رواية دلائل الأئمة صحيحة
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . سيدي ومولاي العلامة المحقق السيد جعفر العاملي . . أوردتم في كتابكم القيم : « مأساة الزهراء « عليها السلام » » الرواية التالية ، نقلاً عن كتاب دلائل الإمامة للطبري : روى الطبري في « دلائل الإمامة » عن محمد بن هارون بن موسى التلعكبري ، عن أبيه ، عن محمد بن همام ، عن أحمد البرقي ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عبد الله بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قبضت فاطمة عليها السلام ، في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه سنة إحدى عشرة من الهجرة ، وكان سبب وفاتها : أن قنفذاً - مولى عمر - لكزها بنعل السيف بأمره ، فأسقطت محسناً ، ومرضت من ذلك مرضاً شديداً ، ولم تدع أحداً ممن آذاها يدخل عليها . وكان الرَّجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله سألا أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - أن يشفع لهما إليها ، فسألها أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمَّا دخلا عليها قالا لها : كيف أنتِ يا بنتَ رسول الله ؟ قالت : بخير بحمد الله ، ثمَّ قالت لهما : ما سمعتما النبي يقول : « فاطمة بضعةٌ منِّي فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ؟ » . قالا : بلى . قالت : فوالله لقد آذيتماني . . قال : فخرجا من عندها عليها السلام ، وهي ساخطة عليهما [ انتهى ] . وقلتم عن الرواية إنها صحيحة السند . وقد ذكرتم في السند ( عبد الله بن سنان ) وليس ( ابن سنان ) كما هو موجود في البحار . والغريب في الأمر أن عبد الله بن مسكان يروي عن عبد الله بن سنان ، وليس العكس كما هو مذكور في كتب الرجال . والذي يروي عن عبد الله بن مسكان ، هو محمد بن سنان ، وليس عبد الله بن سنان . . روايات محمد بن سنان عن ابن مسكان كثيرة في الكتب الأربعة . . فهل ترون أن عبد الله بن سنان يروي أيضاً عن ابن مسكان ؟ ! وهل عثرتم على روايات أخرى أم أن هذه هي الرواية الوحيدة التي يرويها عبد الله بن سنان عن ابن مسكان ؟ ؟ ؟ جزاكم الله خيراً ، وجعلنا وإياكم من الفاطميين الذين فطموا من النار بحقهم صلوات الله عليهم . .
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . . فقد سألتم عن رواية ابن سنان عن ابن مسكان ، واستغربتم أن يكون الراوي عن ابن مسكان هو عبد الله بن سنان ، لا محمد بن سنان ، مع أن هذا هو الصحيح ، بقرينة أنه لم يوجد لعبد الله رواية عن ابن مسكان . . ونقول : إنه لا بد من ملاحظة الأمور التالية : 1 - إنهم يقولون : إن ابن سنان يروي عن الإمام الصادق عليه السلام . . وقيل : إنه يروي عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، ولم يثبت . . [1] . مع أنهم يذكرون أنه كان خازناً للمنصور ، والمهدي ، والهادي ، والرشيد . . [2] والرشيد إنما تولى الخلافة في سنة 170 للهجرة ، فابن سنان إذن قد مات بعد ابتداء خلافة الرشيد أي بعد سنة 170 ه . . وإذا كان الإمام الصادق عليه السلام قد استشهد في سنة 148 للهجرة ، فلماذا لم يرو عن الإمام الكاظم عليه السلام مع أنه قد عاصره هذه السنين الطويلة ؟ ! فهل لأنه كان عليه السلام في المدينة ، وهو كان في بغداد مع الخلفاء ، يعمل لهم خازناً ، ولا يستطيع أن يلتقي بالإمام بسبب ذلك ؟ ! . . أم أن السبب غير ذلك ؟ ! . . 