للإشارة والإعلام بلزوم الطريق الموصل ، ولزوم كونه مستقيماً ، وذلك لأن السامع جاهل بالأمرين معاً . . وأما التعبير : ب‌ « الصراط المستقيم » فإنما يكون في صورة إدراك الحاجة إلى شيء محدد ، فرضته علينا تلك الغاية ، وهو الطريق ، وإدراك الحاجة إلى صفة بعينها فيه ، هي صفة الاستقامة ، وليس هو مطلق طريق . . ولكن مع عدم تحديد المصداق الجامع لهذين الوصفين . وهما كونه طريقاً ، وكونه مستقيماً . . فالإتيان ب‌ « أل » التعريف يفيد تحديد ذلك المصداق الجامع للأوصاف المطلوبة . . ويكون قد وجد ما يبحث عنه ، مع علمه بحاجته إليه ، وبحاجته إلى صفة الاستقامة فيه . . والمؤمن يعرف أنه بحاجة إلى الصراط الموصوف بالاستقامة ، ولعل هذا هو السبب في أنه تعالى قال : * ( اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ) * [1] . وقال سبحانه عن موسى وهارون : * ( وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) * [2] . ولعل منه أيضاً قوله تعالى : * ( فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ) * [3] . أو * ( صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ) * [4] حيث يظهر منه : أنه بصدد تحديد مصداق الصراط السوي . . < فهرس الموضوعات > صراط العزيز الحميد : < / فهرس الموضوعات > صراط العزيز الحميد : وهناك حالات يكون المطلوب فيها هو ضمان توفر صفة الاستقامة في الصراط ، أو تحديد خصوصية أخرى فيه ، كخصوصية أو صفة يتصف بها واضعه ، ومن ينتهي إليه ، أو غير ذلك ، فتكون الآيات مشيرة إلى توفر تلك الخصوصية ، مؤكدة عليها ، وذلك كما في قوله تعالى : * ( صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) * . . [5] . < فهرس الموضوعات > نسبة الصراط إلى نفسه : < / فهرس الموضوعات > نسبة الصراط إلى نفسه : وأما السبب في أنه ينسب الصراط إلى نفسه من خلال صفتي « العزيز » و « الحميد » ، فيقول تارة : « صراط الحميد » ، وتارة : « صراط العزيز الحميد » . . فإنه يظهر من ملاحظة أجواء الآيات التي ذكرت الوصفين ، أنها تشتمل على خصوصيات لها ارتباط بهذين الوصفين ، أو أحدهما ، فما اقتصر في القرآن على وصف واحد هو آية واحدة ، وهي قوله تعالى عن المؤمنين : * ( وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ) * [1] . وهناك ثلاث آيات ، ذكر فيها وصفان ، هي : الأولى : قوله تعالى : * ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ، صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ ) * [2] . الثانية : قوله تعالى : * ( وَيَرَى الَّذِينَ أوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) * [3] . الثالثة : قوله تعالى : * ( الَر * كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ) * [1] . فإذا لاحظنا الآيات الأربع ، فسوف نلاحظ : مدى انسجام ملاءمة وصف الحميد لمضمون الكلام الذي سبقه وهو قوله : * ( وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ) * . . في الآية الأولى . . وفي الآية الثانية : هناك انسجام تام بين إشارات ودلالات الآية وبين ألوهيته ومالكيته تعالى لما في السماوات وما في الأرض ، فإنه تعالى هو الذي جعل ذلك الوحي نوراً ، وهو الذي يهدي به ، وهو الذي يشاء لهم الهداية . . فالصراط الذي يهدي إليه الرسول ، هو صراطه تعالى من موقع ألوهيته ، ومالكيته لما في السماوات وما في الأرض . . إذ إن هذه الهداية ، وهذا الاستقلال في المشيئة ، هما من مظاهر ألوهيته ، ومن تجليات مالكيته تعالى . . وفي الآية الثالثة : نجد أن كل ما أنزله الله على رسوله يختزن الحق كل الحق ، وهذا يتناغم مع ما ينشده الإنسان في حياته ، ويجسد له طموحاته ، حين يستوثق من واقعه ومن مستقبله ، إذ هو يستند إلى مقام العزة ، والكرامة ، ليعيش هذه الروح في التزامه بذلك الحق الذي أنزله الله على الرسول ، ويطمئن إلى أنه في مواضع الحمد ، والسلامة ، والرضا ، والفلاح . فالتعبير بالعزيز الحميد هو الذي يتناغم وينسجم مع هذه المشاعر ، ومع واقع الحق في ما أنزله الله تعالى . . والآية الأخيرة : تؤكد على أن بالخروج من الظلمات إلى النور يتجلى ثبات الإنسان ، ويشعر بقوة بكيانه ، وبحقيقة وجوده ، فلا يعيش الضعف ، والوهن ، والضياع ، والذل ، في ظلمات التيه والجهل والحيرة . . وهذا ما يجعله يشعر بالعز وبالكرامة ، ويعيش الرضا والسلامة والحمد مع الله العزيز الحميد . . الجواب على السؤال الثالث : السبيل والصراط : وأما السؤال عن السبيل والصراط ، وعن الإفراد والجمع فيهما ، فنقول : إن هناك فرقاً من ناحيتين على الأقل ، بين السبيل والصراط . . ويتضح ذلك من خلال العرض التالي : قد فسر السبيل بالطريق ، ولكنه يختلف عن الطريق بأمور : أحدها : أنه أغلب وقوعاً في موارد الخير . . [1] . الثاني : أنه يستعمل في الطريق وما وضح منه . . [2] . الثالث : أنه يراد به في الطريق السهل . . [3] . الرابع : أنه يستعمل في ما يتوصل إليه بالأعمال الجوارحية ، فيقال : أنفق ، وجاهد في سبيل الله . . أو في سبيل الشيطان . . الخامس : أنه يستعمل في مفردات الدين وأجزائه . . أما الصراط فهو الطريق أيضاً ، ولكنه يختلف عنه بالخصوصيات التالية : 1 - إنه الطريق السهل ، قال الشاعر : < شعر > حشونا أرضهم بالخيل حتى تركناهم أذل من الصراط < / شعر > وهو من الذل خلاف الصعوبة ، لا من الذل خلاف العز . . [1] . وعبارة الراغب : السبيل هو : الطريق المستسهل . . [2] . 2 - إنه الطريق المستقيم . . [3] 3 - وهو أيضاً السبيل الواضح [4] . 4 - ويطلق على الدين كله . بما فيه المعتقد القلبي . . وبعدما تقدم نقول : إذا كانت الاستقامة مأخوذة في معنى الصراط ، وإذا كان لا بد للصراط المستقيم من غاية يوصل إليها . . وإذا كان حين يطلق على ما يوصل إلى الله ، فإنه يكون منحصراً بفرد واحد ، وهو المستقيم ، والواضح ، والسهل . . فسيصبح واضحاً : أن الصراط يفترق عن السبيل بأمرين : 1 - إن الصراط يستبطن معنى الاستقامة . . 2 - إن السبيل يطلق على أجزاء الدين ومفرداته ، وما له اتصال بالعمل الجوارحي ، والصراط يطلق على الدين كله كما هو الغالب . . وهذا يعطينا : أن الصراط لا بد أن يكون بصيغة المفرد ، وأن لا يأتي جمعاً أصلاً . . وأما كلمة « سبيل » ، فإنها تستعمل في الطريق السهل والواضح ، ولم يؤخذ فيها معنى الاستقامة ، وإنما يؤدي السبيل معنى الصراط حين يراد منه الدين الحق ، وذلك إذا صاحبته قرينة على ذلك ، مثل أن ينسب إلى الله تعالى ، أو إلى النبي صلى الله عليه وآله ، كقوله تعالى : * ( هَذِهِ سَبِيلِي ) * [1] . . أي طريقي السهل الواضح ، الموصل إليَّ . . ولأجل ذلك ، فإن السبل قد تتعدد ، كما قال تعالى : * ( وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ) * [2] . وبعد ، فإن الإجابة الوافية على هذا السؤال تحتاج إلى المزيد من البحث والبيان ، وأعتذر عن القصور ، وعن التقصير ، فإن القرآن بحر عميق ، لا تفنى عجائبه ، ولا تنفد غرائبه ، ولا يشبع منه علماؤه . . والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين . .

1