2 - ومن جهة أخرى ، فقد عد الشيخ في رجاله : ابن مسكان من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام ، وعدَّه المفيد من فقهاء أصحاب الإمامين الصادق والكاظم عليهما السلام . . [1] وعدّوه من أحداث أصحاب الإمام الصادق عليه السلام أيضاً . . فابن مسكان قد عاصر الإمامين الصادق والكاظم عليهما السلام ، على حد سواء ، ولكنه لم يرو - كما يقولون - عن الإمام الصادق عليه السلام سوى حديث واحد ، هو : من أدرك المشعر ، فقد أدرك الحج . . مع أنه كان من أروى أصحاب أبي عبد الله عليه السلام . . ويذكرون في سبب ذلك : أنه كان لا يدخل على أبي عبد الله عليه السلام شفقة من أن لا يوفيه حق إجلاله ، وكان يسمع من أصحابه ، ويأبى أن يدخل عليه إجلالاً وإعظاماً له . . [2] . وابن مسكان أيضاً قد مات في زمن الإمام موسى الكاظم عليه السلام قبل الحادثة . . [3] . والظاهر : أن المقصود بالحادثة هو نكبة البرامكة التي حصلت في سنة 186 للهجرة . وقال المامقاني : أراد حادثة حمل الإمام من الحجاز عن طريق البصرة وحبسه ، أو وقوع الوقف بعد موته . . [1] . 3 - مما تقدم يظهر : أن ابن سنان ، وابن مسكان ، كانا متعاصرين . وأنهما قد عاصرا الإمامين الصادق والكاظم عليهما السلام ، وكانا في خلافة الرشيد ، قبل استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام ، على قيد الحياة . . وقد صرحت الروايات بموت ابن مسكان قبل استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام ولم تصرح بذلك عن ابن سنان . . ولكن رغم هذه المعاصرة ، فإن ابن سنان لم يرو عن الإمام الكاظم عليه السلام ، وابن مسكان لم يرو عن الإمام الصادق عليه السلام . . وقد صرحت بعض النصوص بأن سبب عدم رواية ابن مسكان عن الإمام الصادق عليه السلام هو تهيبه من الدخول عليه ، خوفاً من أن لا يوفيه حقه ، ولم تصرح بشيء بالنسبة للسبب في عدم رواية ابن سنان ، عن الإمام الكاظم عليه السلام . . 4 - إن ملاحظة أسماء الذين يروون عن ابن سنان ، وعن ابن مسكان ، تعطي أن عدداً منهم يروي عن هذا تارة ، وعن ذاك أخرى . . 5 - إن مراجعة كلمات الذين يذكرون من يروي عن هذا أو عن ذاك ، تعطينا أيضاً : أن الإحصائيات التي يوردونها ناظرة غالباً إلى خصوص الكتب الأربعة : الكافي ، والتهذيب ، والاستبصار ، ومن لا يحضره الفقيه . . [1] . 6 - إنهم حتى في إحصائياتهم المشار إليها لا يتمتعون بالدقة في التتبع ، فيقعون في الخطأ أحياناً . . وقد وقعوا في الخطأ حتى في نفس هذا المورد الذي نحن بصدده . فقد قالوا : إن ابن مسكان لم يرو عن الإمام الصادق عليه السلام ، إلا حديث : من أدرك المشعر فقد أدرك الحج . . مع أن ابن مسكان قد روى عن الإمام الصادق عليه السلام [2] في نفس الكتب الأربعة ، وقد جاء حديثه بلفظ : سمعت أبا عبد الله يقول . . فراجع الكافي ، باب طلب الرياسة . . وبلفظ : سألت أبا عبد الله في باب السعي بين الصفا والمروة في كتاب التهذيب . . وبلفظ : عن أبي عبد الله . وبلفظ : قال أبو عبد الله ، كثير في الكافي والتهذيب . . وقال الوحيد البهبهاني في التعليقات : قال جدي في شرح الفقيه : قد تقدم قريباً من ثلاثين حديثاً من الكتب الأربعة وغيرها عنه ، عن أبي عبد الله عليه السلام . إلا أن يقال : إن ذلك كله ليس صريحاً في روايته وسماعه المباشر من الإمام الصادق عليه السلام . . [1] . ولكن هذا التأويل مرفوض بعد تصريحه بسماعه من الإمام الصادق عليه السلام في الكافي في باب طلب الرياسة . . والقول بوقوع الاشتباه من قبل العلماء في هذا الأمر هو الأولى بالقبول والاعتماد . . هذا على الرغم من أن هذا النفي يحتاج إلى إثبات أن تتبعهم يشمل حتى غير الكتب الأربعة . . وهو موضع شك أكيد . . 7 - إن العلماء حين يذكرون من يروي عن ابن سنان ، وعن ابن مسكان ، أو من يرويان عنه يُتْبِعُون كلامهم بكلمة : وغيرهم . . [2] . 8 - قال المامقاني وهو يعدد من يروي عن عبد الله بن مسكان : « والحسن بن الجهم ، وابنه محمد بن عبد الله بن مسكان ، وعبد الله بن سنان ، وعلي بن رئاب ، ومحمد بن علي ، وغيرهم عنه . . » [3] . وقال المولى أحمد الأردبيلي : « عنه ( أبي عن عبد الله بن مسكان ) عبد الله بن سنان في باب من اشترط في حال الإحرام الخ . . » [1] . 9 - ما المانع من أن يروي عبد الله بن سنان عن ابن مسكان خصوص هذه الرواية ، حتى لو لم يرو عنه أية رواية أخرى . . بل حتى لو كان عبد الله بن سنان في مرتبة الشيخ بالنسبة لابن مسكان ، فإن رواية الأكابر عن الأصاغر ليست بالأمر الغريب أو المستهجن . . 10 - إنه يلاحظ أن الطبري قد أورد هذه الرواية بنفس هذا السند في كتابه في موردين أحدهما ص 79 فقال : « . . وحدثنا محمد بن عبد الله قال : حدثنا أبو علي محمد بن همام ، قال : روى أحمد بن محمد البرقي ، عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عبد الله بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام . . » . والآخر في صفحة 134 ، قال : « حدثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني أبو علي محمد بن همام بن سهيل رضي الله عنه ، قال : روى أحمد بن محمد بن البرقي ، عن أحمد بن محمد الأشعري القمي ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عبد الله بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام ، قال : الخ . . » . فذكره للرواية في الموردين بسند واحد يؤكد : أنه متعمد للتصريح بالاسم ، وأنه لا يوجد اشتباه في السند . . وقد نقلها في البحار عنه ، لكنه اختصر السند كعادته ، وتصرف فيه ، فقال : عن محمد بن هارون بن موسى التلعكبري ، عن أبيه ، عن محمد بن همام ، عن أحمد البرقي ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير . . [1] . ونقل الحديث الأول متصرفاً فيه ، ومختصراً له أيضاً فقال : عن أبي المفضل الشيباني ، عن محمد بن همام ، عن أحمد بن محمد البرقي ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير . . [2] . 11 - وبعد . . فإنهم حين يقولون : ابن سنان ، فالمتبادر هو عبد الله ، إلا إذا دلت قرينة على أن المراد هو محمد بن سنان ، ويشير إلى ذلك : اختصار البحار لكلمة عبد الله بن سنان ، وابن مسكان ، في الموردين بقوله : ابن سنان ، وابن مسكان . . وقد وردت رواية ابن سنان عن ابن مسكان ، من دون تصريح في الكافي . . [1] وحملها على أن المراد هو محمد بن سنان ، لا عبد الله ، مجرد استحسان ، إذ إن الرجلين كانا متعاصرين ، ولا مانع من رواية كل منهما عن الآخر . . والعدول عما شاع بين العلماء ليس له ما يبرره ، إلا إذا دل دليل على عدم رواية عبد الله بن سنان ، عن ابن مسكان بالمرة . . ومجرد كثرة رواية محمد عن ابن مسكان ، لا ترجح كونه هو المراد ، ولا توجب العدول عما هو شائع في طريقة تعبيرهم . على أن رواية محمد عن ابن سنان ليست بهذه الكثرة المفرطة التي تمنع من إرادة غيره . . 12 - إننا نعود فنكرر ونلخص : أنه حتى لو لم يرو عبد الله بن سنان عن ابن مسكان إلا هذه الرواية ، فإنه يؤخذ بها مع هذا التصريح المتعمد بالاسم في موردين من موارد النقل ، الأمر الذي يبعِّد احتمال الخلط ، والاشتباه في الأسماء . . لأن رواية الأكابر عن الأصاغر هي بطبيعتها مبنية على الندرة والقلة ، وذلك حين يلفت نظره أمر لم يصل إليه عن غير هذا الطريق ، فيبادر إلى نقله عمن لا يضارعه في السن ، ولا في المقام والمرتبة ، ولا يعد من أقرانه . . فكيف إذا كان لم يثبت ذلك ، بل كانت القرائن تشير إلى أنه من أقرانه ، كما تقدم ! ! وقد عدُّوه من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام . . وأما الإشكال على الرواية بعدم إمكان رواية البرقي ، وهو من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام ، عن ابن سنان ، وهو من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام . . فهو إشكال في غير محله . . فإن ابن سنان كان خازناً للرشيد ، فهو من أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام ، وقد روى البرقي عن أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام كثيراً . . وفي جميع الأحوال نقول : إن الروايات لا تنحصر في الكتب الأربعة ، فحتى لو لم يرد في الكتب الأربعة أية رواية لابن سنان ، عن ابن مسكان ، فإن ذلك لا يدفع رواية دلائل الإمامة ، ولا يسقطها عن درجة الاعتبار . . والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين . .